بعضهم اعتبروا خروج بريطانيا «خيانة».. وآخرون يفكرون في الرحيل

أوروبيون مقيمون في بريطانيا يشتكون العنصرية وتقلّب الأوضاع

صورة

ستة أشهر مرت على تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، في استفتاء تاريخي ومثير للجدل. لقد كان الـ23 من يونيو تاريخاً لن ينساه البريطانيون، وأيضاً الأوروبيون المقيمون في المملكة المتحدة، الذين وجدوا أنفسهم أمام واقع جديد ووضع مختلف. لقد تغيرت الأمور بشكل كبير، وبعد أن كان هؤلاء يحصلون على جميع المزايا، كونهم مواطنين في الاتحاد الأوروبي، أصبحوا بين عشية وضحاها يعاملون مثل بقية الأجانب، ويشعر العديد من الأوروبيين في بريطانيا بأنهم تعرضوا لـ«الخيانة».

يقول شاب فرنسي يدعى (بونوا ــ 37 عاماً): «انتابني شعور بأنني أخطأت التقدير في ما يخص هذا البلد (بريطانيا)»، ويضيف المقيم في لندن قائلاً: «في اليوم الذي تلى التصويت قلت لنفسي إنهم لا يريدوننا». ويصف بعض الأوروبيين «طلاق» بريطانيا من الاتحاد بنهاية مؤلمة لقصة حب جميلة. أما المهندس برونو بوليه، فيقول: «خدعتني بريطانيا». وكان برونو (47 عاماً)، الذي أمضى ربع قرن في المملكة المتحدة يعتقد ــ قبل الاستفتاء ــ أنها بلد «متسامح وتقدمي وفي تطور علمي مستمر، كل ذلك بسبب انفتاحه». أما اليوم فهو لا يخفي تذمّره من رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، التي لا تُحسن سوى ترديد الشعارات الجوفاء، وفق تعبيره. ويشعر المهندس الفرنسي بالخوف من المستقبل، «العالم يتجه نحو تفعيل الحدود التي كافح أجدادي من أجل إزالتها».

تداعيات معقّدة تقلق المهاجرين

لقد كان لقرار بريطانيا المفاجئ بمغادرة الاتحاد تداعيات مختلفة، ومن المرجح أن تكون معقدة بالنسبة للمهاجرين الأوروبيين. ويقول المهاجر الإيطالي، (مانويل ــ 28 عاماً)، انتقل للعيش في المملكة المتحدة منذ عامين، إن بريطانيا تقول للمهاجرين «نحن لا نرغب في الذهاب إلى الحفل مجدداً»، وإلى غاية الـ24 من يونيو لم يفكر مانويل بمسألة الإقامة في بريطانيا، وكان يعمل في أحد أكبر الأسواق في لندن بهدوء وطمأنينة. وبعد الاستفتاء بات يتساءل «هل سأحتاج إلى تأشيرة دخول قريباً؟ سيكون المهاجرون في وضع غير جيد بالتأكيد، هكذا علّق بينما كان يقدم الطلبات للزبائن، مضيفاً: «لقد راسلني أصدقائي في إيطاليا، وطلبوا مني العودة إلى بلدي».


• 1.2 مليون بريطاني يقيمون في دول الاتحاد الـ27.

• 3.3 ملايين أوروبي يعيشون في بريطانيا.

عدم وضوح رئيسة الوزراء البريطانية في ما يخص ملف المواطنين الأوروبيين المقيمين في المملكة المتحدة، له مبرراته، ويدرك العديد من هؤلاء أن ماي تريد استخدام هذا الملف خلال مفاوضات الخروج من الاتحاد «بريكست». وتريد الحكومة في لندن مقايضة أوضاع 3.3 ملايين أوروبي يعيشون في بريطانيا بنحو 1.2 مليون بريطاني يقيمون في دول الاتحاد الـ27، وبالتالي تكون هذه المسألة في صالح الاقتصاد البريطاني عقب الخروج.

وأكدت الحكومة البريطانية، مراراً، أنها ستحافظ على حقوق الأوروبيين المقيمين على أراضيها، لكن تطالب في الوقت نفسه بالمقابل بالنسبة للبريطانيين المقيمين في دول الاتحاد. وتقدم رئيسة الوزراء نفسها على أنها «بطلة» الدفاع عن مواطنيها المنتشرين في الاتحاد، والذين لم يدعموا الخروج في أي حال من الأحوال.

عواقب الأمور

تقيم الفرنسية فلوريان زونيغا في لندن منذ 1978، وتقول: «شعرت دائماً وكأني في وطني وأحياناً أفضل من العيش في مدينتي باريس». وكان احترام الإنجليز للناس محل إعجاب فلوريان (77 عاماً)، التي انتهت قصة حبها مع المملكة المتحدة بهدوء في صباح الـ24 من يونيو، تاريخ إعلان نتائج الاستفتاء. وفي ذلك تقول المعلمة المتقاعدة، «لقد سرقوا منا إنجلترا!»، مضيفة «أشعر بأننا نعاقب. ماذا فعلنا؟ لم نرتكب خطأ، ونحن (الأوروبيين المقيمين في بريطانيا) لسنا أشراراً».

