دوغان أسلك يقاضي جنرالات أجبروه على إذلال مئات السجناء

ممارسة التعذيب دمّرت حياة سجّــان تركي

ناشطون أتراك يحتجّون ضدّ التعذيب في السجون. غيتي

دوغان أسلك، جندي سابق انضم إلى حفل تعذيب السجناء السياسيين في سجن «ماماك» بتركيا، يدّعي بأن الجنرالات الذين استولوا على السلطة من خلال انقلاب عسكري في تركيا عام ،1980 هم من أجبروه على ممارسة أساليب التعذيب ضد مئات من السجناء السياسيين.

ويقول أسلك، إن خبرته في سجن «ماماك»، سيئ الصيت، نزعت عنه انسانيته وحولته الى وحش، ودمرت حياته كلياً. ولهذا السبب رفع دعوى، مثله مثل آلاف الضحايا الاخرين، ضد الجنرالين المتقاعدين، كنعان إيفرين، وتحسين ساهنكايا، قائدي الانقلاب اللذين خلقا حالة من الذعر في البلاد بين عامي 1980 و.1983 إلا ان دعوى أسلك تختلف عن بقية المدعين الذين تعرضوا للتعذيب في أنه هو «الجلاد والضحية»، فهو اليوم يشعر بالندم، كونه مارس التعذيب، ويدّعي بانه فعل ذلك مرغماً، وتحت التهديد بانه سيتعرض نفسه للجلد ان لم يمارس ذلك العمل. ويقول انه خرج من تلك المهنة محطم النفس، وتلقى علاجاً نفسياً، وانه يشعر بعقدة الذنب إلى الحد الذي لا يستطيع فيه الزواج مطلقاً.

وحشية

تزايد الادّعاءات بوجود تعذيب

جاء حزب العدالة والتنمية الى الحكم قبل 10 سنوات، مؤكداً عدم تسامحه مطلقاً مع أعمال التعذيب، الا ان الادعاءات على اعمال التعذيب لاتزال تتزايد يوماً بعد يوم، اضافة الى ان 99 صحافياً، 60٪ منهم من أصل كردي، معتقلون في السجن، من بينهم 500 طالب وثلاثة الاف كردي من بين سياسي وناشط ومعارض. كما ان الكثير من المعتقلين تم اعتقالهم فقط لانتمائهم الى عرقية معينة. ويبدو ان الحكومة التركية تعمل كضابط تجنيد لدى حزب العمال الكردستاني - بمعنى ان ممارساتها ضد الاكراد - تجعل الكثيرين منهم يلتحقون بصفوف هذا الحزب الذي كان يشعر من قبل بانه اصبح مهمشاً. ويبدو ان الحرب في الجنوب الشرقي من تركيا ارتفعت وتيرتها مرة اخرى، لاسيما بعد مقتل 34 قروياً كردياً، بينهم 19 طفلا، من قبل طائرات الجيش التركي بالقرب من الحدود العراقية في 28 ديسمبر العام الماضي، الامر الذي جعل حدة الغضب الكردي تصل الى درجة الغليان. وكان دوغان أسلك من أوائل السجانين الذين اعترفوا بذنبهم في اذلال آلاف الضحايا، ما شجع الآخرين على الاعتراف، وفضح الممارسات اللاإنسانية في السجون التركية في فترة الثمانينات.

السجان دوغان أسلك لم يحتمل ضميره وزر التعذيب. أرشيفية

تم استدعاء أسلك ليقضي خدمته العسكرية الاجبارية آمراً لسجن «ماماك» عام ،1982 وتلقى تدريبا خاصا من بعض الضباط في ما يتعلق بأساليب التعذيب. يقول: «تتمثل اسبابي في رفع هذه الدعاوى في ان الطغمة العسكرية الحاكمة، آنذاك، منعتني من مواصلة خدمتي في الجيش»، ويضيف «لقد حطموا عقولنا وإرادتنا، وجعلونا نمارس الجلد على المساجين مثل الحيوانات». ويوضح أسلك انهم شرحوا له كيفية ممارسة التعذيب بقولهم: «لا تضرب مباشرة على الرقبة»، ويضيف «كانوا يأمروننا بان نجعل المعتقل ينحني ويمسك اعضاءه التناسلية، بينما نضربه نحن على مؤخرته بالعصا».

