حادثة سرقة هواتف محمولة بالولايات المتحدة تصبح أهم قضية «خصوصية إلكترونية» في القرن الـ21

«رصد الموقع الجغرافي» للمتهمين يثير جدلاً قانونياً فـي أميركا

المحكمة العليا الأميركية من المنتظر أن تفصل في القضية بحلول يونيو المقبل. من المصدر

تنظر المحكمة العليا الأميركية حالياً قضية وصفت بأنها أهم قضية خصوصية إلكترونية في القرن الـ21، ومن المنتظر أن تفصل في القضية بحلول يونيو المقبل، لتحدد ما إذا كان يتعين على أجهزة إنفاذ القانون وضباط الشرطة، الحصول علي بيانات تحديد المواقع والبيانات الجغرافية الخاصة بتحركات الأشخاص من خلال هواتفهم المحمولة واستخدام هذه البيانات ضدهم في إثبات ارتكابهم الجرائم من عدمه. وهل من حق السلطات الحصول على هذه البيانات من شركات الاتصالات عند إلقاء القبض على المتهمين وأثناء التحقيقات، أم يعد هذا انتهاكاً لخصوصية الفرد وحريته الشخصية، المحمية بالتعديل الرابع للدستور الأميركي.

وتعود جذور هذه القضية إلى ما يقرب من ثماني سنوات، حينما قام شخص أميركي يدعى، تيموثي ايفوري كاربنتر، في نهاية عام 2010 بتدبير سلسلة من السرقات في متاجر الهواتف المحمولة، بما في ذلك «راديو شاك»، و«تي موبيل»، في العديد من مدن الغرب الأوسط في الولايات المتحدة.

وبغرض تتبع تحركات كاربنتر، تمكنت الشرطة من رصد موقعه الجغرافي بواسطة تحديد النطاق الجغرافي الذي استخدم فيه الهاتف على مدى 127 يوماً، ورصد موقعه الجغرافي 12 ألفاً و898 مرة بفضل بيانات وفرها مشغل الهواتف الخلوية.

الموقع الجغرافي

المحكمة الأميركية العليا قضت في السبعينات بأن الأميركيين لا يتمتعون بحماية الخصوصية على معظم بياناتهم، إذا كانوا يشاركونها طوعاً مع أطراف ثالثة.

وبعد اعتقال كاربنتر، رصد المدعون العامون، تحركاته وتنقلاته على مدى فترة ستة أشهر، باستخدام بيانات تتبع تحديد المواقع، التي تحدد تحركاته على الأرض، وذلك من سجلات هواتفه المحمولة. واستند المدعون العامون والمحققون بشكل كامل تقريباً على سجلات الهاتف المحمول لكاربنتر، كما استندوا إلى قانون الاتصالات المخزنة، في الحصول على البيانات الخاصة بالهاتف، وهو قانون اتحادي يفرض على المحققين تقديم دليل معقول، حتى يسمح لهم بالحصول على بيانات التتبع، ولكن أحكامه أقل صرامة من تلك التي طلبها أمر قضائي.

وتمت عملية التتبع بواسطة تقنية تدعى «الهوائيات الهاتفية المضخمة للموجات»، وتدعي سلطات التحقيق أن هذه التقنية تتيح تتبع الموقع من دون الكشف عن المكالمات أو تسجيلها، غير أن الجماعات المدافعة عن الحريات المدنية والحق في الخصوصية ترى أن هذه التقنية تزداد دقة وتوسعاً، واقتفاء الأثر بواسطها يسمح بالتعرف الى عادات الشخص بسهولة كبيرة.

خلاف واسع

وعقب وقوع الحادثة، اندلع خلاف واسع النطاق بين سلطات التحقيق والمدافعين عن الحريات المدنية، وتحول الأمر إلى جدل قانوني، جعل القضية تتصاعد حتى وصلت إلى المحكمة العليا الأميركية للفصل فيها، بعد ثماني سنوات على وقوع الحادثة، وهو أمر بدأ فعلياً مع بدء نظر القضية أمام المحكمة يوم 29 نوفمبر الماضي، ويتوقع أن يتم الفصل فيها في شهر يونيو المقبل.

وفيما تنظر المحكمة في القضية، بدأت التوقعات والآراء تتوالى من كل الأطراف، فالمدافعون عن الحريات المدنية والخصوصية، يقولون إنه حال صدور قرار من المحكمة بدستورية وقانونية عمليات تفتيش الهواتف المحمولة والحصول منها على البيانات الخاصة بتحركات الأفراد، فإن ذلك يكون بداية لتوسيع المراقبة الحكومية للأفراد عبر هواتفهم المحمولة، واختراق خصوصيات المواطنين علي نطاق واسع.

