يذهبون إلى المدارس ويتعلّمون مهارات عدة

أطفال الشوارع في كابول يحصلون على فرصة استرداد طفولتهم

سمندر أمام عدد من الأطفال في المدرسة. أرشيفية

لطالما كان (أوميد) يقضي أيامه في الشوارع المزدحمة في كابول، يغسل السيارات بقطع قماش بالية. وعندما ينتهي النهار، يعود هذا الصبي، البالغ عمره سبع سنوات، إلى المنزل، حاملاً معه النقود التي تمكّن من كسبها كي يقدمها لوالده، وبالتالي يصبح قادراً على شراء الدواء دون الحاجة إلى بيع قطعة أخرى من أثاث المنزل المتهالك أصلاً.

وهناك الطفل (هارون) أيضاً الذي بدأ عمله في الشوارع بعمر السادسة، حيث كان يقوم بطرد الأرواح الشريرة عن السيارات، عن طريق استخدام موقد صغير عليه بضع قطع من الجمر، يحركها فوق غطاء محرك السيارة، ما ينجم عنه اندفاع الدخان عبر نافذة السائق. وتمكّن (هارون) في أفضل أيام عمله من الحصول على 1000 أفغاني أي ما يعادل «11 جنيهاً إسترلينياً» قدمته له امرأة تقود سيارة مصفحة.

وتعتبر العاصمة الأفغانية كابول، واحدة من أسرع المدن نمواً في العالم، حيث يجري فيها التطور بوتيرة تفوق الوصف. ويعيش معظم السكان في أماكن سيئة على شاكلة الأحياء الفقيرة التي تميز معظم البلدان الفقيرة. وأما بالنسبة لآباء كل من (أوميد) و(هارون)، كما هو الحال بالنسبة للآلاف من سكان العاصمة الأفغانية، فإن الاعتماد على أطفالهم يعتبر وسيلة لمواجهة شراسة الفقر وعذاباته.

انهيار مشروعات التنمية

اعتبر الرئيس الأفغاني، أشرف غاني، أن عمليات التخطيط المدني والاسكاني في قمة أولوياته واهتماماته للنهوض بأفغانستان إلى أفضل شكل ممكن، لكنه فشل في إنعاش اقتصاد بلاده، بعد انسحاب معظم القوى الأجنبية من أفغانستان في عام 2014، وانهيار العديد من مشروعات التنمية والتطوير، التي كان من المفروض أن تحسن مستوى المعيشة في هذه الدولة. واستناداً إلى برنامج «الترسيخ الإنساني»، التابع للأمم المتحدة، تبدو المدن الأفغانية «أماكن طاردة، ومعادية بصورة متزايدة» للأطفال الصغار.

الرئيس الأفغاني فشل في تحسين الاقتصاد بسبب خروج معظم القوات الأجنبية من الدولة. أرشيفية


تناقض

وقال هيرفي: «إذا لم يكن الآباء متعلمين هم أنفسهم، فإنهم لن يستطيعوا الاقتناع بأنه يوجد تناقض بين العمل والمدرسة، إذ إنهم يعتبرون العمل مصدراً لجلب الرزق، في حين أن المدرسة تضيع وقت الطفل بلا طائل. ويستطيع الأطفال التسول لمدة 10 ساعات والعودة الى المدرسة لمدة خمس ساعات أخرى. وحتى لو تمكنوا من القيام بذلك فإنه ليس من المضمون الحصول على نتيجة إيجابية لتغيير حياة الطفل نحو الأفضل، لأن الصدمات النفسية في مثل هذه الحالة ستجعل من الصعوبة بالنسبة لهم الاستفادة من المدرسة». ويقول (هارون)، الذي أصبح في سن 13 عاماً الآن: «في السابق لم أفهم أي شيء عن المدرسة، ولكن في الوقت الحاضر أستطيع التعلم بسرعة أكثر بكثير من السابق».

وتضاعف سكان كابول أربع مرات منذ عام 2001، حيث بلغ تعدادهم الآن نحو ستة ملايين نسمة. ويتوقع أن يتضاعف تعداد السكان المدنيين في أفغانستان مرتين في غضون 15 عاماً.

ونحو ثلاثة أرباع السكان في كابول يعيشون في منازل غير رسمية، إذ إن العديد من القادمين الجدد إلى العاصمة يتجمعون في المناطق التي يدعوها هيرفي «جيوب الفقر»، وهناك منطقة «خير خانا» السكنية على منحدرات أحد الجبال بالقرب من مبنى يضم شققاً سكنية ترجع الى فترة الاتحاد السوفيتي، حيث كان يقطن في هذه المنطقة نحو 900 عائلة من قبيلة كوشي، وهم من بدو الباشتون.

ولكن، وبخلاف العديد من أقرانهم الذين يعيشون في الشوارع، فقد مُنح (هارون) و(أوميد) فرصة ثانية ليعيشا طفولتهما. وهما يعيشان الان في منزل ضخم في جنوب المدينة، ويدرسان فيه خلال النهار مع العشرات من الأطفال الآخرين، الذين يمارسون فنون القتال ويتعلمون حرفاً ومهارات، يمكنهم أن يعتاشوا منها، مثل الطبخ والنحت على الخشب في غرف صف وورش عدة متنوعة.

