في كتابه الصادر حديثاً «غزة: تحقيق حول استشهادها»

فنكلستين يكشف تواطؤ منظـــــــمات دولية مع جرائم إسرائيل في القطاع

صورة

في كتابه الذي يحمل عنوان «غزة: تحقيق حول استشهادها»، قال الكاتب الأميركي نورمان فنكلستين: «موضوع غزة هو عبارة عن أكاذيب كبيرة مؤلفة بدورها من آلاف الأكاذيب الصغيرة المبهمة، والهدف من الكتاب هو دحض الأكاذيب الكبيرة عن طريق فضح كل واحدة من الأكاذيب الصغيرة».

ويركز الكتاب بصورة رئيسة على التحقيق في التقارير الرسمية لاعتداءات عدة قامت بها إسرائيل على غزة، مثل «الرصاص المصبوب» في عام 2008، 2009، وسفينة «مافي مرمرة» عام 2010، وعملية «الجرف الصامد» عام 2014. ويعزو فنكلستين كل هذه الاعتداءات ضد غزة، إلى نية إسرائيل للبرهان على أن قدرتها على الردع لاتزال قوية، على الرغم من هزيمتها من قبل «حزب الله» عام 2006.

وكانت عملية «الرصاص المصبوب» قد سبقها اعتداءات إسرائيلية أدت إلى تدمير البنية التحتية لغزة بصورة وحشية، مثل عملية «قوس قزح» عام 2004، و«أيام الصبر» عام 2004، وعملية «أمطار الصيف» و«سحابة الخريف» عام 2006، وعملية «الشتاء الساخن» عام 2008.

وبعد الانتخابات التي فازت بها حركة المقاومة الإسلامية «حماس» عام 2005، فرضت إسرائيل حصاراً على غزة، قال عنه المقرر الخاص للأمم المتحدة، جون دوغار، إنها المرة الأولى التي يخضع فيها شعب محتل إلى عقوبات، وإن ذلك كان انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العمومية للأمم المتحدة.

قتل بلا عقاب

في واقع الأمر فإن المجازر الإسرائيلية المريعة ليست هي الأولى من نوعها، ففي عام 1991 قامت الولايات المتحدة بقصف بغداد، ومن ثم فرضت عليها حصاراً نجم عنه وفاة نصف مليون طفل، ناهيك عما وقع في الفالوجة، التي تظهر أنه من السهل أن تمر أعمال القتل من دون معاقبة القاتل.


• خلص فنكلستين إلى أن كلاً من تحقيقات منظمة العفو الدولية، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لعملية «الجرف الصامد»، قد رفضت اتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، أو انتهاك ميثاق الأمم المتحدة، أو معاهدة جنيف.

لقد هاجمت إسرائيل سكاناً مدنيين خاضعين لها ودمرت اقتصادهم، وهاجمت إسرائيل غزة بأحدث الطائرات في العالم، التي قامت بـ3000 طلعة جوية فوق القطاع، وألقت نحو 1000 طن من المتفجرات. وأيد الكونغرس الأميركي بالإجماع هجوم إسرائيل على غزة، حيث كانت نتيجة التصويت 390 مقابل 5. وانضم كاتب صحيفة نيويورك تايمز، توماس فريدمان، إلى جوقة المطبلين لعملية «الرصاص المصبوب»، وأعرب عن أمله أن تقوم إسرائيل «بتلقين (حماس) درساً عن طريق قتل أكبر عدد من أفرادها، وإنزال أشد أنواع القتل والتنكيل بسكان غزة».

وفي خضم هذه العملية قالت وزيرة خارجية إسرائيل، تسيبي ليفني، إنه لا يوجد أزمة إنسانية في غزة. لكن مدير «الأونروا» في غزة وصف الوضع بالقول «ثمة كارثة تقع في غزة على سكانها المدنيين»، وكان من الواضح أن إسرائيل كانت تقوم بتدمير البنية التحتية المدنية لغزة، وقتلت 1400 من المدنيين من بينهم 350 طفلاً.

وأكد تقرير منظمة العفو الدولية و«تقرير غولدستون» أن الجنود الإسرائيليين، وليس «حماس»، هم من استخدموا دروعاً بشرية. وأشار تقرير غولدستون إلى أن معظم التدمير كان مقصوداً ومنهجياً من قبل الجيش الإسرائيلي. ولكن في الأول من ابريل عام 2011 تنصل غولدستون من «تقرير الأمم المتحدة حول جرائم إسرائيل» الذي يحمل اسمه، وقال إن إسرائيل لم ترتكب جرائم حرب، ولكن المحققين الثلاثة الآخرين الذين كانوا معه أصدروا بياناً أكدوا بما لا يدعو مجالاً للشك، ما جاء في التقرير الأصلي.