العصر الرقمي

وقال المحامي الرئيس في هذه القضية، نايثن ويسلر، إن «الرهان يقوم على الحفاظ على درجة الخصوصية التي كانت قائمة قبل العصر الرقمي وتطوير تكنولوجيات المراقبة الحديثة، وأنواع جديدة من البيانات التي يسهل على الشرطة النفاذ إليها».

وأضاف أنه «في أحد الأيام، أجرى تيموثي كاربنتر أو تلقى اتصالات بالقرب من كنيسة، فهو كان إذن يصلي في تلك الأيام، كما أن البيانات أظهرت متى أمضى هذا الأخير الليل في منزله ومتى كان في الخارج».

وما يجعل القضية أكثر سخونة وإثارة للجدل، أن الجهود المدافعة عن الخصوصية في هذه القضية تلقى دعماً كبيراً من قطاعات واسعة بالمجتمع الأميركي، تضم أكاديميين معروفين ومجموعات عملاقة في مجال التكنولوجيا، من بينها «أبل»، و«فيس بوك»، و«تويتر»، و«فيرايزون»، و«غوغل»، و«مايكروسوفت»، فضلاً عن منظمات محافظة، وحتى نشطاء يؤيدون حيازة الأسلحة النارية ويحرصون على حماية حياتهم الخاصة.

وفي هذا السياق، قال المسؤول بمركز الديمقراطية والتكنولوجيا، جريج نجيم، إن «التقدم التكنولوجي بات يفرض علينا أن نضع المعلومات التي كنا نحفظها في السابق في أدراج مكتبنا، في متناول أطراف ثالثة، وبغية النفاذ إلى الأدراج، كان ينبغي للسلطات أن تحصل على إذن قضائي وتثبت وجود انتهاك ما».

كلمة بحث

وقال المحامي ومؤلف كتاب «التعديل الرابع في عصر المراقبة»، ديفيد جراي، إن «جوهر كلمة المحكمة العليا هو فهم كلمة (البحث)، كما هو محدد في التعديل الرابع، إذ يحمي التعديل الرابع، الأميركيين من الاعتقالات التعسفية والضبط، وفي بند واحد، يؤكد أن المواطنين محميّون من عمليات التفتيش غير المعقولة، وكل شيء يعتمد على هذا التعريف الغريب لكلمة (البحث)، وكيف ينطبق ذلك على التكنولوجيا، وفي مثل هذه القضايا تستخدم المحكمة سلطتها لفرض قيود على استخدام التكنولوجيات الجديدة عن طريق تغيير تعريف كلمة (البحث)».

وأكد رئيس مركز الدستور الوطني، وهو منظمة غير ربحية تعليمية، جيفري روزين، أن «تعريف المحكمة لكلمة (بحث) تم تحديده من قبل المحكمة العليا في السبعينات، والتي قضت بأن الأميركيين لا يتمتعون بحماية الخصوصية على معظم بياناتهم، إذا كان يتم مشاركتها طوعاً مع أطراف ثالثة، وإذا طبقت المحكمة هذه الفكرة على البيانات الأكثر حميمية، بما في ذلك كميات هائلة من المعلومات حول تحركات الجمهور، فإن ذلك يعني أساساً أنه ليس لدينا خصوصية، ولذلك فإن السؤال الكبير والمهم والحاسم يتعلق بمقدار الخصوصية التي تتبقى لدى الفرد العادي إذا ما أصبح لدى السلطات الحق في الاستيلاء على كميات هائلة من البيانات المخزنة من قبل أطراف ثالثة، هي شركات الاتصالات أو شركات التقنية عبر الحوسبة السحابية أو غيرها».

وفي هذا السياق، ذكر روزين، أن قرار المحكمة يمكن أن يضيّق أو يوسّع من نطاق الخصوصية إلى حد كبير، وإذا فسر قرارها كلمة (البحث) لصالح سلطات الضبط وإنفاذ القانون، واستند إلى فكرة المشاركة مع طرف ثالث، فإن هذا يعني أن البيانات الرقمية المخزنة لدى شركات الاتصالات والتقنية الخاصة بتحركات الأشخاص، وكل ما يقولونه أو يفعلونه أو يسجلونه عن أنفسهم وذويهم وأعمالهم، ستكون جميعاً في متناول المحققين في أي وقت، ومثل هذا الموقف يعني تحولاً كبيراً في الهوية الأميركية، وأنه لن يكون للمواطن الأميركي أماكن خاصة يسجل فيها أفكاره الحميمية والخاصة، أو يعبر فيها عن آماله ومخاوفه، وفي نهاية المطاف يعني ذلك أن الأميركي اليوم ليس حراً أكثر مما كان عليه وقت صياغة الدستور.

تويتر