تُحاكي نموذج عمل «أمازون» بشراء البضائع من التجار ثم بيعها وتوصيلها إلى المشترين

«جيه دي دوت كوم» الصينية تشق طريقها في التجارة الإلكترونية

الملياردير الصيني «ليو» يرتدي زياً أحمر ويركب دراجة ذات ثلاث عجلات لتوصيل الطلبات إلى المنازل. رويترز

حين تُذكر التجارة الإلكترونية في الصين، غالباً ما يُشار أولاً إلى شركة «علي بابا» أكبر الأسماء في هذا المجال، وهي واحدة من أكثر شركات التكنولوجيا الصينية جذباً لاهتمام المستثمرين والمتابعين على الصعيد العالمي.

لكن سوق التجارة الإلكترونية في أكبر بلدان العالم سكاناً وثاني أكبر الاقتصادات العالمية بعد الولايات المتحدة jضم أسماءً أخرى، تحاول ابتكار هويتها المميزة، ومنها «جيه دي دوت كوم» JD.com، كما تضمن تقرير نشرته صحيفة «ذا نيويورك تايمز» الأميركية.

 

شركة «جيه دي»

وفي الوقت الذي تُمثل فيه «علي بابا» منصةً لربط المشترين والبائعين، فإن «جيه دي» تشتري البضائع من المنتجين والموزعين، وتحتفظ بها في مخازنها قبل بيعها، وهو نموذج يُحاكي طريقة عمل «أمازون»، وتتولى تنظيم بضائع متنوعة من أجهزة تلفاز إلى ثلاجات وجوارب وقمصان، إضافة إلى قيامها بالتوزيع والتوصيل السريع، بالاستعانة بأسطول شاحنات ودراجات كهربائية ذات العجلات الثلاث، التي يُمكنها التحرك وسط ازدحام المرور في المدن الصينية.

وعلى غرار شركة «أمازون»، وجهت «جيه دي» استثماراتها إلى البنية التحتية، ودفعت ما يزيد على 1.5 مليار دولار (5.5 مليارات درهم) لتشييد واستئجار المخازن ومراكز التجميع في مختلف أنحاء الصين. وانطلقت الشركة إلى مدى أبعد بتوصيل الطرود إلى المنازل من خلال أسطولها الخاص من الشاحنات، وأكثر من 20 ألفاً من السعاة، وذلك كله بأمل المشاركة في كعكة التجارة الإلكترونية في الصين التي يُقدر وصول حجمها إلى تريليون دولار (3.67 تريليونات درهم) بحلول عام 2020.

وحالياً تُعد شركة «جيه دي»، التي يجري تداول أسهمها في الولايات المتحدة، أكبر شركة لتجارة التجزئة تبيع منتجاتها مُباشرة إلى المستهلكين في الصين، ويصل عدد المتعاملين معها إلى 46 مليون مستخدم نشط، وبلغت إيراداتها العام الماضي 20 مليار دولار (73.5 مليار درهم).

منهج العمل

واعتبرت المُحللة المتخصصة في الإنترنت في مصرف «سي إل إس أيه» الاستثماري في هونغ كونغ، إلينور ليونغ، أن نموذج العمل الخاص بشركة «جيه دي» لا يُلائم الجميع. واستدركت قائلة: «لكنهم كانوا أذكياء في تطويره»، لافتةً إلى التصاعد الكبير في إقبال المستهلكين على «جيه دي دوت كوم».

ومع ذلك، فمنهج «جيه دي» وما يستلزمه من إنفاق كبير لبناء تجارة تجزئة على الإنترنت يُقلق بعض المستثمرين. ويرى هؤلاء أن الأصول المادية للشركة، وتزايد ديونها يُمكن أن يعوق حركتها ويتسبب في مشكلات. ويقول كثيرٌ من المُحللين إن الشركة لن تتمكن من تحقيق أرباح قبل عام 2017.

كما انتقد مُنافسون نموذج عمل «جيه دي»، ومنهم «جاك ما» مُؤسس شركة «علي بابا»، الذي وصفه بأنه معيب على نحوٍ مأساوي.

ويُصر المسؤولون التنفيذيون في شركة «جيه دي»، التي تتخذ من العاصمة الصينية بكين مقراً لها، على بنائهم لشركة ستحظى في نهاية المطاف بميزة القيادة في مجال التجارة الإلكترونية في الصين، بفضل خدمة متعاملين متميزة، وتوصيل سريع، وضمان أن المُنتجات التي تشحنها أصلية وليست مُزيفة. ويعدون من بين أكبر التحديات التي تُواجههم في الوقت الراهن مواكبة العدد الضخم من الطلبات عبر الإنترنت، التي تضاعفت في كل عام من الأعوام الثلاثة الماضية.

