الصفقة تمثل 10% من قيمتها السوقية

لماذا دفعت «فيس بوك» 19 مليار دولار مقابل «واتس أب»

صورة

كشفت شركة «فيس بوك» أخيراً عن استحواذها على تطبيق التراسل الفوري «واتس أب» مقابل 19 مليار دولار، وهو الخبر الذي دفع العديد من المهتمين بشركات التكنولوجيا والمحللين وحتى المستخدمين أنفسهم، إلى الحديث عن أبعاد الصفقة، وما يمكن لشركة «فيس بوك» أن تحققه مقابل هذا المبلغ الضخم، وتأثيراتها في تطبيقات التراسل الفوري الأخرى والمحمول بشكل عام.

ومن الصعب التقليل من قيمة الصفقة، خصوصاً عند مقارنتها مع استحواذ «فيس بوك» على تطبيق «إنستغرام» لمشاركة الصور مقابل نحو مليار دولار في عام 2012، ما يجعل قيمة «واتس أب» تعادل 19 قيمة «إنستغرام» و76 مرة قيمة صحيفة «ذا واشنطن بوست» الأميركية. ويزداد غموض الصفقة مع وضع «واتس أب»، التي تأسست عام 2009 وتضم 55 موظفاً وانتشرت بالأساس اعتماداً على المستخدمين وليس التسويق، ويحظى التطبيق بـ450 مليون مستخدم نشط شهرياً، ولا يُحصل سوى اشتراك ضئيل يبلغ 0.99 دولار سنوياً بعد عام من الاستخدام المجاني، وهو ما يختلف مع نموذج أرباح «فيس بوك» المعتمد على الإعلانات.

وفي مواجهة التساؤلات الكثيرة، تختلف الآراء في تفسير الصفقة والحكم على صحة قرار «فيس بوك» من عدمه، فيعدها البعض دليلاً على فقاعة تطبيقات التراسل الفوري والشبكات الاجتماعية التي لن تنتهي على نحوٍ جيد، بينما يعتبرها آخرون خطوة حاسمة وجريئة تُدلل على رؤية نافذة للرئيس التنفيذي لشركة «فيس بوك»، مارك زوكربيرغ.

كما قد يعتبر البعض «واتس أب» نجاحاً مؤقتاً سرعان ما ينتهي، أو قد يُنظر إليه كصفقة استحواذ «غوغل» على «يوتيوب» في نوفمبر عام 2006، وحينها اعُتبر مبلغ 1.52 مليار دولار سعراً مبالغاً فيه، لكن ازدهار الموقع بعد سنوات قليلة جعلها صفقة رابحة تماماً.

ولا يخفي كثيرون تخوفاتهم من استحواذ «فيس بوك» وما قد تفعله بقاعدة هائلة من هواتف المستخدمين تتوافر لدى «واتس آب»، ومن احتكار شركات التكنولوجيا العملاقة مثل «فيس بوك» و«غوغل» للمزيد من الخدمات الناجحة يوماً بعد آخر، ما يجعل بياناتنا واتصالاتنا في يد قلة من الشركات، وربما هذا ما دفع البعض إلى الاتجاه إلى تطبيقات منافسة مثل «تيليغرام».

وفي الواقع، بإتمامها صفقة الاستحواذ على «واتس أب»، تكون «فيس بوك» قد امتلكت أربعة من أكثر تطبيقات الهواتف الذكية شعبية وهي؛ «فيس بوك»، و«واتس أب»، و«إنستغرام»، و«فيس بوك ماسنجر» الذي تتحدث الشركة عن التزامها بالحفاظ عليه.

وإذا كان مستخدم الهاتف الذكي يميل في المتوسط للحصول على مجموعة من التطبيقات، يقوم كل واحد منها بوظيفة واحدة بشكل جيد مثل التراسل والألعاب والصور ونحو ذلك، فيريد «فيس بوك» أن يُوفر أكبر عدد ممكن منها، وإذا لم يكن بمقدوره تطوير تطبيقات ناجحة بدرجة كافية، فسيلجأ إلى شرائها.

وهو ما يشير إلى استراتيجية بدأتها «فيس بوك» قبل الصفقة الأخيرة بالسعي إلى الوجود على هواتف المستخدمين بأكثر من صورة.

