الظروف تجبرهن على «بيع» أنفسهن لعرسان أثرياء مسنين

كشميريات يعانين فقد أزواجهن فــــــي الحرب والأسر

صورة

في بؤرة نزاع يبدو أمراً طبيعياً أن تعاني آلاف النساء في ولاية جامو وكشمير، موضع النزاع بين الهند وسكان تلك الولاية الطامحين الى الاستقلال، فقدان أزواجهن إما بالاعتقال أو القتل من جانب القوات الهندية، وان يصبحن أنصاف أرامل في طي النسيان. ولا تتوقف معاناة النساء في كشمير عند هذا الحد، بل تستمر وتتوسع لتشمل تقاليد سائدة ومتوارثة تسمح ببيع الفتاة وهي في سن صغيرة بموجب عقد زواج لرجل لا ترغب فيه زوجاً، ويتم فرضه عليها زوجاً ليسترقّها.

وبين أمل العثور على أزواجهن المفقودين أو البدء بحياة جديدة والزواج بآخر، إما بعد قصة حب وهو ما ترفضه تقاليد المجتمع، أو ببيعها له، تتمزق النساء الكشميريات اللاتي يطلق عليهن «أنصاف الأرامل».

وتقول إحداهن واسمها (حليمة)، إن الحياة وقسوة ظروفها قد سحقتها، فمأساتها كبيرة، إذ خرج زوجها قبل خمس سنوات للعمل صباحاً ولم يعد منذ ذلك الحين «وحدتي جعلتني حانقة على الحياة، وأعمل حتى أنفق على أولادي الثلاثة وتعليمهم بعد ما تركنا زوجي بلا مال».

وبعد مرور خمسة أعوام منذ اختفاء زوجها يئست (حليمة) من تتبع أثره في معسكرات الجيش الهندي او مراكز الشرطة التي يتعامل افرادها وضباطها بكثير من الاستفزاز والضغوط والترهيب مع كل امرأة تتوجه اليهم بحثاً عن زوجها.

وتقول الناشطة في مجال حقوق الإنسان أيسا جيلانا «أعمل مع النساء اللاتي اختفى أزواجهن وأبناؤهن وليس لديهن دعم مالي، وأشعر بعجزي فرؤيتهم تجعلني أبكي».

تقاليد لا ترحم

أسر.. واغتصاب

طبقاً لأرقام جمعية «أهالي المفقودين» المستقلة في كشمير، بلغ عدد المفقودين منذ 1989 أكثر من 10 آلاف بينهم 2000 شاب من المتزوجين حديثا اعتقلتهم قوات الأمن الهندية، ومنذ اكثر من عقدين وبعد أن تصاعدت حدة العنف ولغة السلاح في نزاع كشمير يتعرض الشعب الكشميري لحملة واسعة النطاق من الانتهاكات اليومية التي تشمل القتل والتعذيب واغتصاب النساء، أسفرت عن مئات الآلاف من الجرحى والمعاقين والمعتقلين من جانب القوات الهندية. ويقول خبراء إن السلطات الهندية تدرك جيداً مدى تمسك الشعب الكشميري بديانته وثقافته الإسلامية التي تشدد على صون المرأة وحمايتها، ومع ذلك تلجأ الى سلاح الاغتصاب ضد النساء لإذلال الشعب الكشميري بشكل عام وابتزازهن لمعرفة المعلومات عن أزواجهن وذويهن ممن يرفعون السلاح لمقاومة احتلال تلك القوات لكشمير.

تفرض التقاليد في المجتمع الكشميري ضغوطاً لا ترحم على النساء اللاتي يفقدن أزواجهن أو يتم تطليقهن من أزواج سبق لهم أن اشتروهن كزوجات، شأنهن في ذلك كأية سلعة، حيث يرفض المجتمع أن تتزوج المرأة مرة أخرى إلا بعد ثبوت وفاة زوجها ويقيد نشاط المطلقة وحركتها، ويحصى عليها كل تصرف وابتسامة وكلمة، ويفرض عليها حياة التقشف والمعاناة والحرمان العاطفي والاجتماعي.

لكن مع تقدم مستوى التعليم ونضج أفكار المجتمع أصبح يتم غالباً تجاهل القانون في كشمير الذي لا يسمح للمرأة بالتقدم لطلب الطلاق قبل مضي عدد معين من السنوات على إعلان وفاة زوجها المفقود، حيث تتجاهله العديد من الأسر.

ويقول صحافيون وناشطون إن التوصل إلى إثبات أن الشخص المفقود اصبح ميتا يحتاج إلى اجتهاد في الشريعة الإسلامية لكن علماء الدين لا يبدون اهتماماً بعذاب النساء «نصف الأرامل»، ولا يولون اهتماماً كبيراً للحقوق التي تستحقها هؤلاء النسوة.