 

بدايات التأسيس

تعود بداية «جيه دي» إلى طموحات مُؤسسها كيانجدونغ ليو، والمعروف بريتشارد ليو، الذي وُلد في عام 1974، وهو ابن مالك سفينة لشحن البضائع.

ونشأ «ليو» في واحدة من أفقر مناطق مقاطعة «جيانغسو» شرق الصين، وانتقل إلى بكين لدراسة علم الاجتماع في «جامعة رينمين» أو «جامعة الشعب».

وخلال فترة الدراسة، بدأ «ليو» بكتابة التعليمات البرمجية، وكسب بالفعل ما يكفي من المال لشراء مطعم قريب من حرم الجامعة، لكن المشروع فشل، وهو ما أرجعه إلى اختلاس موظفي المطعم مبالغ مالية كبيرة. وعقب تخرجه، عمل لفترةٍ قصيرة في شركةٍ يابانية، قبل أن يتجه لتأسيس مشروعه الخاص.

وفي يونيو من عام 1989، استأجر مساحة لبيع الأجهزة الإلكترونية والبرمجيات في سوق الإلكترونيات في منطقة «تشونجوانسون» في ضاحية هايدين، وأسس متجر «جينج دونغ سنشري» Jingdong.

وفي يونيو من كل عام، يرتدي «ليو» زياً أحمر، ويعتمر خوذة الدراجات النارية، ويركب دراجة ذات ثلاث عجلات لتوصيل الطلبات للمنازل، ما يُمثل في جانب منه دعاية غير تقليدية للملياردير البالغ من العمر 41 عاماً، كما يُيسر فهم التحديات الفنية واللوجستية التي تُواجه «جيه دي» ضمن سعيها للتفوق في سوق التجارة الإلكترونية الصينية.

وبدأ «ليو» في بيع البضائع على الإنترنت في عام 2004. وازدهر متجر «جيه دي» الذي حمل آنذاك اسم «360 باي دوت كوم» 360Buy.com، بسبب خفض الأسعار وسرعة التوصيل، وهي أفكار تُسهِم في تشكيل شعاره حالياً.

ومع نفاد المال في عام 2006، سعى «ليو» للحصول على مليونيّ دولار من شركة «كابيتال توداي» لاستثمار المخاطر في هونغ كونغ، لكنها قدمت 10 ملايين دولار مقُابل امتلاك حصة أقلية كبيرة تبلغ قيمتها حالياً 2.4 مليار دولار، على الرغم من بيع الشركة بعض أسهمها.

وساعد رأس المال شركة «جيه دي» على توسيع عملها وعدم الاقتصار على بيع الإلكترونيات، وتطوير أنظمة جديدة وبرمجيات، وكنتيجة لذلك، ساعدها التوسع على اجتذاب مستثمرين أكبر منهم شركة «تايغر غلوبال»، والملياردير الروسي يوري ميلنر، والأمير الوليد بن طلال، وعائلة «والتون» التي تمتلك سلسلة متاجر «وولمارت» الأميركية.

 

مشكلات لوجستية

واجهت خدمة توصيل الطرود في الصين مُشكلات عدة، إذ عانت الشاحنات من سوء الخدمة، والطرق التي تتطلب دفع رسوم مالية، واختناقات أخرى.

وفي ظل غياب بدائل لشركات أميركية مثل «فيديكس»، و«يو بي إس»، كانت الطرود تصل في كثيرٍ من الأحيان مُتأخرة عن موعد توصيلها، وفي حالٍ سيئة. وقال ليو: «في تلك الفترة، تعلقت 70% من الشـــــــكاوى بالتوصيــــل، وكان كل شيء بطيئاً. أدركنا أن الخدمات اللوجستية ترتبط بتجربة المستخدم». ولذلك، وابتداءً من عام 2007، اتجهت «جيه دي» إلى اتخاذ خطوة لم تُقدم عليها أي شركة صينية للتجارة الإلكترونية حينها أو في ما بعد، وبدأت ببناء شبكة متكاملة للخدمات اللوجستية، تعد بتلبية طلبات المستهلكين من النقر للطلب إلى توصيل البضائع.

وحالياً تزهو شركة «جيه دي» بسبعة مراكز للتوريد، و118 مخزناً في 39 مدينة، إضافة إلى مراكز أصغر للتجميع في نحو 500 مدينة. وتعهدت الشركة منذ عام 2010 بتسليم معظم الطلبات التي ترد على الإنترنت قبل 11 مساءً بحلول الساعة الثالثة من ظهر اليوم التالي.

تويتر