شركات التقنية تتجاهل حاجة المستخدمين إلى بطاريات تدوم فترات أطول

المنافسة على تقديم هواتف أكثر نحافة تفقد جدواها

صورة

تتوالى استطلاعات الرأي بشأن ما يأمله المستهلكون من المصنّعين في تحسين هواتفهم الذكية، ويتفق الكثير منها على الرغبة في توفير بطاريات تدوم فترات أطول، وعاماً بعد آخر لا تُقدم الشركات سوى إشارات واهنة على تلبيتها لهذا الطلب القديم الجديد.

وعادة ما يُشار في هذا الصدد إلى صعوبة تقنيات البطاريات، وهو أمر صحيح؛ فخلافاً للمعالجات، لا تتبع البطاريات «قانون مور» الذي يقول بتضاعف عدد الترانزيستور على رقاقة المعالج كل عامين. ولذلك يُحسب كل ارتفاع قليل في مقدار الطاقة الذي يُمكن للبطارية الاحتفاظ به كتطورٍ ملموس، ويُكلف ذلك مصنّعي الهواتف الذكية جهوداً مُضنية للحد من استهلاك مختلف أجزاء أجهزتهم للطاقة.

وتتجلى حدة المشكلة مع ارتفاع جودة الشاشات وسرعة المعالجات، وتزايد ارتباط المستخدمين بأجهزتهم الذكية، واعتمادهم عليها في مهام مختلفة من الاتصالات إلى العمل والترفيه، ما يضطرهم للقلق بشأن بطاريات هواتفهم ومحاولة شحنها كلما تيسّر لهم ذلك.

 

الأكثر نحافة

ويرى الكاتب كريستوفر ميمز، بحسب مقال نشرته صحيفة «ذا وول ستريت جورنال» الأميركية، أن حل المشكلة يكمن في توقف الشركات المنتجة للهواتف الذكية، عن السعي وراء تقديم الهاتف الأكثر نحافة، وهو اتجاه يحظى باهتمام بالغ من النقاد والمستخدمين على حد سواء، دون أن يرتبط بفائدة فعلية.

واعتبر الكاتب أن الحل يتطلب تولي شركة شجاعة بدرجة كافية مهمة إقناع المستهلكين بأن الاتجاه الذي طالما توقعوه في كل طراز جديد، وهو تقديم هواتف أنحف وأخف وزناً مُقارنةً مع سابقتها، لم يعد ذا جدوى.

وبالنظر إلى أوجه الاختلاف بين هاتفي «آي فون 4» و«آي فون 6»، يظهر عمل مهندسي «أبل» خلال أربعة أعوام على جعل «آي فون» أرق بمقدار 2.4 ملليمتر، أي ما يُعادل سمك ثلاث بطاقات ائتمانية، وعلى الرغم من كبر قياس الشاشة، فقد جاء الهاتف الجديد أخف بمقدار ثمانية غرامات، أي ما يقرب من وزن مغلف صغير لـ«الكاشب» أو صلصة الطماطم. ويتبين بحساب الحجم الحالي للبطارية أن تقديم «آي فون 6» بسمك «آي فون 4» سيكون أكثر منطقية؛ إذ كان ذلك سيسمح للهاتف بتوفير ضعف عمر البطارية.

وبالتأكيد لم تكن «أبل» أو غيرها من الشركات المنتجة للهواتف الذكية لتُقدم على مثل هذه الخطوة التي سيرون فيها نوعاً من الانتحار نظراً لأسلوب تفكير المستهلكين والنقاد، وربما مهندسي «أبل» أنفسهم. وحينها كانت المراجعات ستُمثل الهاتف بأحجار البناء للدلالة على كبر حجمه وثقل وزنه، وشبهه بالطرز الأولى من الهواتف المحمولة، إضافة إلى فيضان من المقارنات في مواقع الإعلام الاجتماعي، تتضمن صوراً غير جذابة للهاتف الجديد.

واعتبر ميمز أن الهواتف الذكية قبل جيلين صارت جيدة بدرجة كافية، واعتقد القليل من الأشخاص في عام 2010 مثلاً أن هواتفهم كبيرة الحجم وثقيلة، وذلك حتى ظهرت الطرز الأحدث الأكثر لمعاناً ونحافة.

