طرد لأسباب غير منطقية

كومي ضحية وسائل ترامب غير الديمقراطية

صورة

إدوارد لوس / استغرق الأمر للرئيس الأميركي السابق، ريتشارد نيكسون، خمسة أشهر لطرد الرجل الذي يحقق في قضيته، ولم يستغرق من الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب، سوى أقل من أربعة أشهر. الفرق هو أن نيكسون لم يفعل شيئاً يذكر لإخفاء دافعه، وهو إنقاذ رئاسته. من ناحية أخرى، يقول ترامب إنه طرد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، جيمس كومي، لأنه فشل في التعامل مع التحقيق في البريد الإلكتروني العام الماضي الخاص بالمرشحة الرئاسية آنذاك، هيلاري كلينتون. حتى بمعايير ترامب، فإن هذا يمثل السذاجة بعينها. ويريد ترامب من الجمهور الأميركي أن يصدق، أنه «أنهى وأزاح» مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي لكونه تعامل مع كلينتون بشكل غير عادل، وكلينتون هي نفسها الخصم الذي قال عنه ترامب إنه ينبغي حبسها بسبب سوء إدارتها لرسائلها الإلكترونية. والآن، على ما يبدو، أن كلينتون كانت ضحية تحقيق غير مهني، وأن ترامب يضع الأمور في نصابها. وكان طرد كومي ظاهرياً بسبب قراره الخاطئ في أكتوبر الماضي، بإعادة فتح التحقيق في بريد كلينتون الإلكتروني، وهي خطوة يعتقد الكثيرون أنها ساعدت على تحويل مجرى الانتخابات لمصلحة ترامب، إلا أن كومي، الذي كان يشرف حتى ليلة الثلاثاء على سير التحقيق في التواطؤ المزعوم لحملة ترامب مع روسيا، وتأثيره في سير انتخابات العام الماضي، لم يكشف سوى هذا الأسبوع عن ذلك الخطأ.

• بعد أن ذهب كومي الآن في حاله، فإن البعض الآخر في مكتب التحقيقات الفيدرالي قد يأخذ زمام المبادرة من أجل الانتقام من ترامب.

• الآثار المترتبة على ما حدث مثيرة للغاية، فمثلها مثل أي فضيحة فيدرالية أميركية، فإن التفاصيل تزداد بينما تظل الأساسيات كما هي بسيطة.

من ناحية أخرى، كان ترامب ممتعضاً من مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي قبل فترة طويلة من تصريحه. وذكر ترامب الأسبوع الماضي أن «مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كومي هو أفضل شيء حدث لهيلاري كلينتون، لأنه أعطاها تصريح مرور مجانياً لارتكاب العديد من الأعمال السيئة!»، وبعبارة أخرى، كان كومي بالفعل في «دماغ» السيد ترامب. الآثار المترتبة على ما حدث مثيرة للغاية، فمثلها مثل أي فضيحة فيدرالية أميركية، فإن التفاصيل تزداد بينما تظل الأساسيات كما هي بسيطة، فبعد أن طرد ترامب الرجل الوحيد الذي يشرف على التحقيقات في مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات، والتي تتعلق بالسلطة التنفيذية، سيبحث الآن عن بديل لكومي، فما هي فرص عثوره على شخصية مستقلة من شأنها أن تلتقط خيوط التحقيق الروسي من النقطة التي توقف عندها كومي؟ ما احتمالات أن يحصل مرشح ترامب لمكتب التحقيقات الفيدرالي على الـ50 صوتاً الضرورية للموافقة عليه من قبل مجلس الشيوخ؟ وسيساعد ترامب في بحثه عن بديل من قبل النائب العام، جيف سيسيونس، الذي أجبر على عدم الإشراف على تحقيق كومي بسبب اتصالاته غير المعلنة مع السفير الروسي. وكان هذا هو السفير نفسه الذي عقد معه مستشار أول شؤون الأمن القومي السابق لترامب، مايكل فلين، محادثات سجلها مكتب التحقيقات الفيدرالي سراً، وأدت المحتويات المسربة، بدورها، إلى طرد فلين.

