بعد نصف قرن من الحرب

كولومبيا تحاول إنصاف الضحايا للتخلص من مشاعر الكراهية

صورة

في إحدى الليالي في بلدة ريو سوسيو الكولومبية، التي تتميز منازلها بأرضيتها القذرة، وعدم وجود أبواب، وبينما كانت ماريا يولاندا بيريا موسكيرا (11 عاماً) تفكر في حصانها الذي حصلت عليه عندما كانت طفلة، دخل أحد أفراد الميليشيا المسلحة البيت، كانت موسكيرا في الحادية عشرة من العمر، وكان الرجل يحمل مسدساً، واعتدى عليها، وقالت موسكيرا «عندما غادر اختبأت في إسطبل خلفي، وعثرت عليّ أمي وأخذتني، وكانت ملابسي مغطاة بالدم».

قرب غريمها

ربما اقتربت الكولومبية ماريا يولاندا بيريا موسكيرا من العثور على من اعتدى عليها قبل بضع سنوات عندما كانت تعمل في مشروع تشرف عليه الحكومة، وتسافر مع ضحية أخرى بالحافلة وتتبادلان قصصهما مع العديد من ركاب الحافلة، وتقول: «ذات يوم توقف رجل وأراد أن يسمع قصتها، وبدأ بالبكاء، فاقتربت منه ووضعت يدي على كتفه، وقال لي إنه في تلك الفترة تقريباً كان مسلحاً مع الميليشيات في قريتنا فقلت له: لا تهتم، فإن مثل هذه الأشياء تحدث غالباً، علينا مواصلة الحياة».

وبعد بضعة أسابيع أجهضت موسكيرا، ولم تكن تعرف أنها حامل، وذهبت أمها لتقديم شكوى لزعيم المتمردين عن تعرض ابنتها لاعتداء جنسي، لكنه اعتبر موسكيرا كاذبة، وبعد فترة قصيرة ظهر العديد من مسلحي الميليشيا في المنزل، واقتادوا أمها، التي قالت لها: «اسمعي يا موسكيرا، يجب أن تعتني بأشقائك»، وكانت تلك هي الكلمات الأخيرة التي سمعتها موسكيرا من أمها قبل أن تسمع زخات الرصاص.عند الحديث مع ضحايا الحرب الأهلية في كولومبيا، كان البعض يقول إنهم يرفضون كلمة «انتقام» في حين أن آخرين لايزالون يحبون هذه الكلمة ومن ضمنهم موسكيرا، التي قالت: «أريد الانضمام إلى الميليشيات كي أحقق انتقامي، وأريدهم أن يعلموني كيفية صنع القنابل اليدوية، وسأبحث عن القتلة وأقتص منهم»، لكن لم يسمح لها بالانضمام إلى الميليشيا، فقد قيل لها إنك تتفجرين غضباً ولا تصلحين لمثل هذه المهمة، الأمر الذي دفعها للانتقام بطريقتها الخاصة، إذ تقول: «صنعت العصير ومزجته بمواد كيماوية أستخدمها لتنظيف الحيوانات، وهدفي هو تقديمه للرجل الذي اعتدى عليّ، وفي الطريق إلى الميليشيات عرجت على ابن عمي، وكان عطشاً، وطلب مني شربة من العصير، فشعرت بالرعب وألقيت الإبريق على الأرض، ومنذ ذلك اليوم لم أعد أقول إنني أريد الانتقام».

وربما تكمن الرغبة الكبيرة للكولومبيين في الانتقام في الرأي القائل إن العدالة وإعادة الحقوق للضحايا أمر نادر، فبعد نصف قرن من الحرب ومقتل نحو 250 ألف شخص، واختفاء نحو 45 ألفاً آخرين، هناك الكثير من العظام التي لا يعرف أصحابها.

وتترأس الكولومبية، مايا ايما ويللز أوبريغون، إدارة الجنس والنساء في لجنة الذاكرة التاريخية في كولومبيا. وتقول «لقد فقدن أبناءهن، وأزواجهن، وأشد ما عانته النساء هو الاغتصاب والمهانة الجنسية من الرجال». وتظهر الأبحاث أنه في مرحلة ما بعد الحروب التي عصفت ببعض الدول يكون الوضع أكثر استقراراً واحتمال استمرار السلام أكبر إذا تم الاعتراف بأن النساء كن ضحايا وتحققت لهن العدالة.

وفي حقيقة الأمر، فإن موسكيرا تملك الرغبة في إحقاق الحق لها ومعاقبة المجرمين، لكن فرصة الحصول على الأمرين معاً تبدو صغيرة جداً. ومر على اغتصابها نحو عقدين من الزمن. ويقول خبراء القضاء إن حالات الاغتصاب في زمن الحرب يصعب إثباتها، واندثر الدليل كما أن موسكيرا ليس لديها أي فكرة عمن هو الذي اغتصبها.

تويتر