يتزايد اليوم عدد النساء الكشميريات المنخرطات في مجالات الفنون، والأدب، والقانون، والصحافة، والإدارة، والمقاولات لكن مجال السياسة لا يجتذبهن لما تقوم به النزعة الانفصالية من دور حاسم في قضية كشمير، والعدد الهائل من الأشخاص الذين فقدوا حياتهم من أجل قضية الاستقلال عن الهند.

قرية بخاربورا

تعد قرية بخاربورا نموذجاً لكثير من القرى والبلدات الكشميرية التي تسمح التقاليد فيها للأهل ببيع ابنتهم وهي في سن صغيرة الى زوج ثري أو كبير في السن سواء من داخل الولاية او خارجها، واذا كانت أرملة او مطلقة فيشتريها عريس فقير يبدي تفهماً لظروفها الذاتية والعائلية والاجتماعية. وهذه هي الشابة سكينة (22 عاماً)، كانت قاصراً وفي سن المراهقة حينما باعتها أسرتها بـ1200 روبية (15 جنيهاً استرلينياً) إلى رجل غريب في الستين من عمره، وتقول «أصبت بالصدمة والذهول حينما رأيت ذلك العجوز ليلة العرس ولم يكن أمامي أي مخرج او فرصة او إمكانية للهرب، ولم يمد لي أحد يداً بالمساعدة».

وقد ارتحلت (سكينة) من قريتها كولكاتا الى بخاربورا لتعيش في بيت زوجها العجوز الذي يبعد بيته عن بيت أسرتها 1200 ميل. وتضيف «اكتشفت من الليلة الاولى انه غير قادر على الوفاء بحقوقي الشرعية وتلبية احتياجاتي، بل أصبح مقعداً وعاجزاً في العامين الأخيرين، وكل امرأة شابة لا تكف عن حلم يراودها بالزواج بمن تحب، لكن خوفها الكبير والدائم من احتمال تفريقها عن ولديها يمنعها من هجر زوجها».

وهناك العشرات من الفتيات والنساء الشابات اللواتي يتم بيعهن بما يراوح بين 500 و20 ألف روبية إلى رجال كشميريين. وتقول الطبيبة لبنى خان التي تقوم بزيارات للقرى البعيدة «سمعت حكايات تنفطر لها القلوب، ولابد من وقف فوري لظاهرة بيع الفتيات والنساء مهما كانت الدوافع».

وتقول شميمة (42 عاماً)، إنه حينما قتل زوجها الذي كان مقاتلاً في جيش ثوار كشمير في 2004 رمى أهله واقاربه بها الى الشارع وطردوها من بيت زوجها، كما عبرت عن رغبتها في الزواج بمن تحب، بحيث يكون قادراً على رعايتها ومساعدتها في الاعتناء بأمها الكفيفة وتربية أبنائها.

وبما أن ولاية جامو وكشمير عبارة عن واد بين سفوح جبلية يحلو لكثيرين وصف وادي كشمير بـ«وادي الأرامل والمطلقات »، حيت ترسخت هذه التسمية مع اشتداد حدة العنف في العقد الأخير الذي شهد زيادة في أعدادهن وتخلى عنهن الآباء والأمهات، لأن الثقافة السائدة أصبحت تعـــّرف الارملة أو المطلقة بأنها المرأة التي ترتكب الخطايا والأخطاء حتى تصبح السمة الغالبة في شخصيتها.

وتعتقد نيغهات شافي بانديت التي أسست هيئة لمساعدة الايتام ورعايتهم وهم في أحضان امهاتهم الأرامل والمطلقات، بأن الأمر يحتاج الى تدخل من القادة الدينيين للتأثير في الرجال الكشميريين وجعلهم أكثر تعاطفاً مع الأرامل والمطلقات، وتفهماً لظروفهن وتصحيح الأخطاء في المفاهيم الثقافية السائدة.

من جانبه، قرر مقبول واني، العامل اليدوي المتوسط العمر، شراء فتاة للتهرب من دفع المهر وبقية تكاليف الزواج. وقال إنه لا يشعر بأي حرج من قراره هذا، كما توصل والدا الفتاة غاوسيا القادمة من حيدر آباد في جنوب الهند الى فكرة بيع ابنتهما، باعتبارها أفضل من تحمل قيمة المهر الذي عادة ما تدفعه أسرة العروس.

ورغم مرور السنين فإن آلاف الأرامل والمطلقات في كشمير مازلن يشعرن بالمرارة والإحباط الشديدين من الأزواج المفقودين أو المقتولين، وذلك من الأهل بمن فيهم الوالدان لقبولهم فكرة بيع بناتهم طمعاً في منفعة مؤقتة تعقبها آلام عميقة ومعاناة تستمر سنوات.

تويتر