عملية السلام بحاجة إلى قيادة جديدة جديرة بالثقة

العالم يصرف النظر عن فلسطين بسبب صراعات المنطقة الأخرى

صورة

اعتُبرت القضية الفلسطينية منذ فترة طويلة، على الأقل بالنسبة إلى اليسار السياسي في أوروبا، في صميم الصراع العربي - الإسرائيلي، وأن السلام الدائم في الشرق الأوسط، يعتمد أولاً وقبل كل شيء على حل هذا الصراع الذي دام عقوداً، لكن في السنوات الأخيرة تجاوزت الأحداث هذا التفكير وتم تهميش المشكلة، ومع اقتراب المنطقة من الذكرى الـ50 لحرب عام 1967 التي تركت الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال الدائم، ومع بدء مئات السجناء الفلسطينيين الأسبوع الثالث من الإضراب عن الطعام في السجون الإسرائيلية، تزداد المخاوف من اندلاع انتفاضة جديدة. ويمكننا القول إنه قد حان الوقت لإعادة تركيز الاهتمام على هذا المأزق الخطير، قبل أن ينفجر مرة أخرى في مواجهة عنيفة مفتوحة.

ليس الأمر كما لو أن محنة الفلسطينيين قد نُسيت، أو أن التهديدات التي يواجهها الإسرائيليون قد تضاءلت فجأة، ففي غياب تام للتقدم نحو تسوية، أخذت الأحداث الأخرى فضل الأسبقية في الاهتمام والسعي للحل، منها انتشار الأصولية والتشدد، بالأساس في شكل تنظيمَي «القاعدة» و«داعش». إذ إنه بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، أعادت الولايات المتحدة توجيه الطاقة والموارد نحو العراق وأفغانستان. كما أدت ثورات الربيع العربي في عام 2011 إلى تحويل التركيز بعيداً عن فلسطين، وعلى مظالم المواطنين العرب تجاه حكوماتهم. واكتشفت الأنظمة العربية الضعيفة مصالح مشتركة مع إسرائيل، تفوق الولاءات القديمة للفلسطينيين.

نسخة مانديلا

طالب الصحافي في «الغارديان»، مارتن لينتون، بإطلاق سراح القيادي الفلسطيني، مروان البرغوثي، لأنه قد يكون «النسخة الفلسطينية من نيلسون مانديلا»، واعتبر المحلل السياسي أن خروج البرغوثي من المعتقل أمر مهم في الوقت الراهن، ولو كانت تل أبيب جادة في تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإنها ستطلق سراحه، إذ إنه يعتبر «الشخص المثالي الذي يمكن التوصل من خلاله إلى اتفاق سلام». وأشار لينتون إلى تجربة جنوب إفريقيا، وكيف بدأ هذا البلد إطلاق سلام حقيقي من خلال إطلاق سراح زعيم تاريخي، يتمتع بصدقية لتوحيد الآراء والتفاوض مع خصومه بشكل إيجابي، إضافة إلى قدرته على التوصل إلى حلول عملية.

ويعتبر البرغوثي من أبرز السياسيين الفلسطينيين، على الرغم من أنه يقبع في السجون الإسرائيلية منذ 15 عاماً، وباستطاعته التغلب على كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وإسماعيل هنية، في سباق الرئاسة الفلسطينية، وذلك تبعاً لآخر الاستطلاعات.

يذكر أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، طلب من إسرائيل إطلاق سراح البرغوثي وسجناء آخرين، لكن تل أبيب لم تستجب لطلبه.

واعتبر مراقبون وصول مقال البرغوثي إلى صحيفة أميركية بارزة مثل «نيويورك تايمز»، اختراقاً كبيراً للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ليمرر رسالة مهمة للعالم بأن الشعب الفلسطيني يناضل من أجل حريته، وأن كاتب المقال هو عضو في المجلس التشريعي ومعتقل منذ 15 عاماً.

وقد شملت الحرب الأهلية في سورية كل هذه العناصر الضارة: التطرف المسلح والتمرد الشعبي، والقمع الحكومي والفظائع العسكرية، والانهيار الاجتماعي؛ ما أدى إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين وحالات الطوارئ الإنسانية. وفي مواجهة هذا الصراع الهائل، الذي جذب روسيا وإيران والمتعصبين من كلا الجانبين، نحو الانقسام السني - الشيعي، فإن القضية الفلسطينية تراجعت في المقابل.