 

تباهٍ وانتصار

ولا تتعلق المنافسة المستعرة حول تقديم أكثر الهواتف الذكية من ناحية النحافة بفوائدها وتأثيرها في استخدام الهاتف، بقدر ما ترتبط بتباهي الشركات وإحساسها بالانتصار. ففي عام 2011، نشب خلاف بين «أبل» و«سامسونغ» الكورية الجنوبية، نتيجةً لزعم الأخيرة أن هاتفها «غالاكسي إس 2» هو الهاتف الأنحف في العالم. وفي نهاية الأمر، أصدرت «وكالة معايير الإعلان» في المملكة المتحدة حكمها لمصلحة «أبل»، ومن ثم نالت الشركة الأميركية اللقب.

أما عن سبب اهتمام المستهلكين والمصنّعين بهذا الجانب، فيُرجعه ميمز إلى أن النحافة والوزن صارا ضمن علامات امتياز التصميم، وتعبيراً مختصراً عن التقنية المتقدمة، وهو ما يدفع «أبل» ومنافسيها لإبراز سمة النحافة مع إطلاق كل منتج جديد.

 

شاشات وبطاريات

وينساق المعلقون ونقاد الهواتف، وغيرها من الأجهزة، مع هذا المنطق، وتُوصف الهواتف الأسمك بأنها غليظة وكبيرة الحجم، في حين توصف الهواتف الأكثر نحافة بالرشاقة. وفي السياق نفسه، كثيراً ما يستخدم المستهلكون في عرض آرائهم عن الهواتف الكلمات ذاتها التي تصف الجمال والجاذبية الجسدية. ويعني ذلك كله أن تزايد الاهتمام بالمعايير غير الواقعية للجمال، مثل النحافة المفرطة، لا تقتصر على تقييم البشر، بل تشمل أيضاً الأجهزة الإلكترونية.

لكن الغريب في الأمر أن الانتقادات المتعلقة بالحجم الكبير للأجهزة، وُجهت سابقاً إلى الهواتف الذكية ذات الشاشات الكبيرة، التي أُطلق عليها بشكل يتضمن بعض السخرية «فابلت»، وهو اسم يمزج بين كلمتَي هاتف «فون» وكمبيوتر لوحي «تابلت».

واختلف الحال ابتداءً من عام 2011 مع طرح شركة «سامسونغ» جهازها «غالاكسي نوت»، وتلاه إقبال المستهلكين، لاسيما في قارة آسيا، على شراء عشرات الملايين من الهواتف اللوحية أو «فابلت».

وفي سبتمبر من عام 2014، أطلقت «أبل» نسختها الخاصة لهاتف «آي فون» بشاشة أكبر، وجذب معدلات غير مسبوقة من المبيعات، ما جعل أرباح الشركة خلال الربع الأخير من عام 2014 تفوق ما حققته أي شركة أخرى في ربعٍ واحد، وقدم مثالاً رائعاً لما يُحدثه توفير ما يريده المستهلكون حقاً في حصد مكاسب لا تُحصى.

ويُوفر هاتف «آي فون 6 بلس» عمراً أطول للبطارية يفوق هواتف «آي فون» الأخرى ذات الشاشات الأصغر، ويعود الفضل في ذلك أساساً إلى حجمه الأكبر الذي وفر ببساطة لشركة «أبل» مساحةً غير مُستغلة أمكنها وضع البطارية فيها. واعتبر كثيرٌ من المعلقين أن العمر الأطول للبطارية يُوازي بالنسبة لهم أهمية حجم الشاشة في تجربتهم مع الهاتف. وعلى مدار سنوات، ظلت مدة بقاء بطارية هواتف «آي فون» في وضع الاستعداد ثابتة، وزادت «أبل» بمعدل بطيء من الوقت الذي يمكن للمستخدمين قضاؤه في تصفح الإنترنت عبر هواتفهم دون أن ينتهي شحن البطارية.

ومع ذلك، فلم يمضِ مسار التحسن دائماً في خط مستقيم، إذ قدمت بعض الطرز أداءً أسوأ من سابقاتها بحسب بعض المقاييس، ولا يتوافق ذلك مع ازدياد اعتماد المستخدمين على هواتفهم أكثر من ذي قبل.

 

تويتر