أسسها موظفون سابقون اعتمدوا على جذب المواهب ورؤوس الأموال إلى مشروعاتهم المبتدئة

شركات ناشئة تخرج من «عباءة» كبرى مؤسسات الإنترنت الصينية

صورة

لا يقتصر المشهد النابض بالحياة لشركات الإنترنت في الصين على الشركات الكبيرة المعروفة، بل يحتضن إلى جانبها عدداً متنامياً من الشركات الناشئة، التي تُقدم تطبيقات للأجهزة المحمولة وشبكات اجتماعية ومواقع للتجارة الإلكترونية تجاوزت قيمة بعضها مليار دولار، وهو تقدير ظل لفترة طويلة حكراً على الشركات الأميركية الناشئة.

ووُلد الكثير من المشروعات المبتدئة في الصين من رحم الشركات الكبرى، لاسيما «علي بابا» و«تينسنت» و«بايدو»، إذ أسسها موظفون سابقون في هذه الشركات، واستفادوا في ذلك من أسهمهم ومدخراتهم إلى جانب تنامي تمويل رأس المال المخاطر في الصين.

ويعتمد هؤلاء الموظفون على شبكة ممتدة تضم أقرانهم، لجذب المواهب ورؤوس الأموال إلى مشروعاتهم المبتدئة، وهو ما يُذكر بموجة مماثلة من الشركات خلال العقد الماضي أنشأها موظفون سابقون في أكبر شركات التكنولوجيا الأميركية مثل «غوغل» و«باي بال».

ويُسهِم في ازدهار الشركات الناشئة إقبال الأثرياء على تمويلها، بعدما افتقد الاستثمار في مجال العقارات جانباً من جاذبيته بسبب تراجع الأسعار. ووفقاً لشركة «إيه في سي جيه ريسيرش» في هونغ كونغ، ارتفعت استثمارات رأس المال المغامر في قطاع التكنولوجيا في الصين بأكثر من الضعف لتصل إلى ستة مليارات دولار العام الماضي، مُقارنةً مع 2.8 مليار دولار عام 2013. وتضخ صناديق التمويل المحلية والأجنبية في كل عام استثمارات تفوق العام السابق.

وبحسب «إيه في سي جيه»، تصاعد إجمالي تمويل المراحل الأولى للشركات الصينية المبتدئة في مجال التكنولوجيا، بما في ذلك التمويل الأولي، إلى نحو ملياري دولار العام الماضي، مُقابل 313 مليون دولار في عام 2012، كما ارتفع عدد الاتفاقات إلى 299 اتفاقاً، مُقارنةً مع 172 صفقة سابقاً، حسب ما تضمن تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية.

وتستثمر أكبر شركات الإنترنت الصينية في المشروعات الجديدة، ومن ذلك استثمار «تنسنت» مبلغاً لم يُعلن عنه في تطبيق طلب سيارات الأجرة «ديدي داش» Didi Dache. وتتضافر مع ذلك نظرة المسؤولين الإيجابية للشركات الناشئة، وكان رئيس مجلس الدولة الصيني، لي كه تشيانغ، قال الشهر الماضي إن الحكومة بصدد اتخاذ خطوات كتخفيض الضرائب، بهدف تشجيع ريادة الأعمال.

ويُعد موقع «موغوجي» Mogujie من أمثلة الشركات التي أسسها موظفون سابقون في أكبر شركات الإنترنت الصينية، ففي عام 2010 ترك تشن تشي، وظيفته كمهندس برمجيات في شركة «علي بابا» الصينية للتجارة الإلكترونية، وباع جميع أسهمه في الشركة بقيمة 500 ألف دولار ليُؤسس مشروعه الخاص، وهي أسهم تتجاوز قيمتها اليوم ثمانية ملايين دولار، بعدما طرحت الشركة العملاقة أسهمها في سوق نيويورك للأوراق المالية العام الماضي، واجتذبت 25 مليار دولار.

لكن تشن، الذي يبلغ من العمر 33 عاماً، لا يشعر بالندم، فربما تصل قيمة شركته الناشئة التي أسسها عام 2011 إلى ملياري دولار بعد أحدث جولة تمويل، حسب ما قال أشخاص مطلعون، ما يجعلها واحدة من أغلى الشركات الناشئة قيمةً في الصين. وقال تشن: «حينما غادرت (علي بابا)، سألني زملائي: لماذا تُغادر؟ أنا أسألهم الآن: لماذا تبقون؟».

وبدأت «موغوجي»، التي يعني اسمها «شارع المشروم» أو «عيش الغراب»، كموقع اجتماعي يُتيح للمستخدمين إنشاء مجموعات من الصور للأزياء، ويُمثل حالياً منصة للتجارة الإلكترونية تُحقق العائدات من خلال دفع التجار عمولات. وتخصص تشن في علوم الحاسوب، كما أنه من محبي ألعاب الفيديو، والتحق بالعمل في «علي بابا» عام 2004، وأسهم في تصميم واجهة متجر «تاوباو» التابع لها، وهو ما تضمن نظاماً يسمح للتجار بمتابعة المعاملات.

