ليس بإمكانها مواجهة فترة طويلة من العزلة الاقتصادية أو السياسية

قطر أمام مفترق طرق وخيارات محدودة

صورة

قطعت دول عربية عدة علاقاتها مع قطر، قبل أيام، وأشارت إلى أن الأخيرة تقدم دعماً واسعاً للجماعات المتطرفة، وتقيم علاقات وطيدة مع إيران. وفي ظل هذا الحظر غير المسبوق، يتساءل مراقبون: ما الذي يمكن أن تفعله الدوحة بعد ذلك؟ في وقت مبكر، تباطأ المسؤولون القطريون في الاعتراف بشدة مأزقهم، والآن يكتشفون أن بلادهم أمام خيارات استراتيجية قليلة للحد من عزلة تزداد عمقاً.

 

خياران أمام قطر

مع أن صيغة المنتج الدبلوماسي لحل هذه الأزمة غير المسبوقة، مهمة، إلا أن من المهم أيضاً أن تتخذ دولة إقليمية مبادرة وتلعب دور القيادة، الذي عادة ما تقوم به الولايات المتحدة.

وطالما أن هذا الترتيب لا يؤثر في النشاط العسكري الأميركي بالشرق الأوسط، فليس هناك مشكلة في إيجاد حلول إقليمية للمشكلات. في الواقع ينبغي لإدارة ترامب الترحيب بها.

ويقول المحللون إن عزلة قطر، ودعم ترامب لها، يتركان الأمير تميم بن حمد آل ثاني، البالغ من العمر 37 عاماً، أمام خيارين فقط: إما تلبية مطالب السعودية، أو التحول نحو طهران.

ويضيف هؤلاء أن الأمر لا يتعلق بوجود أصدقاء لقطر، بقدر ما يتعلق بأصدقاء يمكنهم معارضة السعودية. وبعد تدخل ترامب الأخير، لم يبقَ إلا طهران التي تبدو أنها مستعدة لدعم قطر.


- بعد أن قطعت الدول المجاورة الثلاث (السعودية والإمارات والبحرين) علاقاتها وأغلقت حدودها، سيكون مكلفاً جداً ومرهقاً إيجاد بديل عن الدول الثلاث.. فالشحن من إيران، والشحن الجوي من تركيا، ودول أخرى، هو في الواقع أغلى بكثير، وليس حلاً مستداماً وصالحاً لفترة طويلة. وفي الواقع أن بعض محال السوبرماركت القطرية بدأ يفرغ بالفعل من الغذاء.

- أي دفع كبير في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إيران، يمكن أن يؤدي إلى ضغوط أميركية، الأمر الذي يريد القطريون تجنبه، خصوصاً الآن، إذ إنهم أكثر عزلة من ذي قبل.

ليس بوسع الدولة الخليجية الغنية مواجهة فترة طويلة من العزلة الاقتصادية أو السياسية، وبما أن النفط والغاز الطبيعي يمثلان أكثر من 60% من ناتجها الإجمالي، فإن انقطاعاً جزئياً في تصدير الطاقة يمكن أن تكون له آثار سلبية للغاية في الرخاء الوطني، وكذلك في حكم آل ثاني للبلاد. كما أن فكرة «الاقتصاد المقاوم»، التي تقوم على الاكتفاء الذاتي والتقشف، لا تقدم بديلاً صالحاً لبلد يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي فيه نحو 80 ألف دولار، وهو الأعلى في العالم العربي.

والتوافق طويل الأمد مع إيران ليس خياراً قابلاً للتطبيق في قطر. وبينما قد تتقاسم الدوحة موارد الطاقة وتوطد العلاقات السياسية والاقتصادية مع طهران، فإن الإمارة الصغيرة ترتبط ارتباطاً جغرافياً وثقافياً وتجارياً مع مجلس التعاون الخليجي، الذي يعتبر إيران منافساً إقليمياً وعدواً أيديولوجياً. وقد شنت طهران حملة تخريب هادئة ومنسقة ضد دول الخليج في السنوات الأخيرة.

ومع ذلك، لا يمكن للولايات المتحدة الاستغناء عن قطر نظراً إلى أهميتها، وقد برزت الدولة الصغيرة منذ التسعينات عنصراً رئيساً في الاستراتيجية العسكرية الأميركية بالشرق الأوسط. وهي تستضيف حالياً أكثر من 10 آلاف جندي أميركي في قاعدة العديد، وتعمل كمركز لوجستي رئيس للحملة الجوية ضد تنظيم «داعش» الإرهابي في العراق وسورية.

لكن كما لاحظ الجنرال، تشاك ويلد، توجد خيارات بديلة قابلة للحياة بالنسبة للولايات المتحدة في المنطقة، مع دول حريصة على توسيع دورها حيال الوجود العسكري الأميركي هناك. وهذا ما يجعل اعتماد واشنطن الاستراتيجي الحالي على قطر أقل مما كان يعتقد المسؤولون في الدوحة لفترة طويلة.

