سكانها الأصليون يتوافدون إليها في مسيرات العودة ليورثوا حق العودة إلى أحفادهم

القرى المهجّرة.. حكايات اللاجئيـــن الحية بعد 69 عاماً من النكبة

صورة

لم يتمالك الثمانيني، حمد محمد جودي، نفسه أثناء دخوله إلى قريته المهجّرة لوبية، فترك الجميع، وراح يتجول بين أحراشها، ليشتمّ رائحة الأطلال، مستذكراً تلك اللحظة من طفولته عندما دخلت القوات الإسرائيلية إلى فلسطين واحتلت قراها.

مسيرات

على الرغم من مرور ما يقارب سبعة عقود من الزمن على تهجير القرى الفلسطينية، إلا أن الأجيال السابقة من المهجرين مازالت تتمسك بحق العودة، رغماً عن الاحتلال الذي يستوطنها ويمنع سكانها من الرجوع إليها، حيث ينظمون المسيرات الجماهيرية إلى قراهم المهجرة، ويحاولون تعريف أبنائهم وأحفادهم بديارهم المسلوبة، في انتظار العودة يوماً إليها.

ميعار

ميعار موقع أثري يعود تاريخه إلى العهد الكنعاني، ويحتوي على نحت في الصخور، وأثار مبانٍ قديمة، وقطع أعمدة، ومعاصر زيتون وصهاريج، وكان يقع قرب القرية مواقع أثرية أخرى، كخربة رأس الزيتون شمالاً، وخربة الجميجمة على طريق بلدة سخنين.

لوبية، الواقعة في مدينة طبرية المحتلة، واحدة من 500 قرية أزالتها إسرائيل، وهُجّر سكانها الأصليون عام 1948، ليصبح التشرد السمة السائدة لأهاليها اللاجئين داخل وطنهم وفي الشتات.

وعلى الرغم من مرور ما يقارب سبعة عقود من الزمن على تهجير القرى الفلسطينية، إلا أن الأجيال السابقة من المهجرين مازالت تتمسك بحق العودة، رغماً عن الاحتلال الذي يستوطنها ويمنع سكانها من الرجوع إليها، حيث ينظمون المسيرات الجماهيرية إلى قراهم المهجرة، ويحاولون تعريف أبنائهم وأحفادهم بديارهم المسلوبة، في انتظار العودة يوماً إليها.

ففي مساء بارد من كل عام، يُحيي أبناء وبنات القرى المهجرة ذكرى سقوط قراهم، ذكرى دموع لم تجف بعد، فالحنين يضيء سماء القرية، ومسيرة مشاعل تنير درب النجوم، ليرفعوا الأعلام والرايات التي تؤكد تمسكهم بحق العودة إلى ديارهم.

مسيرة العودة

في قرية لوبية المهجرة، شارك نحو 10 آلاف من سكانها الأصليين في مسيرة العودة، إحياء للذكرى الـ69 للنكبة، تحت شعار «يوم استقلالكم يوم نكبتنا»، في إشارة إلى ذكرى قيام دولة إسرائيل عام 1948، الذي تحتفل به الدولة العبرية على أنه يوم استقلالها، في حين يعتبره الفلسطينيون عام النكبة التي تسببت في لجوء مئات الآلاف منهم إلى دول عربية مجاورة.

وأحضر الحاج حمد جودي كل أحفاده من كلا الجنسين، الذين راحوا يلهون بين الأشجار وفوق أنقاض المنازل التي مازالت شاهدة على مأساة التشريد.

ويقول الحاج جودي لـ«الإمارات اليوم» بينما كان يقف بجانب البئر التي عاصرها قبل التهجير: «إن أحفادي هم حلقة وصل بيني وبين قريتي الأصلية، فعندما أصبحوا يدركون ما يدور حولهم بدأت أسرد لهم حكاية أرضنا، وذكريات الآباء والأجداد، ووصفت لهم جمال قريتنا، وعاداتها الخاصة بها، واليوم اصطحبتهم إليها ليشاهدوا ما أخبرتهم به على أرض الواقع».

ويضيف: «أخبرت أحفادي بحقيقة ما تعرضنا له في النكبة، وأننا خرجنا من قرانا على أمل العودة إليها بعد شهور قليلة، وذلك ليبقى حق العودة مزروعاً في نفوسهم، على أمل أن نرجع إلى قريتنا يوماً ما».

ميعار ومفتاح الدار

وبالانتقال إلى شمال فلسطين، وتحديداً في منطقة الجليل، تتوسط مدينة ميعار المهجرة منطقة سهلية تبعد عن مدينة عكا المحتلة 17 كيلومتراً، حيث تزهر بجمالها وآثارها الباقية إلى يومنا هذا، على الرغم من توالي الأحداث على امتداد التاريخ.

