أطلقت «الجزيرة» لخدمة أهدافها

قطر تهدِّد أمن المنطقة باستخــدام عائدات النفط والغاز

صورة

خيبت الدوحة آمال جيرانها، برفض المطالب الـ13، التي قدمت إليها، الأسبوع الماضي، واعتبرتها غير قابلة للتنفيذ. الأمر الذي جعل البلدان الأربعة، تفكر في فرض عقوبات جديدة على الإمارة المتمردة. ورأت العواصم العربية المعنية أن هذا الرفض يعني الاستمرار في سياسة زعزعة استقرار المنطقة. وفي منطقة لم تكن بحاجة إلى حزمة جديدة من التوترات، وصلت الأزمة بين الحكومة القطرية وجيرانها الخليجيين إلى مستوى جديد، الأربعاء الماضي. فقد أدان لقاء القاهرة، الذي ضم وزراء خارجية السعودية والإمارات ومصر والبحرين موقف الدوحة «السلبي»، وتوعد الإمارة بمزيد من الإجراءات الحازمة.

عائدات الغاز الهائلة ساعدت الدوحة على استثمار ما لا يقل عن 150 مليون دولار، خلال عام، في قناة الجزيرة.

السعودية أعلنت عن نيتها إنشاء قناة رياضية مجانية لمنافسة القناة القطرية، لتحطيم إمبراطوريتها الإعلامية.

بدأت الأزمة منذ أكثر من شهر، بقطع ثلاث دول خليجية ومصر علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وغلق كل الخطوط البرية والبحرية والجوية، متهمة حكومة دوحة بدعم الإرهاب. كما أغلقت الحدود مع السعودية، التي تعتبر المنفذ البري الوحيد. ومنذ 5 يونيو الماضي، تخضع قطر بالتالي لعزلة مشددة، تحاول تجاوزها جزئياً، بمساعدة من إيران وتركيا.

وقد أرسلت الرياض وحلفاؤها إنذاراً أخيراً إلى الدوحة، مع قائمة من 13 مطلباً، تضمنت إغلاق قناة الجزيرة، والقاعدة العسكرية التركية، وخفض العلاقات القطرية مع إيران. وبرفض هذه المطالب، توصل الوزراء في القاهرة إلى أن ذلك يعكس «عدم فهم لخطورة الوضع» من قبل القادة القطريين.

من جهته، قال وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، الأربعاء في لندن، إن بلاده ستواصل «الدعوة إلى الحوار». وعزا الأزمة الراهنة إلى الخلافات السياسية مع الدول الأربع على الإصلاحات في أنظمة عبر المنطقة، برزت بعد ذلك خلافات منذ أحداث ما يسمى «الربيع العربي» عام 2011، ودور المحرض الذي لعبته قناة الجزيرة.

الأزمة خطيرة، لأنها تضيف التوتر إلى عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وتزعزع استقرار مجلس التعاون الخليجي، المنظمة السياسية الإقليمية والاقتصادية الوحيدة المستقرة والباقية، التي تضم في عضويتها ستة بلدان بما في ذلك قطر. وقد حاولت الكويت، وهي عضو في فريق الوساطة، التوصل إلى تسوية للأزمة، إلا أنها لم تنجح حتى الآن، إذ تجددت التوترات في سياق سعي إيران لبسط نفوذها في المنطقة.

وفي غضون ذلك، يزداد التحرك الدبلوماسي لواشنطن، حيال هذه الأزمة غير المسبوقة، وهذا ليس غريباً. فقد تفجرت الأزمة بعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسعودية، حيث أعلن الأخير معارضته للسياسة الإيرانية في المنطقة، واعتراضه على الدور القطري في دعم الإرهاب، بدلاً من تجفيف منابعه. علماً بأن قطر هي حليف، أيضاً، للولايات المتحدة، التي أقامت فيها القيادة العسكرية الإقليمية المتمثلة في القيادة الأميركية الوسطى، وقاعدة تضم نحو 10 آلاف رجل.

تسليط الضوء

بدأ الصدام بين الدوحة والرياض منذ سنوات، من خلال وسائل الإعلام، حيث أطلقت قطر في نوفمبر 1996، قناة الجزيرة، أول قناة إخبارية عربية، تبث على مدار الساعة، والتي ولدت من رغبة حاكم قطر آنذاك الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والهدف هو تسليط الضوء على الإمارة الصغيرة. ومع كميات الغاز الهائلة وعائدات النفط، استثمرت الدوحة ما لا يقل عن 150 مليون دولار منذ السنة الأولى في مشروعها الإعلامي المثير للجدل. وخلال الحرب على العراق، كانت القناة تبث رسائل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، لتصبح الجزيرة موضع اتهام في نظر واشنطن، التي ترى في القناة متحدثاً باسم الجماعات المتطرفة.

