المنفذ الوحيد لدخول الجامعات الصينية

امتحان «غاوكاو» في الصين .. توتر نفسي وانتحار في بعض الأحــيان

صورة

يتعرض الطلاب الصينيون لحالة من التوتر الجسمي والذهني، قبل خضوعهم للامتحان النهائي لدخول الجامعة، والمعروف باسم «غاوكاو». ويبذل الطلبة كل جهودهم وأفضل ما لديهم، للحصول على وظائف راقية ومستقبل زاهر، وحتى زيجة سعيدة، أما منتقدوه فيعتقدون أنه من أسوأ الأنظمة التعليمية في العالم، والذي كثيراً ما تسبب في انتحار الطلبة، الذين فشلوا في إحراز نتائج تؤهلهم لدخول الجامعات.

لمدة يومين في مطلع شهر يونيو من كل عام، تعتري الصينيين حالة من الترقب والتوجس، في الوقت الذي يجلس فيه طلاب المدارس الثانوية لامتحانات دخول الجامعات. ويعتبرونها مناسبة وطنية على قدم المساواة مع العطلات الرسمية، لكن أقل متعة منها، حيث تتوقف أعمال البناء بالقرب من قاعات الامتحان، كي لا تعكر صفو هدوء الطلاب، وتتحول حركة مرور السيارات بعيداً عن المدارس، وتصبح سيارات الإسعاف على أهبة الاستعداد خارج قاعات الامتحانات، تحسباً لأي حالة انهيار عصبي، وتحافظ دوريات الشرطة على الهدوء في الشوارع، وتستضيف البرامج الحوارية الإذاعية خبراء يجيدون الدردشة في موضوع الامتحان، ويناقشون المسائل وموضوعات الامتحان بتفصيل دقيق، وعندما تظهر النتائج تحتفل البلاد بمن أحرزوا نتائج مبهرة على المستوى الوطني. وتحدد العلامات المنخفضة والعالية الفرص والمكاسب المحتملة للطالب في مقتبل حياته، أو الصعوبات التي ستواجهه. وتعتبر تلك النتيجة هي الرقم الأكثر أهمية في حياة أي طفل صيني، فهي محصلة سنوات من الدراسة والحفظ والضغوط المستمرة.

رقابة صارمة ضد الغش

يعتبر الغش في هذا الامتحان مشكلة كبيرة، وكثيراً يكتشف المراقبون كاميرات تجسس وأجهزة راديو وأجهزة أذن، ترسل الأسئلة وتستقبل الأجوبة، مخبأة في المجوهرات، والنظارات التي يرتديها الطلاب، وفي داخل محافظ نقودهم، وأقلامهم، وحتى في ملابسهم الداخلية. معظم قاعات الامتحان مزودة بكاميرات دوائر تلفزيونية مغلقة، وتستخدم بعض القاعات أجهزة الكشف عن المعادن. العام الماضي، ضبطت الشرطة مجموعة من الأشخاص بمدينة لويانغ، التابعة لإقليم خنان، جلسوا للامتحان بدلاً من الطلبة، بعد أن دفع الآباء لهم ما مجموعه مليون يوان (121 ألفاً و300 جنيه إسترليني). وتستخدم سلطات الامتحان طائرة بدون طيار تحوم فوق المباني المدرسية، وتمسح المنطقة ضوئياً، بحثاً عن أي إشارة راديو مرسلة إلى قاعة الامتحان، أو خارجة منها، كما تستخدم السلطات بصمة قزحية العين، ومطابقة بصمة الأصابع للتحقق من هوية الطلاب.

يوم 8 يونيو هذا العام، وبعد ظهر اليوم الأخير من امتحان «غاوكاو»، تزاحم آباء الطلبة الجالسين للامتحان أمام إحدى المدارس في العاصمة بكين، وكانت بوابة المدرسة مكتظة لآخرها بأناس يتدافعون لاحتلال موقع أمامي من البوابة، وطفق حراس الأمن الخاص يقدمون زجاجات المياه والمراوح الورقية الرخيصة، في حين جلست مجموعة من المسعفين تحت مظلة كبيرة، وجاء الآباء إلى هنا ليقلوا أبناءهم بعد الامتحان.

بعد فترة وجيزة، ظهر من بعيد طالب اسمه يوان تشي، ممسكاً بقلم رصاص، وعلى وجهه يرتسم ذهول واضح، ويسير حوله مئات من زملائه، الذين بدأوا يحتفلون بانتهاء محنتهم. بعضهم يحمل باقات من الزهور قدمها لهم معلموهم، والبعض الآخر يقف أمام كاميرات الهواتف لالتقاط هذه اللحظة المهمة. والد يوان تشي، المسؤول في الجيش الشعبي للتحرير، كان مرتدياً سروالاً قصيراً وقميص بولو، ويقف في مقدمة المنتظرين رافعاً هاتفه الجوال عالياً لتسجيل هذه اللحظة، وعندما رأى ابنه حيّاه بصمت وقاده إلى والدته، التي كانت بانتظاره. وسأل آباء آخرون يوان ما إذا كان الامتحان صعباً. ورد مبتسماً «هذا يعتمد على نوع المادة»، وهنا ابتسم والده بفخر واعتزاز.

