تزداد أهميتها في مواجهة الجرائم العابرة للحدود

البيانات الضخمة.. سلاح في مكافحة الجرائم

صورة

طالما كان من الصعب اكتشاف مرتكبي جريمة معينة، وفي الوقت الراهن ازداد تعقد الأمر حتى صار الإلمام بأطراف وتأثيرات الجريمة نفسها يحتاج إلى كثيرٍ من الوقت والجهد، بسبب الجرائم العابرة للحدود، والشبكات المنظمة، فضلاً عن جرائم الاحتيال والغش على الإنترنت.

وسبق أن قُدمت نظريات تحاول التعرف على دوافع ارتكاب الجرائم، ومنها رؤية الطبيب الإيطالي تشيزري لومبروزو، الذي عاش بين عامي 1835 و1909 الذي زعم إمكانية التعرف إلى المجرمين اعتماداً على سماتهم الجسدية، معتبراً أن الجبهة المنحدرة والأذنين الكبيرتين والذراعين الطويلين من بين خصائص عدة تُشير إلى الميل الطبيعي لصاحبها لمخالفة القوانين، وهي نظرية واجهت انتقادات عدة.

وفي الواقع فإن الأمر ليس بهذه البساطة، وإن كان البعض يأمل أن تُسهل البيانات الضخمة وتحليلاتها من اكتشاف مرتكبي الجرائم، إذ قد تُساعد المعلومات المنشورة علناً، جنباً إلى جنب بيانات السلطات المحلية والخدمات الاجتماعية والاستخبارات، قوات الشرطة حول العالم في كشف المشكلات قبل وقوعها، بحسب ما تناول تقرير نشره موقع «بي بي سي».

ويقترب ذلك من قصة فيلم الخيال العلمي الأميركي «مينوريتي ريبورت» أو «تقرير الأقلية» الذي أخرجه، ستيفن سبيلبرغ عام 2002، وقدم فكرة استحداث الشرطة لقسم «قبل الجريمة» في عام 2054، إذ يتعرف مسؤولوه على الأشخاص الذين سيرتكبون جرائم في المستقبل، ليُلقى القبض عليهم قبلها.

واعتبر الضابط السابق، شون هيبغريف، الذي يعمل حالياً مستشاراً أمنياً في شركة «آي بي إم» الأميركية، أن استخدام البيانات الضخمة والتحليلات بطرقة ذكية، يوفر للشرطة إمكانية الوصول لمعلومات لم يعتادوا توافرها من قبل.

وقال هيبغريف إن «ذلك يساعد قوات الشرطة على عدم الاقتصار على ردود الأفعال، بل ستبدأ ببطء، الكشف عن البؤر الحقيقية للتوتر، ومُثيري الشغب في الأحياء والعقارات والشوارع، وباتضاح مثل هذه المعلومات، يُمكن للشرطة التصرف حيالها قبل وقت طويل من وقوع الحادثة والاستغاثة بأرقام الطوارئ، ما يؤثر في الأفراد كما التجمعات».

وترتبط برمجيات تحليل البيانات بمبادرات حكومية لما يُسمى بـ«الأسر المضطربة» التي قد تتصل أو تُمثل مصدراً للكثير من المشكلات في بعض البلدات والمدن، وربما يُساعد اكتشاف الأشخاص المؤثرين في تلك المجموعات على تجنب أي مشكلات مستقبلية.

وأشار هيبغريف إلى أن استخدام البيانات الضخمة يسمح برؤية العلاقات بين عائلة وأخرى مضطربة، وكذلك رصد حالات تغيب الطلاب عن المدرسة، ما يُنشئ صورة شاملة وأكثر اكتمالاً. وقال إن «ذلك يصب في نهاية المطاف في مجال الوقاية من الجريمة، وتُشكل معرفة المزيد عن المجتمع وسبل تغيير بنيته جزءاً من ذلك».

وتكتسب تحليلات البيانات الضخمة أهمية متزايدة في مواجهة الجريمة العابرة للحدود،إذ لفت أستاذ المعلوماتية في جامعة «شيفيلد هالام» البريطانية، باباك أخجار، إلى حادثة مقتل الصحافية والمذيعة الشهيرة في تلفزيون «بي بي سي»، جيل داندو، أمام منزلها في لندن في أبريل 1999.