وفي عام 2006، أطلقت قناة الجزيرة نسختها الإنجليزية، على أمل منافسة شبكة «سي إن إن»، و«بي بي سي». وبعد سنوات من البث، لم تحقق النسخة الجديدة أهدافها في ما يخص المشاهدة والنفوذ. وكان يتعين انتظار ما سمي «الربيع العربي»، والفوضى التي عمت المنطقة في 2011، حتى تتخلص القناة من الخمول وتصل إلى جمهور عالمي. لدرجة أن وزيرة الخارجية الأميركية، في ذلك الوقت، هيلاري كلينتون، أقرت أمام مجلس الشيوخ بنوعية المعلومات المقدمة من قبل القناة، وإن كانت قد أقرت بخطورتها كذلك، وبتغطيتها الموجهة ضد أميركا وحلفائها في المنطقة، لقد استغلت القناة الفوضى للوصول إلى أهدافها العالمية.

معارضة متنوعة

خلال هذه الفترة، فتحت القناة القطرية الباب على مصراعيه لمعارضة متنوعة جداً، بما في ذلك جماعة «الإخوان المسلمين»، التي وصلت إلى السلطة عام 2012 في مصر، بعد انتخاب محمد مرسي. وهذه هي واحدة من نقاط الخلاف مع السعودية وحلفائها، الذين يرون في التنظيم خطراً على المنطقة، ويعتبرونه إرهابياً. وفي محاولة لمواجهة هذه الهيمنة القطرية على الفضاء الإعلامي، أطلقت الرياض عام 2003 قناة العربية؛ ومقرها دبي، إذ بلغ رأسمالها في البداية أكثر من 300 مليون دولار، يعود معظمه لرجل الأعمال السعودي وليد آل إبراهيم.

وتنافس الجزيرة من أجل السيطرة على «القوة الناعمة» في المنطقة؛ وتركز على الحرب في سورية، والوضع السياسي في مصر، والعلاقات مع إيران، وغيرها من القضايا الإقليمية الحساسة، دون مراعاة لمصالح شقيقاتها في دول مجلس التعاون.

ومنذ قطع العلاقات الدبلوماسية، يوم 5 يونيو الماضي، أغلقت السعودية مكاتب القناة المثيرة للجدل على أراضيها. ولم تعد شبكة «بي إن سبورت» الرياضية متوافرة في الإمارات. ويقول المتخصص في شؤون شبه الجزيرة العربية، إيف غونزاليس كيخانو: «هذه النقطة لم تنل حظها من الاهتمام، لكن السعودية أعلنت عن نيتها إنشاء قناة رياضية مجانية، لمنافسة القناة القطرية، وهذا يضر بشكل واضح بقطر، ويحطم إمبراطوريتها الإعلامية».

وفي حين أن قطر رفضت المطالب الخليجية، يعتقد كيخانو أن الدوحة ليست لها مصلحة في إغلاق الجزيرة، موضحاً: «الإمارة الصغيرة لديها كنز بفضل عائدات النفط، ولن تتحرك القيادة القطرية طالما لم يحدث هناك انقلاب أو تدخل عسكري».

خسارة فادحة

وفي سياق متصل، يمكن للأزمة الدبلوماسية بين قطر ودول الخليج المجاورة أن تكلف خسارة بالمليارات من الدولارات، في مجال التجارة والاستثمار وزيادة تكاليف الاقتراض، في مواجهة تراجع أسعار النفط والغاز. ومن المرجح أن تعاني بعض قطاعات الاقتصاد القطري، في حال استمرت الأزمة مدة طويلة، وهو احتمال تسبب في انخفاض حاد ببورصة الدوحة، هو الأكبر منذ نهاية عام 2009. كما تواجه شركة الخطوط الجوية القطرية، التي تسعى لتحويل الإمارة إلى وجهة سياحية، مخاطر الخسارة أو الإفلاس، بسبب منع طائراتها استخدام عدد من أهم المطارات في منطقة الشرق الأوسط.

واقترضت قطر محلياً وخارجياً، لتمويل خطة التنمية العملاقة (200 مليار دولار)، والتي تهدف لمواكبة حدث رياضي مهم، يتمثل في استضافة كأس العالم لكرة القدم في عام2022. ومع زيادة كلفة الاقتراض، بسبب نسب الفوائد العالية، تواجه الإمارة الصغيرة خطر تباطؤ بعض المشروعات الاستراتيجية أو توقفها.

تويتر