ويقول إن السجان اذا فشل في القيام بمثل هذه الامور سيتعرض نفسه للضرب. ويتمنى أسلك ان يسامحه ضحاياه، ويتذكر الكثير من هؤلاء.

ويروي انه ذات مرة قابل احدهم، ويدعى شعبان دقرمنسي في الاناضول، ويقول: «شعرت حقاً بالخوف، فقد دعاني للجلوس معه في احد مطاعم الحلوى وتحدثنا لفترة، ثم قال لي إن المحكمة ستستمع قريبا لدعوى سجن الماماك، وقال لي إنهم لن يتسببوا لي في أي أذى».

تاريخ العقوبات الوحشية التي تمارسها الحكومات ضد خصومها في تركيا لايزال يلوّن بالرعب حياة المجتمع التركي، ومن بين الانقلابات العسكرية الاربعة التي شهدتها تركيا منذ ،1960 كان الانقلاب العسكري، الذي وقع في 12 سبتمبر ،1980 هو الاشد وقعاً على البلاد. فقد تعرض ربع مليون مواطن للاعتقال والتعذيب، وفقا لما أوردته منظمة العفو الدولية، بينما تعتقد منظمات حقوق الانسان التركية، ان العدد الحقيقي اكبر من ذلك بمرتين او ثلاث مرات. واوردت هذه المنظمات 37 اسلوبا مختلفا من اساليب التعذيب استخدمها الجلادون، من بينها الصعق بالكهرباء، وجلد القدمين، والتعليق من اليدين والرجلين، واستخدام الماء المضغوط، ويعتقد بان ما يصل الى 419 شخصاً قد تعرضوا للتعذيب حتى الموت في المعتقل بعد مرور 15 عاماً من الانقلاب، وان الآلاف منهم تعرضوا لعاهات مستديمة، وان الكثير اختفى، ولاتزال الجهات المعنية تبحث عن بقاياهم في مقابر سرية.

اعترافات

بدأ الجلادون يقرّون بما كانوا يفعلونه، على الرغم من ادعائهم بان ما فعلوه كان تحت الضغط. يقول كامل التمان، الذي كان جندياً في سجن ماماك: «تم اعتقال الكثير من الشباب والمفكرين والكتاب، وكنا انا وزملائي ننفذ الاوامر الصادرة الينا، لكننا لم نكن نساند أي تعذيب».

ياسر الدريم، أحد الضحايا، يستعيد ذكريات ذلك الزمن الرديء، ويروي كيف ان رئيس حراس سجن «ماماك» أمر السجناء بالخروج الى باحة السجن، ثم اطلق عليهم كلاب شبارد الالمانية لمدة 45 دقيقة، ويضيف «ما ازعجني حقاً هو ان حارس السجن اعطى الاوامر بإطلاق الكلاب علينا، بينما كان يجلس على مقربة منا يرتشف الشاي».

في يناير من العام الجاري قبلت محكمة تركية لائحة الدعوى ضد انقلاب ،1980 ممهدة الطريق لمحاكمة قادة الانقلاب الذين يسعى المدعون الى معاقبتهم بالسجن المؤبد دون أي افراج مشروط، وعبر الكثير من ضحايا الانقلاب - منهم سياسيون يمينيون ويساريون ووطنيون ومدعون - عن فرحتهم بقرار المدعين. وعلى الاثر تدفق سيل عارم من الدعاوى ضد قادة الانقلاب، وتستهدف معظم هذه الدعاوى الجنرال ايفرين، والمتعاونين معه.

وكان ايفرين قد صرح قبل ذلك بأنه في حال سمح الدستور بمحاكمة مدبري الانقلاب العسكري عام ،1980 فإنه سيطلق على نفسه رصاصة واحدة من مسدسه.

