الحواسيب تتجه إلى إنتاج 90% من الأخبار المقروءة بحلول 2025

برمجيات الكتابة.. صحافيون آليّون على مدار الساعة

صورة

لا يرتبط عمل الصحافي بوقتٍ محدد، بل كثيراً ما تحكمه تحولات الأخبار وضرورة الوجود لتغطية خبر عاجل، ويدخل مهنة الصحافة حالياً صحافيون جدد مستعدون دائماً لتأليف قصص إخبارية فورية حول الأخبار العاجلة وقطاعات الاقتصاد والرياضة.

وفي الواقع، فإن هذه الفئة الجديدة من المحررين ليست سوى برمجيات للكتابة الآلية تزود بالبيانات لتصيغ سريعاً مقالات بلغة سهلة، حسب ما تناول تقرير لصحيفة «الغارديان» البريطانية.

وعلى سبيل المثال، ففي فجر يوم 17 من مارس الماضي، استيقظت مدينة لوس أنجلوس على هزة خفيفة، وبعد أقل من ثلاث دقائق نشر موقع جريدة «لوس أنجلوس تايمز» خبراً حول الزلزال، لكن الخبر القصير لم تصغه وكالة صحافية على عجل، وإنما برنامج آلي.

ونشرت الصحيفة ما يلي: «سُجل صباح الاثنين زلزال بقوة 4.7 ريختر على بعد خمسة أميال (نحو ثمانية كيلومترات) من ويستوود في كاليفورنيا، وفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية، وقع الزلزال في 6:25 دقيقة صباحاً على عمق خمسة أميال بتوقيت المحيط الهادئ، وكان مركز الزلزال على بعد ستة أميال من بيفرلي هيلز، وسبعة أميال من يونيفرسال سيتي، وسبعة أميال من سانتا مونيكا في كاليفورنيا، و348 ميلاً من سكرامنتو، وخلال الأيام الـ10 الماضية، لم تشهد الأماكن القريبة زلزالاً بقوة ثلاث درجات أو أكثر، وقد وردت هذه المعلومات من خدمة الإعلام لهيئة المسح الجيولوجي».

وكتب الخبر السابق واحد من فريق عمل الصحيفة يعمل صحافياً ومُطور برامج للحاسب، وفي ذلك الصباح تلقت مخدمات هيئة المسح الجيولوجي من العديد من أجهزة قياس الزلازل «سيسموغراف» ما يُفيد بوقوع هزة زلزالية، ومن ثم ترجمتها إلى أرقام أُرسلت إلى الحاسب الشخصي للصحافي.

وبمجرد وصول المعلومات إلى البرنامج الآلي الخاص بالصحافي، اختار المعلومات ذات الصلة وصاغها في مقال، ومع استيقاظ الصحافي، راجعه سريعاً ثم نشره، وفي الواقع، فلا تُعد المراجعة البشرية شرطاً لنشر هذا النوع من النصوص، فيُمكن صياغتها ونشرها من دون أي تدخل بشري.

واسترعى الخبر انتباه وسائل الإعلام الأميركية، لاسيما في ظل استغناء مؤسسات إعلامية عن صحافيين لأسباب مالية، ما دفع البعض إلى التخوف من أن تحل البرامج الآلية مكان الصحافيين، لكن مجال الكتابة الآلية، مع تفاوت إمكاناتها من حيث التطور والاستقلالية، لا تقتصر على الصحافة، بل تُسهِم بإنتاج قدر كبير من الوثائق المكتوبة في العديد من القطاعات التجارية.

وفي الولايات المتحدة، أسهم باحثون في الذكاء الاصطناعي في «جامعة نورث ويسترن» بتطوير تقنيات الكتابة الآلية، ومنهم الرئيس المشارك لمختبر المعلومات الذكية، لاري بيرنبوم، الذي يُدرس أيضاً في «كلية ميديل للصحافة».

وأسهم بيرنبوم في اختراع نظام «كويل» Quill، الذي يُمكن تشغيله على حاسب عادي بنظام «لينكس»، وفي شرح طريقة عمل البرنامج، يُميز بيرنبوم بين أربع خطوات نظرية، لكنها عملياً تتداخل معاً.

ويبدأ «كويل» باستيراد البيانات، سواء كانت جداول أو قوائم أو رسوماً بيانية من إنتاج برمجيات أخرى، وبحسب بيرنبوم فتُشكل تلك الأشكال جزءاً كبيراً من المعلومات التي يُنتجها البشر من حسابات شركة ما إلى مدونة تصف أحداث مباراة في كرة القدم، وفي الوقت نفسه، يُمكن لأنظمة ذكية أخرى تحويل البيانات المتوافرة في صور مختلفة، منها النصوص إلى أشكال يُمكن للآلات فهمها، ما يسمح للكتاب الآليين بالوصول إلى مختلف صور المعرفة البشرية.

