رغم الاعتقاد بأن المشكلة اقتصادية

إيران تعاني صراع المؤسسة الحاكمة مع نفسها

صورة

تطرح الاحتجاجات الشعبية في إيران العديد من التساؤلات، بشأن مصير الجمهورية الإسلامية التي تأسست منذ 40 عاماً. وكما هو واضح من الطريقة التي تم فيها استيعاب الموجة الأخيرة من الاحتجاجات، فإن هذه الاضطرابات الشعبية من المرجح أن تطيح بنظام رجال الدين في إيران. ويُقال أن هذه الاحتجاجات قامت نتيجة مشكلات اقتصادية وسياسية في هذه الدولة الإسلامية الشيعية. وقبل أن تتمكن من معالجة مشكلاتها الاقتصادية بصورة حقيقية، تحتاج إيران إلى حل مشكلة الحرب التي يشنها النظام على نفسه.

وفي الثامن من الشهر الجاري صادفت ذكرى مرور عام على وفاة أكثر رجال الدين نفوذاً في إيران، وهو الرئيس السابق آية الله علي أكبر هاشمي رفسنجاني. وعادة لا يهتم موقع «جيوبوليتال فيوتشر» بالقادة السياسيين كأفراد، لأن أهميتهم تأتي من تأثيرهم الجيوسياسي. ولكن في حالة رفسنجاني، كان ثمة تطور غريب، فقد ذكرت تقارير إخبارية أن الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني، أمر بإعادة التحقيق في وفاة رفسنجاني. وكان التفسير لوفاة رفسنجاني وهو من مؤسسي الجمهورية الإسلامية، إنه أصيب بسكتة قلبية، ولكن التقارير ذكرت في الأسابيع الأخيرة أن بعض أفراد أسرة رفسنجاني يقولون، إن جثة والدهم كانت تحوي كمية غير عادية من الإشعاع.

والغريب، أن هذا التحقيق في وفاة رفسنجاني يأتي في وقت تحاول فيه المؤسسة السياسية في إيران، تجاوز حالة من الاحتجاجات والاضطرابات. وترمز هذه القصة إلى الصراع داخل النظام الديني في إيران، الذي تفاقم خلال العقد الماضي. وتدهورت الخلافات الداخلية نتيجة الاحتجاجات الشعبية. وفي الوقت الذي حاول فيه خصوم روحاني الاستفادة من الاضطرابات بهدف إضعافه، يبدو أن فريقه يحاول استغلال وفاة رفسنجاني كتحرك معاكس، إضافة إلى أمور أخرى تسير في الاتجاه ذاته.

الثورة الخضراء

أجبرت الانتفاضة المعروفة باسم الحركة الخضراء التي جاءت إثر انتخابات مثيرة للجدل عام 2009، آية الله علي أكبر هاشمي رفسنجاني، على العودة لإيجاد توازن بين معسكري الليبراليين والمحافظين. ولكن تلك المحاولة نجم عنها استعداء الكثيرين من المحافظين، وعلى الرغم من المناصب التي يشغلها رفسنجاني في مجلس تشخيص النظام وجمعية الخبراء، إلا أن نفوذه بدأ بالاضمحلال. وكان إنجازه المهم الأخير هو دعم تلميذه في انتخابات عام 2013 الرئيس حسن روحاني، زعيم الأمر الواقع للمحافظين البراغماتيين وحلفائهم الإصلاحيين.


• باتت المؤسسة السياسية الإيرانية تخسر تماسكها، خصوصاً منذ ظهور تصدعات بين المحافظين، خلال رئاسة أحمدي نجاد في الفترة ما بين 2005 و2013.

• أصبح الحرس القديم سلالة منقرضة، كما أن حلفاءهم يفتقرون للقدرة على معالجة مشكلات الحكم، الأمر الذي مكن روحاني من المضي بحزم في الإصلاحات الاقتصادية.

وعلى الرغم من أن كثيرين يرون في رفسنجاني رمزاً لفساد النخبة السياسية، إلا أن آخرين يرونه رمزاً للاعتدال السياسي. وترك هذا الرجل الذي توفي وعمره 82 عاماً، علامة لا تمحى على النظام السياسي في إيران، وكان رفسنجاني مقرباً من آية الله الخميني، الذي قاد الانتفاضة ضد نظام الشاه. وبعد انتصار الثورة ضد الشاه تقلد رفسنجاني العديد من المواقع الحيوية في النظام.

فقد عينه الخميني في مجلس الثورة الإسلامية، حيث بقي في الفترة ما بين 1979 و1980 في مرحلة تحوّل الدولة من الملكية إلى الجمهورية الإسلامية. وخلال تلك الفترة عمل رفسنجاني وزير داخلية مؤقتاً. وفي عام 1980 تم انتخابه رئيساً للبرلمان، حيث بقي في هذا المنصب لمدة تسع سنوات. وعندما توفي الخميني لعب رفسنجاني دوراً أساسياً في خلافة آية الله علي خامنئي له كقائد أعلى للثورة الإيرانية. وفي الفترة ما بين 1989 و1997 عمل رفسنجاني رئيساً للجمهورية الإسلامية لفترتين متعاقبتين.