وكرّر ايفرين، والذي يبلغ من العمر 92 عاماً، القول نفسه عندما سألته وسائل الاعلام عن موقفه في حال وافق الشعب من خلال الاستفتاء على تعديل مواد الدستور، ومن بينها إلغاء المادة 15 المؤقتة التي تمنح قادة الانقلاب حصانة أبدية ضد المحاكمة والمساءلة، وقال: «لا يمكنني أن اتقبل وضعاً كهذا، إن رصاصة واحدة من مسدسي تكفي... بووم، انا اخلص شؤوني بنفسي، ولا يمكن ان اسمح بالتلذذ بمحاكمتي»، مؤكداً ان الجيش تدخل لانهاء فترة من الفوضى كانت تشهدها تركيا، بعد سقوط عشرات القتلى يومياً في مواجهات مسلحة بين اليسار واليمين.

كراهية

في الوقت الذي ظل فيه الكثير من الضحايا والجلادين على قيد الحياة، أضافت ذكريات عذابات الماضي شعوراً بالكراهية والخوف من السياسيين الاتراك المعاصرين، في حين ان الجيش لم يتخلَ بعد عن دوره السياسي. ويقول استاذ العلوم السياسية في جامعة باهكيسهير التركية، سينغز اختر: «يتطلب نزع الصفة السياسية عن الجيش وقتاً طويلا، فقد استغرق الامر 30 عاماً في اسبانيا، والتي كانت في كثير من الوجوه مشابهة للوضع التركي». وهناك فرق بين الدولتين، هو ان الكثيرين في تركيا غير مقتنعين، حتى الآن، بأن الاضطهاد الوحشي الذي حدث في تركيا جزء من التاريخ القديم، حيث نجد انه وحتى في 2009 تتهم اطراف الجيش التركي بتدبير انقلاب.

ويقول أستاذ الادب المقارن، في جامعة بيلغي، مراد بيلجي، إن المعارضة الشعبية ليست قوية بما فيه الكفاية لمنع انقلاب عسكري خامس في البلاد، لكنه يتساءل ايضا ما اذا كان الجيش لايزال يشكل تنظيمات لتدبير الانقلابات. ويرى اشارات مبشرة في ان بعض كبار الضباط على الاقل لا يحبون «الطريقة التي يتعامل بها الجيش مع الاكراد - الاغتيالات والافعال الاجرامية - ويريدون دولة نظيفة». ويعتقد بان الكشف عن اجتماعات عسكرية سرية وخطط لزرع متفجرات في المساجد وسيلة للاستفزاز، يكشف ان هناك ضباطاً في الجيش يحاولون جاهدين منع انقلاب عسكري آخر بتسريبهم معلومات للصحافة والشرطة في هذا الخصوص. إلا ان هناك الكثير من الشكوك في ان النخب القديمة الحاكمة من الجيش وقوات الامن والجهاز التشريعي لم يتخلوا بعد عن احلام السلطة، على الرغم من الانتصارات الانتخابية الثلاثة التي سجلها حزب العدالة والتنمية منذ عام .2002 ويرون ايضا نفوذا متزايدا لهذه «الحالة المستعصية» في تركيا، ولعل اكبر شواهدهم على ذلك، هو ما نفته احدى المحاكم في 17 يناير من تورط مسؤولين بالدولة في مقتل الصحافي التركي، الارمني الاصل، هرانت دينك، عام ،2007 واكدت انه كان بفعل بعض الشباب. وعلى الرغم من كونه على رأس السلطة لعقد من الزمان تقريباً، لا تحدو رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، الرغبة في معالجة هذه «الحالة المستعصية» من خلال معاقبة مرتكبي جرائم الماضي، ووضع حد للسلطة العسكرية المستقلة. ويبدو ان الجيش وحزب العدالة والتنمية وصلا الى وضع مريح. ويقول أختر إن «الاصلاحات لم تنجز بالكامل، وهذا امر خطير للغاية». ويخشى من ان تكون قوات الامن محتفظة بأنيابها حتى الان، ويضيف «إلا ان الحكومة تبدو سعيدة، لأنها تعلم ان الجيش لن يعمل ضدها».

تويتر