والسؤال، بعبارة أخرى، ليس ما إذا كانت قطر سترضخ للضغط الإقليمي أم لا، لكن السؤال هو: متى ستفعل ذلك وكيف؟ من جانبها، ينبغي على دول الخليج وحلفائها (بما في ذلك الولايات المتحدة) أن تفكر بجدية في الخطوات الملموسة التي ينبغي أن تتخذها الدوحة قبل تهدئة الأزمة الراهنة، وما الذي يعنيه حقاً الإجابة بـ«نعم» عن المطالبات الإقليمية.

ترحيل السياسيين

هل هناك حل دبلوماسي في الأفق؟ من المرجح أن تضطر قطر إلى ترحيل المزيد من السياسيين من جماعة الإخوان المسلمين وحركة «حماس»، الذين يقيمون في الدوحة. وقد تطرأ تغييرات على محتوى قناة الجزيرة، وهذا يعني أن وجهات النظر المعادية للسعودية، والمؤيدة للحركات الإسلامية لن يتم بثها.

ومع ذلك، يرى مراقبون أنه من غير المرجح أن تستمر «الأزمة الدبلوماسية» الحالية بين قطر والسعودية طالما أن كلا الجانبين يحتاجان إلى بعضهما بعضاً، خصوصاً القطريين. وقد تركت هذه العزلة الدوحة أمام خيارات قليلة على المدى الطويل.

على المدى القصير، يمكن أن تتحول قطر إلى إيران لتوفير بعض احتياجاتها الاقتصادية المباشرة مثل الواردات الغذائية. كما يمكن أن تتحول إلى تركيا من أجل توفير غطاء دبلوماسي واقتصادي، خصوصاً عندما يتعلق الأمر باستيراد الأغذية وغيرها من الضروريات الأساسية.

لكن على المدى البعيد، لن تتمكن هاتان الدولتان من تعويض السعودية وجيران قطر المباشرين لتلبية الاحتياجات الفورية للبلاد.

قطر دولة صحراوية قاحلة تستورد أكثر من 90% من غذائها. ويتم استيراد معظم طعامها براً، عبر حدودها مع السعودية.

والآن بعد أن قطعت الدول المجاورة الثلاث (السعودية والإمارات والبحرين) علاقاتها وأغلقت حدودها، سيكون مكلفاً جداً ومرهقاً إيجاد بديل عن الدول الثلاث، فالشحن من إيران والشحن الجوي من تركيا ودول أخرى، هو في الواقع أغلى بكثير، وليس حلاً مستداماً وصالحاً لفترة طويلة. وفي الواقع بدأ بعض محال السوبرماركت القطرية يفرغ بالفعل من الغذاء.

مسلك محفوف بالمخاطر

وعلاوة على ذلك، فإن علاقات قطر الدبلوماسية مع إيران تحسنت بشكل ملحوظ، وهو رد فعل عنيف، لكنه مسلك محفوف بالمخاطر. كما أن هذه الخطوة يمكن أن تعرّض علاقات الدوحة مع الولايات المتحدة للخطر. وتستضيف قطر 11 ألف جندي في مقر قيادة القيادة المركزية الأميركية وقاعدة العديد، التي يستخدمها الجيش الأميركي بعملياته في سورية وأفغانستان، بالإضافة إلى تجارة كبيرة ومليارات الدولارات بين البلدين. إن أي دفع كبير في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إيران يمكن أن يؤدي إلى ضغوط أميركية، الأمر الذي يريد القطريون تجنبه، خصوصاً الآن، إذ إنهم أكثر عزلة من ذي قبل.

الإدارة الأميركية الحالية لا تريد، على الأرجح، أن تستمر هذه الأزمة لفترة طويلة، إذ ترغب إدارة دونالد ترامب، في بناء إدارة مناهضة لإيران في المنطقة. إن الانقسام الحالي بين قطر وجيرانها المباشرين، الذين هم أعضاء في مجلس التعاون الخليجي، يعطي دفعة معنوية قوية لإيران.

ترغب واشنطن بشدة في إضعاف إيران، من أجل الحد من نفوذها في سورية واليمن والعراق، لذلك من المرجح أن تبدأ الولايات المتحدة، عاجلاً أو آجلاً، ربما في وقت أقرب مما هو متوقع، في العمل كحلقة وصل بين السعوديين والقطريين، من أجل تصحيح الأمور، ووقف إيران من التمتع بفوائد الانقسام الحالي. كما يمكن أن ينتهي بها المطاف إلى الضغط على الطرفين، خصوصاً القطريين، لإيجاد حل وبسرعة.

لذلك في المستقبل القريب نتوقع أن تستمر الأزمة وان تزداد الأمور، لكن ليس لفترة طويلة. فكلا الجانبين يحتاجان إلى بعضهما بعضاً، ولا أحد يريد حقاً نزاعاً آخر في الشرق الأوسط.

تويتر