بعد هزيمة «داعش».. العالم معرّض لجولة أخرى من الكوارث

دورية للشرطة العراقية الاتحادية غرب الموصل. أ.ف.ب

نجاح الحملة الدولية لطرد تنظيم «داعش» من الأراضي التي استولى عليها في العراق وسورية، صار في متناول اليد، إذا كان القصد من تلك الحملة هو تقليص أراضي «داعش»، واستعادة المعاقل الحضرية التي ظل التنظيم يسيطر عليها. فقد استطاعت قوة عراقية مدعومة من الولايات المتحدة استعادة معظم الموصل، هذه المدينة التي تقع شمال العراق، والتي استولى عليها المتطرفون ذوو القمصان السوداء في يونيو 2014، والتي استرعت اهتمام العالم. وتتعرض الرقة، عاصمة «داعش» في شمال شرق سورية، للحصار من ثلاثة جوانب (الرابع هو نهر الفرات) من قبل مقاتلين أكراد تدعمهم الولايات المتحدة. وقد استولت تركيا وما يسمى بـ«الجيش السوري الحر»، في فبراير، على مدينة الباب التي يسيطر عليها «داعش» غرباً، من أجل منع الأكراد السوريين من ربط أراضيهم المحتلة.

تنظر الولايات المتحدة إلى هذا الصراع على أنه حرب ضد «داعش» وضد إيران ومناصريها.

والسيناريو المحتمل أن «داعش» سيتخلى عن دولته، ليتحول إلى حركة تمرد إقليمية وشبكة إرهاب دولية. وفي الوقت الذي يحدث هذا، فمن المرجح أن تحدث بعض الفوضى بين الأطراف المتنافسة في القضاء على هذه المأساة، ويسعى «داعش» بالتالي من أجل احتلال أراضٍ أخرى في هذا الاصطدام الجيوسياسي الدائم، حتى ولو كان ذلك افتراضياً.

ويبدو أن الأمر يبعث على القلق عند النظر بشكل آخر إلى هذه التطورات المشؤومة، في سورية والعراق، وفي معظم أنحاء الشرق الأوسط الكبير. وتقوم الجهات الفاعلة الرئيسة بالسعي نحو صياغة سياسات تقضي على جميع الجماعات المعتدلة تقريباً. ولا نرى هنا سوى ما وصفته عبارات الشاعر، دبليو بي ييتس، المفرطة في الاستخدام «خيار الناس يعوزهم الإيمان، وأراذلهم يتملكهم شغف الأهواء».

في الشرق الأوسط «لا يستطيع الوسطيون البقاء على قيد الحياة» على غرار عبارات ييتس، لأن العديد من القوى مشغول بتدميرهم، فبعد مقتل ما يقرب من نصف مليون شخص، تم القضاء على معظم «المعتدلين» في سورية، الذين يناهضون الرئيس السوري، بشار الأسد، ونزح نصف السكان أو طردوا. واختارت الأقلية الحاكمة استخدام أساليب طائفية لشن حرب شاملة ضد ما بدأ كانتفاضة مدنية، معظمها من الأغلبية السنية الكبيرة في البلاد، و(تحالف هؤلاء مع داعمين غربيين لا يشاطرونهم كل الود، ويدفعون بهم إلى الأمام، بدلاً من منحهم الوسائل اللازمة للسيطرة على الموقف) ما فتح الأبواب أمام عودة مزدوجة لـ«داعش» و«القاعدة».

وتنظر الولايات المتحدة إلى هذا الصراع على أنه حرب ضد «داعش» وضد إيران ومناصريها، ويعتبر السنة، خصوصاً في العراق، أن القوات الأميركية متضامنة مع وكلاء الشيعة الإيرانيين. ويبدو أن روسيا، التي أنقذت بتدخلها نظام الأسد، ترى هذا الصراع أساساً لعودتها كقوة عالمية وإقليمية. وتركز تركيا في هذا الصراع على منع الأكراد السوريين من إنشاء دولة بحكم الأمر الواقع على حدودها، إلى جانب كردستان العراقية ذات الحكم الذاتي. وتقوم إيران ببناء ميليشيات قوية في سورية والعراق على غرار «حزب الله» في لبنان.. كيف يجري كل هذا العمل على الأرض؟

حتى قبل أن تنقذ روسيا وإيران الرئيس الأسد، بانتصارهما الحاسم بحلب في ديسمبر الماضي، كان الثوار السوريون وأسرهم يتعرضون للمطاردة في محافظة إدلب الشمالية، التي شهدت الهجوم بغاز السارين، الشهر الماضي، من قبل النظام. وقد اضطر العديد من الثوار الناجين إلى التحالف مع تنظيم «القاعدة»، وتسعى تركيا بمباركة روسية لمواصلة حملتها ضد الأكراد السوريين، لذلك تخلت بشكل كبير عن مسؤوليتها كراعية للثوار، في حين يتطلع نظام الأسد لسحق فلولهم - الثوار - في إدلب.

وفي العراق، نشر تحالف الميليشيات الشيعية، المدعوم من إيران، قوة كبيرة غرب الموصل، بشكل خاص لدعم الجيش العراقي والقوات الخاصة الأميركية، إلا أن ذلك يمثل، في الصراع من أجل السلطة، دعاية يستفيد منها السنة المنتمون لتنظيمَي «داعش» و«القاعدة».

الأمور ليست أفضل بكثير في أماكن أخرى، حيث تحركت إسرائيل من جانبها إلى أقصى اليمين، ولاتزال تحتل وتستعمر الأرض التي يمكن إقامة دولة فلسطينية فيها قابلة للحياة.

وعلى الرغم من كل هذا، فإن النموذج القديم للرجل القوي، الذي يمكنه ضمان الاستقرار في الشرق الأوسط، أصبح أكثر جاذبية، ففي واشنطن وبعض العواصم الأوروبية، وبطبيعة الحال في موسكو وبكين، يعتبر الأسد، الذي استطاع أكثر من غيره تصفية المعتدلين، من قبل البعض، الخيار الأقل سوءاً، حتى بعد هجومه الأخير بغاز السارين والرد العسكري عليه من قبل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.

ومع ذلك، ففي داخل دولة الأسد تولى الحراس وقطاع الطرق وأمراء الحرب المحليون السلطة، ويقول أحد المسيحيين البارزين في اللاذقية، هذا الجيب الساحلي الذي يسيطر عليه النظام، معلقاً: «نحن لا نعرف من المسؤول عن البلاد، أو ما إذا كان الأسد لديه حقاً أي سلطة»، فهو لا يرى أرضية مشتركة حتى داخل جدران القلعة التابعة للنظام، فبعد ست سنوات من الحرب الخبيثة التي مرت بالقرب من هذا المكان، تدهورت الأمور وتداعت الأشياء، وأضاف «للمرة الأولى بدأت أشعر بأننا على وشك الكارثة».

ديفيد جاردنر محلل بصحيفة «الفايننشال تايمز»

تويتر