الحاجة أم رأفت السكاكيني، التي تعيش مأساة اللجوء بمخيم العين للاجئين في مدينة نابلس، تمكنت من الوصول إلى مسقط رأسها في قرية ميعار التي لدت فيها عام 1930، فعلى الرغم من تقدمها في السن، وعدم مقدرتها على السير، إلا أنها أصرت على المشاركة من على كرسيها المتحرك في مسيرة العودة، برفقة أبنائها الذين تتجاوز أعمارهم سن الـ50، وأحفادها من كلا الجنسين.

وحملت الحاجة أم رأفت بيدها، خلال مشاركتها في مسيرة العودة، مفتاح بيتها الذي مازالت تحتفظ به، على أمل أن تعود يوماً إلى ديارها.

وتقول الحاجة الثمانينية، بينما يلتف من حولها أبنائها وأحفادها: «مازلت أحتفظ بمفتاح بيت أبي الذي ورثه عن جدي، وسيأتي اليوم الذي نعود فيه إلى ميعار وكل أرض طردنا منها، وإن وافتنا المنية ولم يتحقق حلمي، فسيرث المفتاح أبنائي وأحفادي من بعدي، وأنا على يقين أنهم سيكملون مشوار الحلم والتمسك بحق العودة».

وجالت أم رأفت وعائلتها بلدتها المهجرة التي تحولت منازلها إلى أنقاض متناثرة هنا وهناك، فيما نقلت للأجيال المتعاقبة من عائلتها معلومات وحقائق حول تاريخ القرية، وذكرياتها داخل ميعار.

وتصف جمال قريتها كفنان يرسم أجمل الصور، حيث تقول «إن ميعار موقع أثري يعود تاريخه إلى العهد الكنعاني، ويحتوي على نحت في الصخور، وآثار مبانٍ قديمة، وقطع أعمدة، ومعاصر زيتون وصهاريج، وكان يقع قرب القرية مواقع أثرية أخرى، كخربة رأس الزيتون شمالاً، وخربة الجميجمة على طريق بلدة سخنين».

وذكرت أم رأفت أن قوات إسرائيلية من اللواء السابع (شيبع) احتلت قرية ميعار في الفترة الممتدة من 14 إلى 20 يونيو 1948، ضمن العملية العسكرية المعروفة باسم «ديكل»، التي تعني بالعربية «النخل»، وقد اضطر أهالي القرية إلى النزوح عنها بسبب قصف مدفعي، وإطلاق نار كثيف تزامن مع اقتراب القوات المحتلة باتجاه القرية.

وأقامت إسرائيل مستوطنات عدة على أراضي ميعار، منها مستعمرة «عتصمون» شرق القرية، ومستوطنة «ياعد» في الجهة الشمالية الشرقية.

الصغار لن ينسوا

من جانبه، يقول نزار السكاكيني ابن الحاجة أم رأفت: «مرّ عام آخر على الجرح المفتوح الذي مازال ينزف إلى يومنا هذا، لكننا لن نتنازل عن حقنا بالعودة، فاليوم نزور ميعار مصطحبين الأبناء، لنؤكد أنه حتى بعد موت الكبار لن ينسى الصغار وطنهم، وهم الذين سيكملون المشوار حتى العودة إلى قرانا الأصلية، فكلنا متمسكون بحق لا يسقط مهما طال الزمن وتقادم».

ويضيف «لقد أتيت برفقة أمي وشقيقاتي وأبنائنا، وقرأنا الفاتحة على أرواح من قضوا نحبهم على أرض ميعار يوم النكبة، وسردت لنا الوالدة ذكرياتها في ميعار، وحكايات تاريخية حول موروثنا الثقافي والحضاري، حتي يبقى حاضراً إلى الأبد».

ومن بين القرى التي حظيت بزيارة سكانها الأصليين، قرية الكابري الواقعة شمال شرق الجليل الفلسطيني، فقد توافدوا من مختلف البلدات التي نزحوا إليها في المثلث، والساحل والنقب، للمشاركة في مسيرات العودة، رافعين الأعلام الفلسطينية، ولافتات حملت شعارات تطالب بحق العودة، مرددين الأغاني والأهازيج الوطنية.

ويقول سكرتير لجنة الدفاع عن المهجرين، واكيم واكيم، لـ«الإمارات اليوم»، «أنا ابن قرية الكابري، وولدت فيها، وقد هاجر أهلي منها عقب النكبة إلى قرى مختلفة، لكنني لم أنسَ قريتي الأصلية، وذكرياتي فيها، وكذلك أبنائي يحتفظون بكل كلمة وحقيقة نقلتها لهم عن الكابري، لذلك أتيت إلى الكابري في مسيرة العودة حاملاً أمنيات كل سكانها بالعودة إليها كما كل قرانا المهجرة».

ويضيف أن «الشعب الفلسطيني لا ينسى حقه، فنحن لسنا هنا للبكاء على الأطلال، فالإنسان يبكي على الميت، ولكن فلسطين حية في قلوبنا لن تموت، ونحن أحياء ننشد الحرية، ونرفع راياتنا الوطنية من أجل عودة آخر لاجئ، فلا يوجد أعدل من حق العودة».

تويتر