أمّا المهمة التالية لـ«كويل» فتتضمن إجراء التحليل السردي، وقال بيرنبوم: «تُصنف البيانات وترتب وفق طريقة تُركز حصراً على بناء سرد الرواية، وذلك من خلال اختيار بعض الحقائق، وتأكيد الإجراءات، وإبراز الأرقام»، ومن ذلك ينتقل «كويل» إلى المهمة الثالثة الأكثر إبداعاً، وتتمثل في إنتاج الخبر أو القصة.

ويشرح بيرنبوم دور الخوارزميات في بناء خطة للكتابة مع قائمة من الحقائق، واختيار الجوانب التحريرية المُلائمة، ويُنتج ذلك مزيجاً من الكلمات والتعليمات البرمجية والرسوم البيانية، ما يُمكن للحاسب فقط فهمه. واستناداً إلى هذه المادة، يتحول «كويل» إلى مرحلة الصياغة.

وقال بيرنبوم إن «كويل» يعتمد على مكتبة من القواعد والكلمات والتعبيرات المُستمدة من اللغة الإنجليزية العادية، إضافة إلى مصطلحات مهنية متخصصة، وقد تكون الخطوة الأخيرة هي الأكثر إبهاراً في عمل البرنامج بالنسبة لغير المتخصصين، وهو ما يختلف بالنسبة للقريبين من مجال الذكاء الاصطناعي، إذ أمكن قبل سنوات صياغة الحواسيب للغة الإنجليزية، وتأخر استخدامها في الكتابة الآلية بسبب نقص الوصول إلى المعلومات.

وبغرض الاستفادة تجارياً من برنامج «كويل»، أسس الباحث في مختبر المعلومات، كريس هاموند، شركة «ناريتيف ساينس»Narrative Science في ولاية شيكاغو.

واعتبر هاموند أنه في غضون سنوات قليلة، لن يضطر أحد لإضاعة الوقت في محاولة فهم جدول بيانات أو رسم بياني، فيُمكن لبرنامج «كويل» وأمثاله تنقيح البيانات وتحويلها إلى نص واضح وبسيط يسمح بفهم الرسالة المقصودة بوضوح من خلال اللغة.

وكان هاموند ذكر أخيراً أنه في عام 2025 من المتوقع أن تتولى الحواسيب إنتاج 90% من الأخبار التي يقرأها الجمهور، لكنه يُشير إلى أن هذا التوقع لا يعني عمل الحواسيب بدلاً من 90% من الصحافيين، نظراً لازدياد حجم المواد المنشورة بشكلٍ كبير.

وإضافة إلى الرياضة، يهتم نظام «كويل» بأخبار الخدمات المالية التي عادةً ما تتكرر صيغ مقالاتها.

وتستعين بعض المصارف والوسطاء ووكالات التقييم الراغبين في إخفاء هويتهم ببرنامج «كويل» لصياغة عددٍ لا يُحصى من التقارير التي تطلبها الجهات الإدارية والهيئات التنظيمية.

وبحسب هاموند، فيتم حتى الآن فحص المقالات التي ينتجها «كويل» قبل إرسالها، إذ لايزال البرنامج في مرحلته التجريبية، وهو ما سيتغير في غضون أشهر قليلة بإرسال المقالات مباشرة دون مراجعة بشرية، ويعتقد هاموند أن ذلك سيفتح المجال لتقدم منصة «كويل» حين تتمكن من تتبع مليارات المستهلكين بدراسة مشترياتهم على الإنترنت، وعاداتهم في التصفح، والاتصالات المتنقلة ونحو ذلك.

ويعني ذلك تقديم الأخبار بطريقة تُلائم سمات واهتمامات كل شخص. وقال هاموند: «في يومٍ ما، لن يكون هناك سوى قارئ واحد فقط لكل مقال».

ولا تُعد شركة «ناريتيف ساينس» وحيدة في مجال الكتابة الآلية، إذ تتنافس مع شركات قائمة وأخرى جديدة، ومثلاً تبيع شركة «أتوميتيد إنسيتس» Automated Insights، التي تتخذ من ولاية كارولينا الشمالية مقراً لها، نظاماً للكتابة الآلية يحمل اسم «وورد سميث» Wordsmith، الذي تصفه بأنه «منصة لإنتاج اللغة الطبيعية». ووفقاً لنائب الرئيس للمبيعات والتسويق في «أتوميتد إنسيتس»، آدم سميث، فإن «الشركة تتعامل مع موقع (ياهو نيوز)، وشركة (جانيت) Gannett، التي تنشر صحيفة (يو إس أيه توداي) وغيرهما». وتصيغ المنصة إعلانات النتائج المالية وتقارير حول التسويق والأنشطة التجارية.

وقال سميث إنه «يُمكن للمنصة الاعتماد على البيانات نفسها حول أسعار الأسهم لصياغة ملايين القصص المختلفة التي تُركز كل واحدة منها على محفظة مالية واحدة».

تويتر