ويؤكد تردد الغرب المزمن في سورية - الذي سلط عليه الضوء الأسبوع الماضي، من خلال تصريحات وزير الخارجية، بوريس جونسون، غير المسؤولة بشأن العمل العسكري البريطاني - مدى قلة الإيمان في تصميمه على التوصل إلى اتفاق فلسطيني.

جهود جادة

سيكون من الخطأ القول إن الولايات المتحدة، وغيرها، قد توقفت عن المحاولة. كان وزير الخارجية الأميركية السابق، جون كيري، قد بذل جهوداً جادة لإحياء عملية السلام المحتضرة. وقد استضاف الفرنسيون مؤتمراً دولياً، في يناير، لتعزيز حل الدولتين، الذي لايزال السبيل العملي الوحيد للمضي قدماً. ودعا البيان الختامي للاجتماع، إسرائيل للانسحاب إلى ما وراء حدود عام 1967، والتخلي عن السيطرة على الضفة الغربية والقدس الشرقية، وفقاً لما تقتضيه قرارات الأمم المتحدة، وناشد الطرفين «الامتناع عن الإجراءات الانفرادية» التي يمكن أن تعرّض المفاوضات المستقبلية للخطر.

هذه النداءات المعقولة والبديهية، التي سمعتها مرات كثيرة من قبل، لا جدوى منها، ما لم تدعمها تدابير نشطة لإقناع اللاعبين الرئيسين وإجبارهم على احترامها والتقيد بها. وهذا أمر غير متاح حالياً.

فلدى إسرائيل رئيس وزراء (بنيامين نتنياهو) يفضل المواجهات، ورؤيته الضيقة وغير المرنة لما يضمن أمن إسرائيل، هي بحد ذاتها خطر على هذا الكيان الذي يديره، في المقابل لدى الفلسطينيين قائد ضعيف وغير فعال (محمود عباس)، كما أن حركة المقاومة الإسلامية «حماس» تقوض سلطته، فلا أحد منهما جدير بالثقة في عملية السلام. ولا يبدو أن لديهما خطة ناجعة للخروج من المأزق. وعندما يلتقي عباس مع دونالد ترامب في واشنطن، هذا الأسبوع، ربما يفاجئنا، وربما يكون لدى ترامب شيء بناء يقدمه لنا.

ربما كان ترامب صادقاً في شيء واحد في حديثه الذي أدلى به، الأسبوع الماضي، إذ أعلن أنه «لا يوجد سبب» يمنع الإسرائيليين والفلسطينيين من العيش في سلام. وبعبارات واضحة إذا كان الطرفان على استعداد للتوصل إلى حل توفيقي - الحلول الممكنة في ما يخص الأرض والحدود، والأمن واللاجئين، والقدس - فالرئيس الأميركي على حق. المطلوب في هذه المرحلة هو قيادة شجاعة وواسعة الخيال.

حتمية النصر

يعتبر مروان البرغوثي، منظم الإضراب عن الطعام في السجون الإسرائيلية، من قبل العديد من الفلسطينيين، أحد القادة الأكثر قدرة على تحمل المسؤولية. كما أن العديد من الغربيين الذين يريدون الخير لإسرائيل، يتقاسمون أيضاً هذا الرأي، ويودون أن يُعطى الرجل دوراً أكثر نشاطاً في الحياة العامة، وأن يتم تحريره من أغلال السجن. وشبه المقال الذي نشره البرغوثي أخيراً في صحيفة «نيويورك تايمز» النضال الفلسطيني، بحركات الاستقلال في جنوب إفريقيا وأماكن أخرى. وأشار إلى أن الشيء المشترك بين جميع هذه الحركات هو حتمية النصر في نهاية المطاف، وقال إن الفلسطينيين انطلقوا في «مسيرة طويلة نحو الحرية».

البرغوثي ليس نيلسون مانديلا، لكن لا يمكن تأجيل مطالباته ومطالب شعبه إلى أجل غير مسمى، إن محاولة القيام بذلك مخاطرة بانفجار آخر - احتمال حدوث نكبة أخرى - ستضع فلسطين مرة أخرى في طليعة مشكلات الشرق الأوسط، لأسباب خاطئة.

تويتر