وكان زوكربيرغ تحدث ضمن الإعلان عن الأرباح الربع سنوية الأخيرة: «تكمن رؤيتنا لـ(فيس بوك) في تقديم مجموعة من المنتجات تساعدك على مشاركة أي نوع من المحتوى الذي ترغب فيه ضمن الجمهور الذي تريده».

وأشار إلى نية شركته العمل خلال السنوات القليلة المقبلة على بناء مجموعة من التجارب الجديدة التي تختلف كلياً عما يفكر فيه الناس بشأن «فيس بوك» اليوم.

وحول القيمة الكبيرة للصفقة، ينظر المحلل السابق المتخصص في المحمول، بنديكت إيفانز، الذي يعمل حالياً في شركة «آندريسن هوروويتز» لرأس المال المغامر، لقيمتها من ناحية أخرى، وكتب أن «فيس بوك» دفع في السابق 1% من قيمته السوقية نظير «إنستغرام»، والآن يدفع ما يقرب من 10% من قيمته مقابل «واتس أب»، معتبراً أن «هذه هي الطريقة الصحيحة للتفكير في الأمر، وليس مجرد الدهشة من المبلغ الضخم، وبذلك يمكن طرح سؤال: هل يستحق (واتس أب) 10% من قيمة (فيس بوك)؟».وتابع إيفانز أن «الصفقة قدرت قيمة كل مستخدم لتطبيق (واتس أب) بنحو 35 دولاراً، وبالمناسبة فالمبلغ قريب مما دفعته (غوغل) مقابل كل مستخدم (يوتيوب) قبل ثماني سنوات، لكن القيمة السوقية الحالية لشركة (فيس بوك) تقدر عدد مستخدميه النشطين شهرياً بقيمة 140 دولاراً أو نحو ذلك لكلٍ منهم».

ويعتقد رائد الأعمال والمستثمر، مارتن فارسافسكي، أن «سعر صفقة (واتس أب) يبدو للوهلة الأولى مرتفعاً وجنونياً، لكنه ليس كذلك عند التفكير من منظور زوكربيرغ ووفق الوضع الجاري؛ إذ إن (فيس بوك) اشترت شبكة تنمو أسرع بكثير منها، ولديها ما يقرب من نصف أعضائها بالفعل، مقابل 10% من قيمتها».

واعتبر إيفانز أنه «من هذه الناحية يبدو دفع هذا المبلغ أمراً معقولاً، إذا ما اعتبرنا (واتس أب) نظاماً أفضل للرسائل القصيرة، ومن ناحية الحجم فهو كبير يقترب من نصف الرسائل النصية التي يتبادلها العالم، وهي صناعة قالت (فيس بوك) عقب صفقة الاستحواذ إنها تُقدر بـ100 مليار دولار».

ولا يمكن تجاهل وضع الصفقة بالنسبة لمُشغلي خدمات الهواتف المحمولة في العالم، الذين يُمثل «واتس أب»، والتطبيقات المماثلة له، تهديداً مباشراً لعملهم وعائداتهم من الرسائل النصية القصيرة «إس إم إس»، وخلال عام سيتجاوز عدد الرسائل المتبادلة في «واتس أب» يومياً الرسائل القصيرة حول العالم.الأمر الذي يعيد إلى الأذهان الحديث الذي دام لفترة طويلة عن نية «فيس بوك» طرح هاتفها المحمول، ما يُمثل تهديداً للمشغلين، والآن يمتلك «فيس بوك» عنصراً مهماً في الرسائل القصيرة.

وقالت المسؤولة في «إنفورما»، كلارك ديكسون: «مشغلو المحمول في موقف مثير للاهتمام، فـ(فيس بوك) أحد شركائهم الرئيسين في المحتوى، والآن يمتلك تطبيقاً كان سبباً رئيساً في تراجع عائداتهم من الرسائل القصيرة».

من جانبه، يعتقد المستثمر فارسافسكي أن لدى الشبكة الاجتماعية خططاً أكثر طموحاً، وقال: «من المثير للدهشة أن (فيس بوك) التي ترغب في ربط كل شخص على سطح الكوكب، لم تمتلك بعد منصة تتيح للناس إجراء محادثات فعلية على غرار (فايبر) أو (سكايب)، لا أستطيع أن أتخيل أن الأمور ستبقى على هذا النحو، وامتلاك الرسائل النصية القصيرة للعالم ومحادثات العالم، ربما تستحق 19 مليار دولار».

 

تويتر