واستند غولدستون في موقفه إلى صورة التقطتها طائرة استطلاع إسرائيلية تفيد بأن 29 من أفراد عائلة السلاموني قد تعرضوا مرة واحدة لمجزرة على يد الإسرائيليين، الذين كانوا مدججين بالسلاح، مع أن تحقيقاً إسرائيلياً أفاد بأن المجزرة كانت «خطأ بسيطاً».

وقال مقرر الأمم المتحدة، جون داغارد، إنه ليست هناك حقائق جديدة تبرئ إسرائيل أو تجعل غولدستون يغير رأيه.

وكان إقدام إسرائيل على قتل تسعة من ركاب السفينة التركية «مافي مرمرة»، التي كانت جزءاً من قافلة مساعدات تهدف إلى كسر حصار غزة، قد تلاه الأسلوب الإسرائيلي نفسه، وهو قيام تل أبيب بتوجيه تهمة «الإرهابي» على كل ضحاياها. واستخدم الجنود الإسرائيليون الرصاص الحي عند صعودهم إلى السفينة.

وكانت عملية «الجرف الصامد» هي الأشد فتكاً من بين جميع اعتداءات إسرائيل على غزة، حيث قامت إسرائيل مرة أخرى بالتحريض، واستغلت الفرصة للهجوم، وقتلت قائداً عسكرياً لـ«حماس» يدعى أحمد الجابري، وكانت الخسائر التي نجمت عن هذا الاعتداء الإسرائيلي شاهدة بحد ذاتها، اذ إن «حماس» قتلت 73 اسرائيلياً 8% منهم مدنيون، في حين قتلت إسرائيل 2200 غزيّ 70% منهم مدنيون، وقتلت إسرائيل 556 طفلاً في حين قتلت «حماس» طفلاً واحداً، وكانت نسبة تدمير المنازل المدنية 18 ألف منزل دمرتها إسرائيل مقابل منزل واحد دمرته «حماس». ناهيك عن أن إسرائيل قامت مرة أخرى بتدمير البنية التحتية الحيوية، مخلفة قطاع غزة بلا كهرباء، أو ماء للشرب، أو رعاية صحية.

دراسة

وقام فنكلستين بدراسة تقارير التحقيقات الرئيسة، وخلص إلى أن كلاً من تحقيقات منظمة العفو الدولية ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لعملية «الجرف الصامد» قد رفضت اتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، أو انتهاك ميثاق الأمم المتحدة، أو معاهدة جنيف، واعتبرت هذه التقارير أن الغزيين ويهود إسرائيل تعرضوا للقدر ذاته من المعاناة. وانضم إلى عملية حجب الحقائق، وتلميع صورة إسرائيل كل من صندوق الطفولة التابع للأمم المتحدة «يونيسيف»، وكذلك رئيس تحرير مجلة لانسيت الطبية الدكتور ريتشارد هورتون، وجاك دو مايو، من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والرئيس السابق لمحكمة الجزاء الدولية لويس مورينو أوكامبو، بهدف كيل المديح حول احترام إسرائيل لحكم القانون. وادعت محكمة العدل الدولية التي، أعلنت سابقاً أن المستعمرات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية غير شرعية، على نحو مراوغ، أن عملية «الجرف الصامد» كانت معقدة للغاية، ومن هذا المنطلق يتساءل فنكلستين «أين يكمن التعقيد في هذه العملية؟ هل بقيام إسرائيل بإلقاء 100 قنبلة، كل منها تزن طناً واحداً، على حي الشجاعية، أو عندما أطلقت بصورة عشوائية 20 ألف قذيفة مدفعية على المناطق المدنية ذات الكثافة السكانية المرتفعة جداً؟».

وكانت هذه التحقيقات قد انحازت إلى جانب الادعاء الإسرائيلي، الذي يفيد بأنها استهدفت «الميليشيات فقط»، وهنا يعلق فنكلستين قائلاً «واستناداً إلى هذه المعايير الانتقائية للأدلة، فإن منظمة العفو الدولية لا تستطيع أن تكتشف أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب، إلا إذا اعترفت إسرائيل نفسها بذلك، وقبلت منظمة العفو الدولية التحقيق الإسرائيلي الداخلي، الذي خلص إلى أن الهجمات ضد غزة كانت منسجمة مع القانون الدولي، وحتى (يونيسيف) قبلت اعتذار إسرائيل المتعلق بقتل 18 شخصاً في مدرسة الاونروا في بلدة بيت حانون في غزة». وأضاف فنكلستين «إسرائيل لم تتخذ كل الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين، إلا أنها اتخذت كل الاحتياطات الممكنة لترتكب حمام دم في غزة». ويعرب فنكلستين في الكتاب عن غضبه جراء تبرئة إسرائيل من قبل شخصيات ومؤسسات اعتبارية.

تويتر