وفي عام 1989، تقلد منصب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي تم تشكيله كوسيط بين البرلمان ومجلس الثورة (ويتألف من 12رجل دين للإشراف، والتشريع، وتزكية المرشحين على المناصب العامة)، إضافة إلى ذلك فقد عمل منذ عام 1983 حتى وفاته عضواً في جمعية الخبراء المنتخبة، وهي هيئة مؤلفة من 86 رجل دين مسؤولين عن انتخاب القائد الأعلى للثورة، كما أنهم يستطيعون إقالته عند الضرورة. وفي الفترة ما بين 2007 و2011 عمل رئيساً لهذه الجمعية.

ويعرف عن رفسنجاني بأنه الأب الروحي للمعسكر البراغماتي المحافظ ضمن المؤسسة السياسية في طهران، ولهذا فقد كان لديه قدم في معسكر مؤسسة رجال الدين المتشددين، وأخرى في معسكر الإصلاحيين، الذي بدأ بالظهور منذ تسلم خليفة رفسنجاني في رئاسة الجمهورية محمد خاتمي.

ونظراً لإدراكه العميق للمزاج العام، إضافة إلى قوة المتشددين الذين سيطروا على الجمهورية الإسلامية، عمد رفسنجاني إلى إحداث توازن بين المعسكرين. وبدأت قوة رفسنجاني بالتلاشي بعد خسارته إعادة انتخابه أمام الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد عام 2005. وبعد مرور أربع سنوات أصبح رفسنجاني من مؤيدي الإصلاحيين، الذين كان أداؤهم سيئاً في الانتخابات، الأمر الذي نجم عنه خسارة مرشحهم رئيس الحكومة السابق مير حسين موسوي لمصلحة أحمدي نجاد.

ومن المهم ملاحظة أن هذه التصنيفات؛ مثل المحافظين البراغماتيين، والمحافظين المتشددين، والإصلاحيين، لم تعد كتلاً متماسكة، وإنما تمثل ائتلافات عريضة تحوي العديد من الفرق. وباتت المؤسسة السياسية الإيرانية تخسر تماسكها، خصوصاً منذ ظهور تصدعات في المحافظين خلال رئاسة أحمدي نجاد في الفترة ما بين 2005 و2013. وبعبارة أخرى، أخذ النظام يقترب من حائط مسدود، هذا إذا لم يكن قد وصله فعلاً، حيث إنه لم يعد بمقدوره توقع استمرارية الاستقرار الاجتماعي دون أن يخضع لإصلاحات سياسية واقتصادية جوهرية.

نهاية مسيرة

ويبدو القائد الأعلى للثورة الإيرانية، 78 عاماً، قد وصل إلى نهاية مسيرة حياته السياسية، ولم يتقلد هذا المنصب خلال عمر الجمهورية الإسلامية سوى شخصين هما الخميني وخامنئي، كما أن معظم مؤسسي الجمهورية قد توفوا الآن، ولم يبقَ من الشخصيات المهمة منهم سوى خامنئي، وروحاني، إضافة إلى آية الله أحمد جناتي، البالغ عمره 90 عاماً. ومع اقتران هذا التمزق السياسي بعجز الدولة عن تأمين حاجات السكان من الشبان الذين يتزايد تعدادهم بسرعة، إضافة إلى المكونات الدينية للنظام الهجين والسلطات الكبيرة التي يسيطر عليها حرس الثورة الإيراني، فإن تعقيد الأزمة التي تعيشها إيران قد تسارع.

سلالة منقرضة

وأصبح الحرس القديم سلالة منقرضة، كما أن حلفاءهم يفتقرون للقدرة على معالجة مشكلات الحكم، الأمر الذي مكن روحاني من المضي بحزم في إجراء الإصلاحات الاقتصادية. وخلال الأسبوع الجاري انتقد المنظمات الدينية لأنها لا تدفع الضرائب. وفي التاسع من يناير أصدر تصريحات أكثر عمقاً نشرت على موقع الرئاسة، قال فيها «المشكلة التي نعانيها اليوم هي الفجوة الكبيرة بين المسؤولين الحكوميين والأجيال الشابة، لقد باتت أساليبنا في التفكير مختلفة عن أساليبهم في التفكير. كما أن وجهات نظرهم عن العالم والحياة مختلفة عن وجهات نظرنا، ونحن نريد لجيل الأطفال العيش كما عشنا نحن، ولكننا لا نستطيع أن نفرض ذلك عليهم».

ويتفهم روحاني وحلفاؤه أن المشكلات ليست اقتصادية، وإنما سياسية، ولا يأتي التهديد الوجودي لإيران من المحتجين، وإنما من الخلاف ضمن النظام على كيفية حكم دولة يعيش فيها 80 مليون نسمة. والتناقض الذي يصيب النظام السياسي يهدد الاستقرار على المدى البعيد، وتراكمت المشكلات السياسية في إيران في الوقت الذي كانت فيه تتمنى تعزيز المكتسبات الجيوسياسية التي حققتها خلال سنوات عدة، خلال الانهيار الذي يصيب العالم العربي.

تويتر