لا تلوم فلوريان البريطانيين كثيراً لأنهم «لم يدركوا عواقب الأمور»، وفق تعبيرها، لكنها في المقابل تصب جام غضبها على السياسيين ووزير الخارجية الحالي بوريس جونسون، الذي فعل كل ذلك للوصول إلى السلطة، «إنه يعبث بالنظام البرلماني وبالديمقراطية، هذا لم يكن شأن البريطانيين».

الفرنسيون ليسوا وحدهم من انزعج من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وتقول التقديرات إن أكثر من 300 ألف فرنسي يقيمون في المملكة المتحدة. ويستخدم الأوروبيون الآخرون تعابير الغضب والتذمر نفسها. ومن بين هؤلاء إسباني يقيم في البلاد منذ أكثر من 16 عاماً، يقول: «لقد بات لدي انطباع قوي بأننا لم نعد مرحَّباً بنا هنا». وقال مقيم ألماني، إن الأمور تغيرت بعد استفتاء يونيو، إذ طفت العنصرية إلى السطح بشكل غريب، فقد وصف مراهقون بريطانيون أطفاله بأنهم «نازيون»، في حين يؤكد أحد الرعايا الهولنديين أن «الشوارع باتت مسرحاً مفتوحاً للأعمال العدائية».

أما بالنسبة للبولنديين الذين يقدّر عددهم بنحو 800 ألف مقيم في المملكة المتحدة، فقد اتهموا خلال الحملة الانتخابية قبل الاستفتاء، بأنهم عبء ثقيل على سوق العمل والخدمات الاجتماعية، بالإضافة إلى المقيمين القادمين من رومانيا وبلغاريا. وقد كان هؤلاء أول ضحايا اعتداءات الكراهية، في أعقاب الاستفتاء.

التفكير في الرحيل

وفقاً لاستطلاع أجرته «فايننشيال تايمز»، نهاية أكتوبر، فإن ربع الموظفين الأوروبيين في بريطانيا، يشعرون بأنهم «غير مرغوب فيهم»، وأن 39% يفكرون في الرحيل. وأثارت استقالة مدير متحف فيكتوريا وألبرت، مارتن روث، وهو ألماني الجنسية، جدلاً واسعاً، فقد قرر الأخير العودة إلى بلده الأصلي بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد. في المقابل، هدد عازف الكمان البريطاني، نايجل كيندي، بمغادرة مدينته لندن والذهاب للعيش في برلين، لأنه لا يطيق «العيش في بلد عنصري».

ورفضت السلطات البريطانية منح حق الإقامة الدائمة للهولندية مونيك هوكينس، على الرغم من أنها متزوجة من بريطاني وتقيم في المملكة منذ أكثر من 24 عاماً. وتقول السلطات إن هوكينس رفضت تقديم جوازها الأصلي، لأنها بحاجة إليه في تنقلاتها المتعددة. وتقول الهولندية بتذمر: «إنها حركة بهلوانية من قبل السلطات. البلد الذي اخترته لم يعد يريدني».

حالة عدم اليقين والتخوف دفعت أكثر من 100 ألف أجنبي إلى تقديم طلبات الحصول على تصريح الإقامة الدائم، الحق الذي يستفيد منه رعايا الاتحاد الأوروبي بشكل تلقائي، إلا أن هذا الواقع قد يتغير قريباً، وفقاً لنتائج المفاوضات التي يجريها الاتحاد مع حكومة تيريزا ماي.

مارد الكراهية

وأطلق ناشطون مجموعة ضغط على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الدفاع عن حقوق مواطني الاتحاد الأوروبي في بريطانيا. وانضم للمجموعة أكثر من ثلاثة ملايين، حتى الآن. ويقول منسق المجموعة، برونو بوليه، إنه لا يستطيع أن يستوعب «نظرات الناس إليه عندما يتحدث إلى ابنه باللغة الفرنسية». ويضيف المهندس الكيميائي، «وكأن مارد الكراهية استيقظ في الـ23 من يونيو وخرج من المصباح، وكأن بريطانيا الامبريالية استيقظت». وبينما يناضل بوليه من أجل حقوق الأوروبيين في هذا البلد، يحاول توطيد العلاقات مع 48% (نسبة المعارضين للخروج من الاتحاد) من الناخبين البريطانيين الذين «تعرضوا للخديعة»، ووجدوا أنفسهم في واقع لا يُحسدون عليه.

في هذه الأثناء، يبحث بوليه عن فرصة عمل في كندا قائلاً: «يتعين على الفرنسيين (في بريطانيا) أن يدركوا أن البريكست حقيقي»، بينما تأمل المعلمة المتقاعدة فلوريان زونيغا، دائماً، أن تستفيق من هذا الحلم المزعج أو «رواية المجانين»، كما تسميها، وأن تعود بريطانيا كما كانت في السابق.

تويتر