وقال أخجار إن «أكثر جهد ووقت الشرطة خلال التحقيقات انصب على اقتفاء تاريخ الرصاصة التي أودت بحياة داندو».

وتوجب حينها على رجال المباحث التواصل مع الشرطة في بلدان أخرى بشكل فردي، للعثور على معلومات حول الرصاصة ونوع السلاح الذي اسُتخدم في الجريمة.

وأشار «أخجار» إلى أنها مثلت حينها مهمة كبيرة، كما أنها نوع من القضايا تتزايد صعوبتها مع تطور جرائم إطلاق النار.

ويُمكن أن تُساعد تحليلات وقاعدة بيانات «أوديسي»، وهي مشروع أوروبي مشترك يستخدم برمجيات شركة «ساس» لتحليل البيانات، في التحقيقات؛ فيسهل الوصول إلى معلومات حول الأسلحة التي اسُتخدمت، وفي أي وقت، والذخائر التي أطُلقت.

وتعطي «أوديسي» مثالاً على أهمية البيانات الضخمة، نظراً إلى تنوع البيانات التي تستخدمها إدارات الشرطة في البلدان الأوروبية المختلفة، إضافة إلى تصنيف المجرمين أنفسهم. ومثل جرائم القتل، تحمل جرائم الإساءة الجنسية للأطفال الطابع المتعدد الجنسيات نفسه، ويجري علاجها بمساعدة أدوات تحليلية تتعامل مع مجموعة كبيرة من البيانات تتألف من صور ثابتة ومقاطع فيديو ونصوص، وصفحات الإنترنت.

واعتبر يوهان هوفمان، من شركة «نت كلين» للطب الشرعي، أن المشكلة تتمثل في الكم الهائل من البيانات المتعلقة، وأحياناً ما تجد الشرطة نفسها أمام أحجام عدة من البيانات تصل إلى عدد من الغيغابِت وأحياناً التيرابِت، وذلك عند إلقاء القبض على متهم باعتداء جنسي على الأطفال، أو من يدير خدمة تُروج لصور حول ذلك.

وأشار هوفمان إلى النمو المتواصل لحجم البيانات، قائلاً إن «المشكلة تكمن في كيف يمكنك كضابط شرطة الخوض في هذا القدر الهائل من البيانات؟ وعندما تتعامل مع تيرابِت من البيانات فإنه لا يوجد ثمة سبيل لإنسان أن يمضي خلال كل ذلك».

ويزداد تعقد الموقف بالنظر إلى الانتشار واسع النطاق لصور وفيديو الإساءات الجنسية، وفي غياب تحليلات البيانات الضخمة، فقد يستغرق ضباط الشرطة وقتاً طويلاً في استعادة الخطوات التي قام بها ضباط آخرون للتوصل إلى أشخاص يقفون وراء إحدى مجموعات الصور.

ولفت هوفمان إلى مشروع أوروبي يساعد الشرطة في اكتشاف المواد الجديدة المنشورة على نحو أسرع، مضيفاً أن هذا التحليل أدى إلى سلسلة من النجاحات ضد المعتدين. وقال: «لا تكذب الأرقام، إنهم ينقذون المزيد من الأشخاص ويحلون قضايا أكثر».

كما يجري الاستفادة من التحليلات الكبيرة في التعرف إلى أنماط شاذة من السلوك لمكافحة الاحتيال المالي، إذ كشفت شرطة «دورهام» في بريطانيا عن قضية مجموعة جريمة منظمة للاحتيال على شركات التأمين، بزعم تكرر حادثة واحدة مرات عدة. وطُور التحليل ليعمل على نحو 1800 حادثة، ويتعرف بسرعة إلى المجموعة الأساسية من المطالبات المراوغة، وأسفرت العملية عن القبض على 70 شخصاً صدرت بحقهم أحكام سجن لمدد تصل إلى أربع سنوات. وفي مثال آخر، تمكنت مؤسسة «نيشن وايد» المالية في بريطانيا من الحد من خسائرها بسبب الاحتيال بنسبة 75%، باستخدام برمجيات «ساس»، بحسب رئيس تحليلات الاحتيال، ديفيد بارسون.

 

تويتر