يفضلون التشرد في بريطانيا على العودة إلى بلدانهم

عاطلون عن العمل يقيمون داخل الأنفاق في مانشستر

صورة

على بعد بضعة أمتار، تحت أحد أكثر الطرق ازدحاماً في مدينة مانشستر، تعيش مجموعة صغيرة من المشردين في أنفاق مزدحمة مليئة بالبطانيات والأغطية والآرائك. ولا يمكن للمشاة الذين يمرون على الطريق أن يتخيلوا، أبداً، الظروف القاسية التي يتحملها أولئك الذين يعيشون في هذا المأوى المؤقت. توليك وفاليري (من ليتوانيا)، يرقدان بالقرب من مصب المياه وراء حواجز معدنية تدعمها كتل خرسانية.

ظاهرة محرجة

يقول مؤسس جمعية «كوفي فور غريغ» الخيرية، هندريكس لانكستر، إن الوضع الذي يعيشه المتشردون، مثال على الأشخاص الذين أصبحوا «منقطعين» تماماً عن المجتمع الحديث. وتسهم الجمعية في إطعام مئات الأشخاص الذين هم بلا مأوى، في مدينة مانشستر كل أسبوع. ويؤكد لانكستر أن ظاهرة إقامة منازل مؤقتة في الهواء الطلق في تزايد بشكل منتظم، ويضيف «هناك دائماً أشخاص يختارون أن يعيشوا بهذه الطريقة، مثل الرحّل الذين يعتمدون على أنفسهم في كل شيء». ويرى أن السلطات المحلية لا تهتم كثيراً بهؤلاء الأشخاص المهمشين، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة «محرجة للمجتمع المعاصر، الذي بات مادياً جداً، وتحت ضغوط كبيرة».

ويحتفظ المتشردون بما لديهم من ممتلكات في أدراج بلاستيكية، ويعلقون ملابسهم البالية بعيداً عن الأوساخ. وتتناثر على الأرض زجاجات مكسورة وعلب معدنية ومغلفات غذاء، ومع ذلك يحتفظ البعض بزجاجة من معطر الهواء، وإسفنجة في المرحاض.

ويؤكد توليك أنه ورفاقه حريصون على الحفاظ على بعض مظاهر الحياة الطبيعية، فيقول «نحن لا نعيش مثل الناس في الشوارع، لدينا أريكة وفراش، إنها مريحة جداً». ويضيف «أستحم ثلاث مرات في الأسبوع، في بيوت الشباب المجاورة، وإذا كنا بحاجة لغسل وجوهنا نستخدم المراحيض في موقف السيارات». ويقول صديقه فاليري إنهما يقيمان هنا تحت الشارع، بعد أن أقام أحد الأصدقاء كوخاً مؤقتاً، قبل أشهر، ودعاهما للمشاركة.

بات هذا النفق المظلم منزلهما، ويتحدث توليك (57 عاماً) عن ثمانية أكواخ مؤقتة أخرى، تنتشر في وسط المدينة، ويرتادها المتشردون بانتظام. ويضيف الأب لسبعة أطفال أنه لم يتوقع أبداً أن ينتهي به الأمر هكذا، عندما وصل لأول مرة بشكل قانوني إلى المملكة المتحدة قبل ثماني سنوات، بحثاً عن عمل. وعمل توليك لمدة 27 عاماً في بلده الأصلي ليتوانيا، الذي انضم إلى الاتحاد الأوروبي في 2004، ثم جاء إلى بريطانيا على أمل أن يجني بعض المال، لكن بعد عمله بمصنع في لندن، جاء إلى مانشستر وبات بلا مأوى لأشهر.

والآن، لم يعد العامل قادراً على إرسال المال إلى أسرته، ويشعر باليأس في أن يعثر على عمل مرة أخرى، وقد تعلم الإنجليزية على أمل زيادة فرصه، ويقول «إنني أحاول، قد أحصل على وظيفة في ليتوانيا، لكن ليس لديَّ منزل ولا مكان للعيش». ويأمل المتشرد أن يحصل على بعض المال، حتى يتمكن من العودة إلى بلده. ويضيف «أريد أن أعيش حياة طبيعية». يمضي العامل ساعات في إطعام طيور البط والأوز، التي تسبح على طول القناة المائية. وبينما يعيشان في هذا النفق المنعزل على مقربة من نظام قنوات مائية معقدة في المدينة، يبقى فاليري وتوليك في حالة جافة ودافئة نسبياً. ويتواريان عن الأنظار في هذا النفق معتقدين أنهما آمنان هناك، يقول فاليري «نحن لسنا خائفين من أحد». وعلى الرغم من الظروف المعيشية الصعبة، يصر فاليري على أنه يفضل البقاء هنا بعيداً عن الأنظار، عوضاً عن العودة إلى بلده.

ويتحدث فاليري (43 عاماً) عن الحرية في بريطانيا، مع أن الرجلين لا يستفيدان من الدعم الحكومي، وخلال الأسبوع يزور الصديقان مراكز استقبال المتشردين لتناول الطعام، ويتجولان حول المدينة. وفي عطلة نهاية الأسبوع يفضلان البقاء في كوخهما المتواضع.

ويروي فاليري، الذي عمل سائقاً في شركة خاصة، أنه كان يكافح ليتعلم اللغة، ولم يتمكن من العثور على عمل، وظل بلا مأوى في مانشستر لمدة ثماني سنوات. ويوضح أن أولاده الثلاثة مازالوا يعيشون في ليتوانيا، ولم يبلغهم أبداً عن ظروف معيشته في بريطانيا، ويقول: «لا أريد أن أفسد حياتهم»، ويضيف «إذا أخبرتهم بالحقيقة فربما سيأتون إلى هنا ويأخذونني إلى البيت، وأنا لا أريد أن أكون عبئاً عليهم».

تويتر