وخلال هذه الفترة، فكر تشن في إنشاء موقع للتجارة الإلكترونية للأزياء، لاسيما بعدما لاحظ العدد الكبير من الزيارات التي تجتذبها مدونة زوجته المتخصصة في الأزياء. وحالياً يحظى الموقع بنحو 100 مليون مستخدم، لكن تشي لم يُفصح عما إذا عمل «موغوجي» مربحاً أم لا، وأشار إلى تواصل «علي بابا» مع شركته لشراء حصة، إلا أنه رغب في أن تظل شركته الناشئة مُستقلة، غير أن «علي بابا» رفضت التعليق على الأمر.

وإلى جانب مؤسس «موغوجي»، الذي عمل سابقاً في «علي بابا»، نالت الشركة أول استثمار من أندرو تيو، الذي ترك وظيفته كمسؤول تنفيذي عن الاتفاقات في الشركة نفسها في عام 2011، وشارك في تأسيس «أميبا كابيتال» Ameba Capital.

واختار تيو موقع «موغوجي» كأول استثمار لشركته بعدما زار تشي في شقته في مقاطعة هانغتشو شرق البلاد التي تضم مقر «علي بابا». وقال: «لم نلتقِ من قبل، لكننا نشأنا أساساً في الشركة ذاتها»، ونالت فكرة تشي بتكوين شبكة اجتماعية تُساعد المستهلكين في العثور على ما يرغبون في شرائه إعجابه. ووفقاً لتيو، فعلى مدار الأعوام الثلاثة الماضية أسس موظفون سابقون في «علي بابا» مئات الشركات الناشئة. وتشمل استثمارات «أميبا كابيتال» تطبيق «كوايدي داش» Kuaidi Dache لطلب سيارات الأجرة، وموقع «شوانكي» Chuanke للتعليم الذي اشترته «بايدو» العام الماضي.

ومن النماذج الأخرى «فينكويل» Fenqile التي أسسها أحد مديري المنتجات السابقين في «تينسنت»، وتُقدم للطلاب قروضاً مصغرة لشراء البضائع عبر الإنترنت. وكذلك موقع «بيبي» Beibei لبضائع الأطفال، وأسسه أحد الموظفين السابقين في «علي بابا»، ويستهدف آباء الطبقة الوسطى الصينية، وتُقدر قيمة الشركة بمليار دولار. ويُضاف إليها «يو كلاود» UCloud للحوسبة السحابية، وأسسها أحد المسؤولين التنفيذيين السابقين في «تينسنت».

واعتبرت الشريكة الإدارية في «بيرتلسمان آسيا إنفستمنتس» لرأس المال المُغامر وأحد المستثمرين الرئيسين في «موغوجي»، أنابيلا لونغ، أن أصحاب المشروعات الذين سبق لهم العمل في «علي بابا» و«تينسنت» و«بايدو» غالباً ما يكونون آمنين من الناحية المالية، ما يُتيح لهم تنفيذ أفكارهم، ويعملون على ما يتحمسون لإنجازه بالفعل.

ويُقبل بعض رواد الأعمال على المخاطرة حتى في غياب التأمين المالي. وفي مطلع عام 2013 ترك وانغ زينون واثنان من زملائه وظائفهم في شركة «تينسنت» للإعلام الاجتماعي وألعاب الإنترنت، لإطلاق شركتهم الخاصة «ليليث جيمز» Lilith Games. وقال وانغ، الذي يبلغ من العمر حالياً 28 عاماً: «لم نكن من كبار الموظفين في (تينسنت)، لذلك لم يكن لدينا الكثير لنخسره». وحصل مشروع «ليليث جيمز» على تمويله الأولي من شركة «آي دي جي كابيتال بارتنرز»، بعد تلقيه عروضاً عدة.

وأشار وانغ إلى سهولة العثور على مستثمرين عند الانتماء إلى «تينسنت»، وجمعت الشركة موظفيها من خلال مؤسسة تضم الموظفين السابقين في «تينسنت»، وتحمل اسم «نان جي تشيوان» Nan Ji Quan، ويعني «الدائرة القطبية»، في إشارة إلى اعتماد «تينسنت» طائر البطريق رمزاً لها.

وأسس مدير الموارد البشرية السابق في «تينسنت»، بن جوهوا، مؤسسة «نان جي تشيوان»، التي تضم حالياً نحو 20 ألف عضو في مختلف أرجاء الصين، وتهدف إلى مساعدة الشركات المبتدئة التي يُؤسسها أعضاؤها من خلال تقديم الاستشارات والتمويل الأولي نظير الحصول على حصة صغيرة فيها، على غرار «واي كومبينيتر» حاضنة ومسرعة الأعمال في وادي السيليكون.

تويتر