تنافس شديد بين عملاقي التقنية للسيطرة على مملكة الـ«ويب».. والمخرجات النهائية تصب في مصلحة «الثانية»

«ياهو» و«غوغل».. البدايات الواعية تقود إلى كيانات عملاقة

صورة

منذ عقد مضى، كان يمكن للجميع أن يرى عملاقي التكنولوجيا شركتي «غوغل» و«ياهو» الأميركيتين، يسيران جنباً إلى جنب، تتلامس أكتافهما، وتتساوى هامتاهما بسهولة تامة.

لكن ما حدث خلال هذا العقد غيّر كل شيء، حتى بتنا نشهد تلك اللحظات التي تفقد فيها «ياهو» استقلالها، باعتبارها مشروعاً اقتصادياً ناجحاً.

وربما يكون من الغريب المقارنة بين الشركتين حالياً، لكن الأمر لايزال مفيداً إذا ما حاولنا أن نرصد كيف أدت اختيارات الشركتين إلى اختلاف وضع كل منهما الآن، وتباين أدائهما الاقتصادي بدرجة كبيرة.

منصة «ياهو»

كانت الشركتان العملاقتان تتنافسان في عام 2003 للسيطرة على أكبر قدر ممكن من مملكة الـ«ويب» التي تتنامى حدودها وتتسع بسرعة شديدة، لكن الطريقة التي اقتربت بها كلا الشركتين من حدود هذه المملكة أثّرت في المخرجات النهائية للأعمال الخاص بهما.

ومع بداية الألفية الثانية، اتخذت «غوغل» و«ياهو» مسارين مختلفين تماماً في كسب حصة من كعكة المجالات التي تشهد نمواً متلاحقاً وطلباً كبيراً، مثل البحث، والبريد الإلكتروني، والخرائط.

وجاء الحل لـ«ياهو» عبر الاعتماد على منصة NetApp filers التي سمحت للشركة بزيادة مساحة الخوادم بمعدلات كبيرة.

واعتمدت «ياهو» لاحقاً في كل الخدمات التي تقدمها على أجهزة تخزين تستند إلى المنصة، الأمر الذي جعل جميع الأدوات التي تقدمها تتسم بسهولة الاستخدام، ومنح الشركة فرصة جيدة وسريعة للاستجابة لاحتياجات السوق، لتصبح «ياهو» وبشكل سريع، أكبر زبون لما عرف بمنصة NetApp’s.

برمجية «غوغل»

في الوقت نفسه، كانت «غوغل» تعمل على بنية برامجية خاصة بها، عرفت باسمthe Google File System كي تعمل لاحقاً، كمنصة تخدم عدداً كبيراً من الاستخدامات التي تعتزم «غوغل» تقديمها، ما منحها ميزات عدة مثل فرصة التوسع والمرونة الملحوظة، كما سهّل وزاد من وتيرة تقديمها لعدد كبير من تطبيقات الـ«ويب»، بدءاً من الخرائط، وحتى التخزين السحابي.

وفي الوقت الذي استغرقت فيه «غوغل» أربع سنوات كاملة، بذلت خلالها جهوداً هندسية ضخمة قبل أن يصل the Google File System إلى تلك النقطة التي تستطيع فيها الشركة استخدامه في عملياتها المهمة، كانت «ياهو» قطعت خطوات بعيدة، واستطاعت الاستجابة للطلبات المتنامية على خدماتها.

تحديات وعوائق

وظهر الأمر وكأن «ياهو» حازت قصب السبق في السيطرة على عالم الإنترنت، لكن السرعة التي انطلقت بها إلى السوق بدأت تشهد بعض التراجع، وتعترضها العديد من العوائق، فعندما تقرر «ياهو» إضافة خدمة جديدة، فإن عليها أن تعيد هندسة منصتها NetApp لتتناسب مع الخدمة المحددة.

ونتيجة لذلك، ظهرت تحديات مشابهة أمام خدمات «ياهو» المنفصلة، منها البريد الإلكتروني YahooMail ومحرك البحث الخاص بالشركة Yahoo Search. وكان من الضروري حل هذه المشكلات عشرات المرات، اعتماداً على بنى تحتية مختلفة، إلا أن اختلاف هذه البنى وتجزؤها أديا إلى تقليل كفاءة العمل.

أما «غوغل» فقد توقعت مثل هذه المشكلات، وحاولت التجاوب معها من خلال بناء نظامها الخاص filesystem، وهو أمر اتضح لاحقاً أنه يساوي الكثير، فمثلاً عندما اشترت «غوغل» موقع «يوتيوب»، استطاعت بسهولة تامة الاستغناء عن البنى التي كان الموقع يعمل بها، ووضعته ضمن منصتها الخاصة بسهولة تامة. كما أن التحديث الذي يجريه مهندسوها يتم مرة واحدة لكل البناء الهندسي الأساسي، إضافة إلى أن الحلول المقدمة يمكن تطبيقها على كل خدمات «غوغل».

منصة مرنة

وفي النهاية، سمحت المنصة المرنة لـ«غوغل»، بتشارك الموارد وعمليات الحوسبة في حالات عدة. وعلى سبيل المثال، إذا كانت الخوادم غير مشغولة بعمليات بحث، فإنه يمكن استخدامها في خدمة البريد الإلكتروني، الأمر الذي انعكس في تقليل الكلفة بمرور الوقت.

وفي الوقت ذاته، بدأت «ياهو» تعاني جراء زيادة التكاليف من ناحية، وتنامي تعقيدات البنية التحتية من ناحية أخرى. ومع الوقت، لم تستطع الشركة الناجحة إيجاد المال الكافي لمسايرة «غوغل» في عمليات التطوير ونشر تطبيقات جديدة.

فهم المشكلة

بعد كل ما تم سرده من مفارقات في حياة عملاقي التقنية، يرى خبراء أن ما حدث يدلل بشكل كبير على أهمية البنية التحتية المرنة، وإن كان بعض المحللين يرى أن الأمر يمتد إلى ماهو أبعد من البنية التحتية وهندسة التطبيقات، وهو الحاجة للفهم الكامل للمشكلة قبل الاهتمام بالحلول، فعند وضع تصور لمشكلة ما، فإنه ينبغي البدء من المشكلة نفسها، وصم الأذان عن الحلول الموجودة والطرق المعتادة، والممارسات المألوفة، بل وإهمال كل ما تم فعله من قبل، والقيام ببناء حل نموذجي.

وبمجرد الإقدام على هذه الخطوة، فإنه يمكن تحديد الحلول التي يجب استخدامها من بين الحلول المتاحة بالفعل، وما ينبغي إعادة بنائه.

وربما يعتبر هذا السبب الجوهري وراء نجاح العديد من الشركات والمشروعات الناشئة التي حلت محل مشروعات أخرى كانت أقدامها أكثر رسوخاً.

وأخيراً، فإنه يمكن القول باطمئنان كبير، إنه في الوقت الذي تنتظر فيه «ياهو» التي كانت يوماً ما ملء السمع والبصر مستقبلاً غائماً يسوده تحكم الآخرين في مصيرها، وصراعات وخلافات أعضاء مجلس إدارتها، ولوم الجميع للجميع، فإن «غوغل» تحصد ثمار هذه الأوقات الطويلة التي قضتها في بناء استراتيجية واثقة شاملة تعتمد على حلول خاصة لها، ونماذج مبدعة حققت التكامل بين جميع المنصات.

تويتر