ويعتبر الغش في هذا الامتحان مشكلة كبيرة، وكثيراً يكتشف المراقبون كاميرات تجسس وأجهزة راديو وأجهزة أذن ترسل الأسئلة وتستقبل الأجوبة، مخبأة في المجوهرات، والنظارات التي يرتديها الطلاب، وفي داخل محافظ نقودهم، وأقلامهم، وحتى في ملابسهم الداخلية. معظم قاعات الامتحان مزودة بكاميرات دوائر تلفزيونية مغلقة، وتستخدم بعض القاعات أجهزة الكشف عن المعادن. العام الماضي، ضبطت الشرطة مجموعة من الأشخاص بمدينة لويانغ، التابعة لإقليم خنان، جلسوا للامتحان بدلاً من الطلبة بعد أن دفع الآباء لهم ما مجموعه مليون يوان (121 ألفاً و300 جنيه إسترليني). وتستخدم سلطات الامتحان طائرة بدون طيار تحوم فوق المباني المدرسية، وتمسح المنطقة ضوئياً، بحثاً عن أي إشارة راديو مرسلة إلى قاعة الامتحان أو خارجة منها، كما تستخدم السلطات بصمة قزحية العين، ومطابقة بصمة الأصابع للتحقق من هوية الطلاب. ويرافق أوراق الامتحان حراس أمن مسلحون، هذا العام دخلت بعض القوانين حيز التنفيذ، حيث يمكن حبس من يغش سبع سنوات في السجن.

بدا يوان تشي واثقاً بنفسه، فقد أحرز في الامتحان التجريبي 690 من 750 علامة، ما يعتبر وضعاً جيداً بما فيه الكفاية لدخول جامعات النخبة في العاصمة. إذ ظل يستذكر دروسه لمدة 12 ساعة في اليوم، في الأشهر التي سبقت الامتحان، مع الاشتراك في فصول إضافية في عطلة نهاية الأسبوع. ومنذ مارس الماضي، كان ينام فقط ست أو سبع ساعات ليلاً. وفي اليوم السابق للامتحان، استأجر والداه غرفة في فندق بجوار المدرسة التي سيجلس فيها للامتحان، ليتمكنا من تجهيز وجباته، وتلبية ما يحتاج إليه.

يعتبر امتحان «غاوكاو» رمزاً للنظام التعليمي الصيني، وينظر إليه الغرب على أنه نظام يجعل العملية التعليمية صعبة للغاية، ويجعل الطالب يحفظ الدرس عن ظهر قلب، وينظر إليه الصينيون على أنه نظام عادل لكنه صعب. ويعتقد الأميركيون والأوروبيون أن المدارس الصينية، على غرار هذا النظام، تفرز إنساناً آلياً غير قادر على التفكير النقدي. إلا أن بعض المفكرين الغربيين أبدوا إعجابهم بهذا النظام، مثل كاتب العمود بصحيفة «نيويورك تايمز»، توماس فريدمان، الذي أشاد بالنظام المدرسي الصيني، منتقداً المبالغة الغربية السخيفة. العام الماضي، وجهت هيئة الإذاعة البريطانية الدعوة إلى اثنين من المدرسين الصينيين، للمشاركة في برنامج وثائقي بعنوان: «هل أطفالنا جيدون بما فيه الكفاية؟»، حيث خلص البرنامج إلى أن «أطفالنا (البريطانيين) ليسوا جيدين، وكذلك المعلمين».

يوصف هذا الامتحان، أحياناً، بأنه «جسر جذع الشجرة، الذي ينبغي على الجميع عبوره»، وهو طريق صعب لكن بعض الأحذية أفضل من غيرها. ويصفه الباحث الكندي من أصل صيني، جيانغ شيويه تشين، بأنه «سباق التسلح» بين الأسر التي تتطلع إلى زيادة فرص أبنائها التعليمية. المحافظات ذات الكثافة السكانية الأكبر، لديها معايير أكثر صرامة لدخول أفضل الجامعات، في حين أن تلك الكثافة السكانية المنخفضة ذاتها، تضع شروطاً أقل صرامة. وقد أدى هذا إلى حدوث ثغرة، وتمخض عن هجرة للطلاب إلى مدارس في منطقة منغوليا الداخلية قبل الامتحان بأيام قليلة فقط. إلا أن طلاب بكين وشنغهاي يحصلون على امتيازات خاصة، وهم المستفيدون من الحصص المحلية السخية لدخول أفضل الجامعات، رغم كونهم أكثر عرضة لسوء الحظ في دخول تلك الجامعات.

و«يرتبط الامتحان - إلى حد كبير - بنتائج الوضع الاجتماعي والاقتصادي»، كما يقول بعض التربويين.

تويتر