هذه هي مجرد خطوط عريضة، إلا أن النقطة الرئيسة تتمثل في أن ترامب طرد الرجل الذي يحقق معه. وتعتبر ما تسمى بـ«مذبحة ليلة السبت» التي طرد فيها نيكسون المدعي الخاص، أرشيبالد كوكس، هي السابقة الوحيدة في هذا الخصوص، ويترتب على كل ذلك ثلاث عواقب: الأولى هي أن الدعوات سوف تتصاعد لتعيين مدعٍ خاص ليتولى التحقيق بشأن المزاعم في التدخل الروسي. اضطر نيكسون للقيام بذلك – وفعل ذلك أيضاً بيل كلينتون، أما ترامب فسوف يقاوم أي تحرك من هذا القبيل، ولا يستطيع اجباره على اتخاذ هذه الخطوة سوى زملائه الجمهوريين، وسيزداد الضغط بشدة على الجمهوريين من أجل الحفاظ على سلامة النظام القضائي الأميركي، وإذا استطاع أحد أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوري، مثل جون ماكين، أن يكسر الصفوف، فسيتبعه آخرون. وإلى الآن فإن الهم الوحيد للحزب هو التماسك، الا أن التصدع بدأ يظهر، وتتمثل العقبة الثانية في أن ترامب سوف يجد الآن أنه من المستحيل استبعاد الفرضية الروسية. وفي السياسة، فإن الموجة ذات التردد العريض هي السلطة بعينها، ولن يستطيع ترامب تحقيق الكثير، في الوقت الذي يظل فيه سيف روسيا مسلطاً على رقبته، ومن الصعب أن نصدق أنه اتخذ مثل هذه الخطوة، لأنه يعتقد أن ابقاء كومي في مكانه من شأنه أن يشكل خطراً أقل.

وحيث أن كومي تعرض للوم على نطاق واسع لأنه رجح الانتخابات لمصلحة ترامب، فإنه ظل يسعى لإنقاذ سمعته، وبعد أن ذهب الآن في حاله، فإن البعض الآخر في مكتب التحقيقات الفيدرالي قد يأخذ زمام المبادرة من أجل الانتقام، ومن الجدير بالذكر أن نيكسون سقط في الفخ بسبب سخط مارك فيلت مسؤول مكتب التحقيقات الفيدرالي عليه، الذي سرب تفاصيل عن تكتمه على فضيحة ووترغيت، بصحيفة «واشنطن بوست»، وفي كلتا الحالتين يبدو أن الحديث عن اعادة الأمور لطبيعتها في إدارة ترامب سابق لأوانه، فنحن ندخل إقليم «نيكسونيان» نسبة الى نيكسون.

أمّا العقبة الثالثة فهي كيف ستسير الأمور في موسكو. الحكومة الروسية لم تخفِ رغبتها فى تعكير جو الديمقراطية الأميركية، يوم الثلاثاء الماضي، حقق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين انتصاراً آخر، الرئيس الأميركي فعل شيئاً غير ديمقراطي، لقد تدخل في سير العدالة. لم يستطع حتى نيكسون طرد رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي، قد لا تستطيع روسيا إبرام صفقة كبرى مع الولايات المتحدة، لخلق مجال نفوذ خاص بها، وسيجد ترامب صعوبة في الحصول على أي نوع من الامتيازات الجيوسياسية دون إثارة الصقور الجمهوريين، مثل ماكين، ولكن روسيا فازت بالفعل بالجائزة التي سعت للحصول عليها، وهي أن الديمقراطية الأميركية في أزمة عميقة، ولا يستطيع أي شخص أن يخمن متى وأين سوف تنتهي.

تويتر