وتجلس مجموعة من الفتيات على نول خشبي للنسيج في إحدى الغرف، وينسجن السجاد والبسط، في حين أن أصوات الفتيات اللواتي يتعلمن الأحرف الأبجدية والقراءة، يصدر من الغرفة المجاورة. وأما في القبو الموجود في المنزل فيستغله الفتيات والأولاد للتدرب على فنون القتال معاً. ويأتي نحو 150 طفلاً إلى هذه المدرسة يومياً، كما يقول مؤسسها عبدالباقي سمندر، الذي يعمل لديه 25 مدرساً.

وربما لا يبدو الأمر بحاجة الى الكثير من الجهد لإنجاز مثل هذه المهمة، ولكن سمندر يقول إنه يجد صعوبات بالغة لإقناع آباء هؤلاء الأطفال كي يقدم لهؤلاء الأطفال وجبات وتعليماً مجانياً، ويبعدهم عن حياة الشارع ومخاطرها. ويقول سمندر إنه أخبرهم بأن أطفالهم لهم الحق بالتعلم. وتساءل «لماذا يبقى أطفالهم في الشوارع من أجل الحصول على كسرة خبز؟».

ويقول سمندر إنه لا يتلقى أي تمويل من الحكومة، أو المنظمات غير الحكومية الكثيرة في أفغانستان، وإنما يعتمد على إدارة مدرسته الخيرية من التبرعات التي يقدمها أصدقاء من خارج الدولة، فقد عاش سمندر سنوات عدة في ألمانيا تمكن خلالها من إنشاء صداقات وعلاقات في هذا البلد، كما أنه يحصل على الرعاية من أطراف محلية، مثل المطابع التي تتبرع بالورق الذي تريد التخلص منه، إضافة إلى جهات مشابهة.

ويقول سمندر، الذي ناهز الستين من العمر، وهو ناشط اجتماعي، كما أنه عمل صحافياً سابقاً، إن تعداد الأطفال المشرّدين المنتشرين في شوارع كابول ازداد بصورة ملحوظة خلال العقد الماضي، بالرغم من المحاولات المبذولة لمساعدتهم على إيجاد بدائل أفضل، ومحاولات الحكومة إيجاد حلول للحد من هذه الظاهرة الاجتماعية السيئة. ولكن، وعلى الرغم من ذلك، يمكن مشاهدة الكثير من الفرص الجيدة في المدن الأفغانية، إضافة إلى الكثير من الأماكن الآمنة. وخلال العام المنصرم، تعرضت العاصمة لمزيد من الضغوط نتيجة الطرد القسري لنحو 600 ألف أفغاني من باكستان، إضافة إلى عدد كبير من الأفغان الذين نزحوا نتيجة الصراع المتأجّج في أفغانستان. ويقول نيكولي هيرفي من منظمة «سامويل هال الفكرية»: «يتم إرسال الأطفال بسرعة إلى الشوارع، ليتسولوا باعتبار ذلك أقصر الطرق لكسب الرزق». وكانت المنظمة قد أكملت دراسة ميدانية شاملة عن الأحوال المعيشية والنفسية لأطفال أفغانستان، الذين يعملون في الشوارع، والذين بعضهم لايزال يذهب إلى المدارس خلال فترة من النهار.

الفقر يؤدي إلى العنف الأسري

مقارنة بالأطفال الذين يتسوّلون أو يعملون في الشوارع، تعتبر النساء الأفغانيات ضحايا خفية نتيجة الفقر والعوز الذي تعانيه العائلات الأفغانية. وأما في المناطق القروية فتكون بعض النساء قادرات على المشاركة في دخل العائلة، على سبيل المثال، عن طريق مشاركتهن في الحصاد، وجمع المحاصيل، ولكن في المدينة تجد الكثير من النساء أنه من الصعب جداً إيجاد طريقة للإسهام في دخل العائلة. وقال كولي هيرفي من منظمة سامويل هال الفكرية في أفغانستان «عندما ينتهي المطاف بالمرأة القروية ذاتها إلى العيش في المدينة، فإنها تعجز عن الخروج من منزلها. ولا تستطيع المساعدة في دخل العائلة»، واذا لم يتمكن زوجها من إيجاد عمل يتصاعد التوتر في المنزل، وغالباً ما تكون النتيجة تدهوراً للعلاقة بين الزوجين، والانزلاق نحو العنف الأسري، كما قال هيرفي.

وفي حقيقة الأمر فإن اضطهاد المرأة، وسوء معاملتها يعتبر من الأمور المسلّمة في معظم العائلات الأفغانية، اذ يعتقد أن نحو 87% من النساء الأفغانيات تعرّضن للعنف الأسري مرة واحدة على الأقل. والكثير من النساء اللواتي كنّ معتمدات اقتصادياً واجتماعياً على أعضاء عائلة ينزعون إلى العنف، فإنهن لا يشتكين إساءة معاملتهن، وقلة من النساء الأفغانيات ينشدن المساعدة، ولكن ليس من المحاكم الرسمية، وإنما يفضلن التوجه إلى الطرق التقليدية لحل الخلافات.

معظم النساء الأفغانيات يتعرّضن للعنف الأسري. أرشيفية

تويتر