يستخدم أشعة «تيرا هيرتز» الواقعة في النطاق التردّدي بين «الميكروويف» والأشعة تحت الحمراء

باحثون يكشفون عن نظام يستطيـــع تصوير الصفحات الـ 9 الأولى من الكتب المـــغلقة

عند التصوير تعمل كاميرا «تيرا هيرتز» على بث دفقات فائقة القصر من الإشعاع باتجاه الكتاب المراد تصويره. من المصدر

من المعتاد عند إجراء المسح الضوئي لكتاب أو وثيقة أو رزمة من الأوراق، بغرض نسخها أو تحويلها إلى صورة رقمية، أن يتم فتح الكتاب أو الوثيقة، وتعريض كل صفحة أو ورقة على حدة لمصدر الضوء، حتى تتم عملية المسح، ثم النسخ مباشرة على ورقة أخرى، أو التحويل لصورة رقمية يمكن تخزينها على الحاسوب، لكن نظاماً جديداً كشف عنه أخيراً فريق من الباحثين في معهد «ماساشوستس» للتقنية «إم آي تي،» وجامعة جورجيا للتقنية، سيقلب هذا الوضع رأساً على عقب، فالنظام يعمل على تصوير الكتاب أو الوثيقة وهما مغلقان دون حاجة لتعريض الصفحات واحدة تلو الأخرى لمصدر الضوء، بحيث يستطيع التقاط صور واضحة للصفحات التسع الأولى بأي كتاب مغلق.

ونشرت غرفة الأخبار في موقع «إم آي تي» على الانترنت news.mit.edu بياناً حول هذا الإنجاز جاء فيه، أنه تم بواسطة فريق من الباحثين في مختبر الإعلام بالمعهد يقوده الأستاذ الباحث بالمعهد، برمك حشمت، ويشارك فيه كل من أستاذ مساعد علوم وفنون الإعلام والباحث المتخصص في مجموعة الكاميرا الثقافية في مختبر الاعلام، راميش راسكار، إضافة إلى باحثين من جامعة جورجيا للتقنية، هما: جستن رومبرغ، وإليريزا أجاثي.

أشعة «تيرا هيرتز»

تطبيقات واعدة

لقي البحث العلمي الجديد حول النظام الحاسوبي الذي يستطيع تصوير الكتب وهي مغلقة، اهتماماً كبيراً من مسؤولي متحف متروبوليتان في نيويورك، كونهم يريدون تصوير ونقل ما في باطن المئات وربما الآلاف من الكتب والوثائق العتيقة التي بات من الخطر أو المتعذر لمسها وتقليب صفحاتها، في وقت توقع قائد الفريق البحثي، برمك حشمت، تطبيقات عديدة لهذه التقنية مستقبلاً، ربما تضع أساساً لنظم جديدة في توزيع وبيع الكتب والصحف والمجلات بعد طباعتها، وكذلك تطبيقات صناعية متنوعة.

وقال حشمت إن «النظام الجديد يمكن أن يستخدم في تحليل أي مواد يتم تنظيمها في طبقات رقيقة، مثل الطلاء على قطع غيار الآلات والمواد الصيدلية وغيرها، وليس تصوير الكتب فقط».

ووفقاً للبيان، نشر الفريق البحث الخاص به في العدد الأخير من مجلة «نيتشر» للاتصالات، موضحاً أن النظام الجديد يستخدم أشعة «تيرا هيرتز»، وهي نطاق من الإشعاعات الكهرومغناطيسية يقع بين «الميكروويف» وضوء الأشعة تحت الحمراء، ولديه العديد من المزايا أكثر من أنواع الموجات الاخرى التي يمكنها اختراق الأسطح، مثل الأشعة السينية «أشعة إكس»، أو الموجات الصوتية.

وأضاف البيان أنه تُجرى حالياً بحوث كثيرة على أشعة «تيرا هيرتز» لاستخدامها في الفحص الأمني، لأن كل مادة كيميائية مختلفة تمتص ترددات مختلفة من أشعة «تيرا هيرتز» بدرجات مختلفة، ما يؤدي في النهاية إلى وجود بصمة كيميائية متفردة لكل مادة، تميزها عن غيرها من المواد، وعلى المنوال نفسه، يمكن لترددات موجات «تيرا هيرتز» أن تميز بين الحبر والورق الفارغ، بطريقة لا تستطيعها الأشعة السينية.

