تجعل الجامعات أكثر اقتصاراً على الأثرياء.. وتثير قلقاً من جودة محتواها والتعلم خارج الفصول الدراسية

الدورات الجامعية على الإنترنت لم تحقق تكافؤاً في الفرص التعليمية

صورة

على امتداد السنوات القليلة الماضية انتشرت، ولاتزال، الوعود بتوفير فرص متساوية للوصول إلى التعليم العالي بين سكان العالم، بفضل «الدورات التعليمية المفتوحة واسعة النطاق عبر الإنترنت»، التي يمكن لأي شخص، نظرياً على الأقل، الوصول إليها والالتحاق بها من أي مكان، بصرف النظر عن مستوييه التعليمي أو المادي.

ومع تصدر الحديث عن الثورة الجديدة في التعليم عناوين الأخبار ونقاشات المهتمين، تذهب آراء إلى أنه لا يمكن لهذه الدورات بمفردها أن تُغير العالم، وتُحقق المساواة المنشودة، وفق مقال كتبه كل من المديرة التنفيذية للمبادرات العالمية في جامعة «بنسلفانيا» الأميركية، جايل كريستنسن، ومدير مشروع في المبادرات العالمية، براندون ألكورن، ونشرته مجلة «نيو ساينتست» العلمية البريطانية.

ويدافع أنصار الدورات التعليمية عبر الإنترنت عن دورها في إحداث تغيير جوهري في التعليم العالي، من خلال خفض التكاليف وزيادة إمكانية الوصول إلى المواد التعليمية، إذ رأى الكاتب توماس فريدمان في مقال نشرته صحيفة «ذا نيويورك تايمز» الأميركية أنه لا يوجد شيء لديه إمكانية أكبر منها «لإنقاذ المزيد من الناس من براثن الفقر»، و«إتاحة مليار عقل إضافي لحل أكبر المشكلات في العالم».

كما يعتقد مؤسس موقع «إي دي إكس» الذي يوفر «الدورات التعليمية المفتوحة واسعة النطاق على الإنترنت»، أنانت أجاروال، بدورها في جعل التعليم لا يعترف بالحدود، ولا يُميز بين الجنسين، ولا يفرق على أساس العرق، والطبقة، والحساب المصرفي.

وفي مقابل ذلك، يرى متشككون أن مثل هذه الدورات قد تجعل الجامعات أكثر اقتصاراً على فئات بعينها، ما يُفاقم من عدم المساواة التعليمية، نظراً إلى أن الطلاب الأثرياء سيستفيدون منها في تعزيز التعليم الذي يتلقونه داخل الحرم الجامعي، في حين سيكتفي الطلاب الأقل ثراءً بتلقي التعليمات الآلية على الإنترنت مع حصولهم على قدرٍ ضئيل من التوجيه الشخصي.

كما يقلق آخرون حيال جودة محتوى الدورات التعليمية، وقدرة الطلاب على التعلم خارج الفصول الدراسية، واحتمال تأسيس هذه الدورات لقليل من «أساتذة الصف الأول» أو «سوبر» تصل موادهم لملايين الطلاب، بينما لا يصل غيرهم لأي أحد.

وحتى وقت قريب، لم يعتمد هذا الجدل على حقائق، وإنما على قليل من البيانات، لكن دراسة استقصائية أجرتها جامعة «بنسلفانيا» قدمت بعض البيانات لتوضيح النقاش.

وشملت الدراسة أكثر من 400 ألف طالب نشط في دورات تقدمها الجامعة عبر موقع «كورسيرا»، وتلقت الدراسة نحو 35 ألف رد.

وبحسب الدراسة، لم تُحدث الدورات التعليمية على الإنترنت، على الأقل في مراحلها الأولى، مستوى ثورياً في انتشار التعليم كما يقول أنصارها؛ إذ يُشكل الطلاب من الدول المتقدمة، وكذلك الحاصلون على درجة جامعية ووظائف، معظم الطلاب.

وأظهرت النتائج أن ثلثي المشاركين يأتون من العالم المتقدم مثل الولايات المتحدة ودول أخرى أعضاء في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» التي تضم أكبر الدول الصناعية في العالم، على الرغم من أن الدول الـ34 الأعضاء في المنظمة تُشكل 18% فقط من تعداد سكان العالم.

كما حصلت نسبة 83% من طلاب «الدورات التعليمية المفتوحة مفتوحة النطاق على الإنترنت» على دبلوم أو درجة جامعية لعامين أو أربعة أعوام، حتى مع انتمائهم لبعض مناطق العالم التي تقل فيها نسبة البالغين الحاصلين على شهادة جامعية عن 10%، وفي الوقت نفسه يُشكل الموظفون نسبة 69% من الطلاب.

وفي ما يتعلق بالفرص التعليمية المتساوية بين الجنسين، كشفت نتائج الدراسة عن تشكيل الذكور نسبة 56% من الطلاب، وترتفع النسبة إلى 68% في دول «بريكس» التي تضم البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب إفريقيا، وتبلغ النسبة 62% في البلدان النامية الأخرى.

ومما يُثير قدراً أكبر من القلق أن الفجوة بين مشاركة الذكور والإناث في دورات الإنترنت تتجاوز مثيلتها في التعليم التقليدي، ويبلغ الفارق بين حصول الذكور والإناث على الدورات التعليمية عبر الإنترنت في دول «بريكس» 36%، ما يساوي تقريباً ثلاثة أضعاف الفجوة القائمة في التعليم العالي هناك. ومثلت الولايات المتحدة استثناءً فريداً؛ إذ يُشارك الإناث والذكور بأعداد متساوية لكلٍ منهم.

وبالتالي، يُمكن القول إن «الدورات التعليمية المفتوحة واسعة النطاق على الإنترنت» تصل عموماً للرجال المتعلمين والعاملين، ما يُبعدها عن التعبير الدقيق عن الغايات السامية لداعميها. وبالطبع لا يُقلل هذا من دورها في تمكين ملايين الأشخاص من الوصول لمحتوى عالي الجودة من أفضل جامعات العالم مجاناً، وقد يكون هذا السبيل الوحيد للوصول للتعليم العالي لعشرات الآلاف من الطلاب حول العالم.

ويُعد مجال التعليم الذي تُوفره خدمات مثل «كورسيرا» أمراً مذهلاً، ويقدم حافزاً أقوى للتفكير بصورة نقدية في سبل تحسين دورات «إم أو أو سي»، والوصول لأشخاص يفتقدون الخدمات التعليمية بشكل أكثر فاعلية.

واعتبر مقال كريستنسن وألكورن أنه ليس من المُستغرب أن يُشكل الأغنياء والمتعلمون أول المنخرطين في الدورات التعليمية المفتوحة على الإنترنت؛ بالنظر إلى انتشار النمط ذاته عند تبني واستخدام التقنيات الجديدة الأخرى.

وأشار المقال إلى وجود العديد من المتطلبات الأساسية للانخراط والتفاعل مع الدورات التعليمية على الإنترنت، ومنها الوصول المنتظم للكمبيوتر، وتوافر إنترنت عالي السرعة، ومستوى من التعليم السابق يكفي لفهم مستوى التعليم الجامعي، والقدرة على استيعاب الدورات المتاحة غالباً باللغة الانجليزية فقط، فضلاً عما يكفي من وقت الفراغ للمذاكرة ساعات عدة كل أسبوع.

وتتوافر مثل هذه المتطلبات بسهولة لطلاب الدول المتقدمة والمتعلمين، في حين يواجه الأشخاص في أجزاء كبيرة من العالم صعوبات جدية.

ولذلك من المهم أولاً سد الفجوة الرقمية بين الجانبين، من خلال توفير أجهزة الكمبيوتر، وتحسين البنية التحتية اللازمة للاتصال بالإنترنت، واستخدام المحمول.

وبالفعل بدأت شركات ومنظمات مثل «غوغل» والبنك الدولي، ووزارة الخارجية الأميركية، العمل على توفير الدورات.

كما تحتاج الجهات والمواقع المُقدمة للدورات التعليمية المفتوحة على الإنترنت لإدراك تغير التقنيات المستخدمة؛ ففي كثير من مناطق العالم تجاوزت تقنية المحمول تماماً أجهزة الكمبيوتر المكتبية والإنترنت السلكي. وكانت «كورسيرا» كشفت أخيراً عن تطبيقها للمحمول، الذي يُتيح للطلاب التسجيل، ومشاهدة مقاطع الفيديو، وإكمال الواجبات والاختبارات عبر جهاز محمول. ويُعد هذا المنهج أساسياً ضمن السعي لتحقيق تأثير كبير للدورات التعليمية في العالم النامي.

وإضافة إلى ذلك، توجد حاجة مستمرة إلى التركيز على التعليم الأساسي والثانوي؛ ليتمكن الكثير من الأشخاص، خصوصاً النساء، من المشاركة، وأخيراً ستتيح الشراكات الدولية مع جهات مختلفة وترجمة محتوى الدورات وصولاً أوسع، وهو ما تقوم به الجهات المُوفرة للدورات التعليمية بالفعل.

واختتم المقال الذي حمل عنوان «الدورات الجامعية على الإنترنت لا تستطيع تغيير العالم وحدها»، بالقول إن «الدورات التعليمية المفتوحة واسعة النطاق على الإنترنت» لا تُعد آلية للتنمية في حد ذاتها، لكنها تتطلب توافر مستويات محددة من التعليم والتكنولوجيا. ومع وصولها بالفعل لملايين الأشخاص حول العالم، يحتاج انتشارها الثوري إلى إدخال تحسينات على التعليم الأوسع والنظم التكنولوجية.

 

تويتر