وأشار إلى أن أشعة «تيرا هيرتز» تستطيع أن تنبعث في رشقات ضوئية قصيرة، تجعل من الممكن قياس المسافة التي تقطعها اعتماداً على الفروق بين توقيت الانبعاث والتوقيت الذي تنعكس أو ترتد فيه الاشعاعات راجعة إلى المجس أو المستشعر الذي يلتقط ارتداداتها، وهذا يعطيها عمقاً أكبر وأفضل في الوضوح من الموجات فوق الصوتية.

جيب هوائي

واستغل الفريق البحثي الحقيقة القائلة إن صفحات الكتاب المغلق لا تكون ملتصقة ببعضها تمام الالتصاق، بل يفصل بين كل صفحة وأخرى جيب هوائي دقيق، يشكل مسافة طولها 20 مايكرومترا، وبالتالي بنى الفريق البحثي نظام التصوير استناداً إلى أن الاختلاف في معامل انكسار أو الدرجة التي ينحني عندها ضوء أشعة «تيرا هيرتز» وهي تمر بين الهواء والورقة، سيجعلها تنعكس وترتد مرة أخرى إلى جهاز التصوير، وبالتالي تصل إلى الجهاز محملة بالبيانات الخاصة بالسطح الذي ارتدت منه.

واستناداً إلى ذلك تشكل النظام الذي طوره الباحثون، من كاميرا تعمل على نفث وبث أشعة «تيرا هيرتز»، مزودة بمجسات أو مستشعرات الكترونية مهمتها التقاط والتعرف الى أشعة «تيرا هيرتز» المرتدة إليها من الأسطح التي عكستها، فضلاً عن اثنين من الخوارزميات الرياضية، الأول لتصحيح الأشعة المرتدة وتنقيتها من الشوشرة والإشارات الزائفة وتجميع الأشعة المرتدة من كل صفحة على حدة، والثاني للتعرف الى الصور الملتقطة، وتصحيحها، والقضاء على ما فيها من تشوه أو نقص.

استنتاج صحيح

وعند التصوير تعمل كاميرا «تيرا هيرتز» على بث أو نفث دفقات فائقة القصر من الاشعاع باتجاه الكتاب المراد تصويره، لتخترق الأشعة صفحات الكتاب، ثم تنعكس وترتد، ليفحص المجس أو المستشعر الموضوع داخل الكاميرا، انعكاساتها أو ارتداداتها، وقياس الزمن الذي قطعته الأشعة المرتدة منذ وقت الانعكاس وحتى الوصول، وفي هذه اللحظة، يقوم النموذج الرياضي الأول باستنتاج صحيح للمسافة من الكاميرا إلى كل صفحة من الصفحات الـ20 الأولى على قمة رزمة الورق أو الكتاب، لكنه ينتج صوراً واضحة للصفحات التسع الأولى.

تصفية الأشعة

والمهمة هنا ليست بسيطة، فمعظم الإشعاعات التي تنفثها الكاميرا، إما تمتص أو تنعكس من الكتاب، والبعض منها يرتد في ما بين الصفحات قبل أن تعود إلى المجس لتنتج اشارات زائفة، كما أن إلكترونيات المستشعر نفسه تنتج أيضاً نوعاً من الشوشرة التي يطلق عليها العلماء «الهمهمة الخلفية»، وواحدة من وظائف النموذج الرياضي الأول هي تصفية كل هذه الضوضاء، والتركيز فقط على إشارات «تيرا هيرتز» التي يقول توقيت وصولها إنها انعكاسات حقيقية، حيث تتولى هذه الخوارزمية فرز الإشعاعات المرتدة من كل صفحة على حدة وتجميعها معاً، ثم ترسلها للخوارزمية الثانية لتصحيح الصورة واستكمالها وجعلها واضحة.

إشارات ضعيفة

وعند التشغيل لوحظ أنه على الرغم من أن أشعة «تيرا هيرتز» تخترق الكتاب وتصل إلى الصفحة العشرين، إلا أنه بعد عمق تسع صفحات، تكون إشارات الطاقة المنعكسة ضعيفة جداً لدرجة أن المسافات بين البصمة الترددية تضيع وسط الضوضاء، ويصعب تكوين صورة واضحة للصفحة.

لكن الفريق البحثي قال إنه يعتزم تحسين دقة وقوة مصدر الإشعاع داخل الكاميرا، ودقة وقوة المجسات في قراءة الأشعة المرتدة، إضافة إلى تحسين عمل الخوارزميات في تحليل الأشعة المرتدة، ولذلك فإن اختراق الأشعة لأعماق أكبر داخل الكتب أمر ممكن مستقبلاً، ونظرياً يمكن الوصول إلى مئات الصفحات.

تويتر