مسؤولون يستبعدون التوصّل إلى اتفاق نهائي

بريطانيا أمام خروج محفوف بالمخاطر من الاتحاد الأوروبي

صورة

بدأت بريطانيا إجراءات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي يوم 29 مارس؛ ليبدأ العد العكسي لفترة عامين من المفاوضات السياسية والاقتصادية المكثفة التي ستغيّر المملكة المتحدة وجيرانها الأوروبيين، بشكل جوهري. وقد أبلغ السفير البريطاني لدى الاتحاد الأوروبي، تيم بارو، رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، بالتاريخ المحدد لبدء العملية.

وقال الوزير المكلف بالخروج من الاتحاد، ديفيد ديفيس: «إننا على عتبة أهم مفاوضات لهذا البلد»، متابعاً «إن الحكومة واضحة في أهدافها: إنها صفقة صالحة لكل دولة ومنطقة في أوروبا كلها، وهي شراكة إيجابية جديدة بين بريطانيا وأصدقائنا وحلفائنا في الاتحاد الأوروبي».

وأثارت مسألة الخروج جدلاً كبيراً منذ أن صوّت البريطانيون لمصلحته في الاستفتاء الأخير، وذلك بسبب المادة (50) التي نصت عليها معاهدة لشبونة الخاصة بالاتحاد الأوروبي، وهي آلية لم يسبق استخدامها من قبل للانسحاب من الكتلة. ويتعين على رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، بموجب هذه المادة، أن تخطر تاسك، بنيّة بلادها مغادرة الكتلة المكونة من 28 دولة. وتنص المادة على أن الجانبين سيتوصلان، حتى مارس 2019، إلى اتفاق على تسوية انفصال، وإذا أمكن، إقامة علاقة جديدة بين بريطانيا ـ خامس اقتصاد في العالم ـ والاتحاد الأوروبي، الذي يضم 500 مليون شخص.

صوّت البريطانيون، في استفتاء يونيو، لمغادرة الاتحاد الأوروبي، بعد أكثر من 40 عاماً من العضوية، لكن لم تتمكن تيريزا ماي من بدء المحادثات حتى الأسبوع الماضي، عندما وافق البرلمان البريطاني على مشروع قانون يجيز بدء مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد، ولكن مثل أي طلاق، قد لا تسير الأمور نحو خطة معينة.

الرسالة التي سترسلها الحكومة وستدفع بريطانيا الى فترة من عدم اليقين الشديد، هي أن البريطانيين لا يعرفون كيف ستكون علاقتهم المستقبلية بالكتلة الأوروبية، وما إذا كانت الشركات البريطانية ستمارس عملها بحرية مع بقية أوروبا، وهل يمكن للطلاب الدراسة في الخارج أو السماح لأصحاب المعاشات التقاعدية بالتقاعد بسهولة في الاتحاد الأوروبي. هذه الأمور أصبحت جزءاً من الحياة في المملكة المتحدة منذ انضمامها إلى ما كان يسمى آنذاك المجموعة الاقتصادية الأوروبية في عام 1973.

كما أنه ليس واضحاً ما الحقوق التي سيحتفظ بها نحو ثلاثة ملايين أوروبي، يعملون ويعيشون حالياً في بريطانيا، وليس من المؤكد إن كانت بريطانيا، المؤلفة من إنجلترا وأسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية، ستظل متحدة بعد الخروج النهائي من الاتحاد.

وتسعى الوزيرة الأولى في أسكتلندا، نيكولا ستورجون، إلى إجراء استفتاء حول الاستقلال خلال عامين. وفي الاستفتاء نفسه، الذي اختار معظم البريطانيين من خلاله مغادرة الاتحاد الأوروبي، أراد أغلب الناخبين الأسكتلنديين البقاء. وقالت ستورجون إن أسكتلندا يجب ألا «تُقاد إلى طريق لا نريد أن نذهب اليه من دون اختيارنا». وقد رفضت تيريزا ماي هذا التوجه قائلة: «ليس هذا وقت إجراء استفتاء آخر حول استقلال أسكتلندا». أما النائب العمالي، بات ماكفايدن، المؤيد للبقاء في الاتحاد الأوروبي، فيقول: «حان الوقت لتقدم ماي الصفقة الجيدة التي وعدت بها لبريطانيا»، متابعاً «إن فترة التصنع شارفت على الانتهاء، والتفاوض الحقيقي على وشك البدء».

صراعات مرتقبة

من المرجح أن تنشأ صراعات قريباً، فالاتحاد الأوروبي يريد من بريطانيا أن تسدد فاتورة طلاق ضخمة ــ تشير التقديرات إلى 60 مليار يورو ــ لتغطية التزامات التقاعد لموظفي الاتحاد، والالتزامات الأخرى التي وافقت عليها المملكة المتحدة. ومن المؤكد أن المفاوضين البريطانيين سيتعثرون أمام حجم ذلك المبلغ. وقال وزير الخارجية، بوريس جونسون، إن مشروع الفاتورة «الضخمة» غير معقول. وقال إن تيريزا ماي قد تحذو حذو رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر، التي نجحت في الحصول على خصم من الكتلة في عام 1984.

وستركز المفاوضات على موضوع أساسي: بريطانيا تريد تجارة حرة «دون احتكاك»، لكنها تقول إنها ستعيد السيطرة في مسألة الهجرة، مع إعادة القيود على حركة التنقل، الأمر الذي ينهي حق مواطني الاتحاد الأوروبي في العيش والعمل في بريطانيا. غير أن الاتحاد يقول إن بريطانيا لا تستطيع الوصول الكامل إلى السوق الأوروبية إذا لم تقبل حرية حركة رعاياه، وهو أحد المبادئ الأساسية للكتلة.

احتمال الانسحاب

إلى ذلك، أكدت رئيسة الوزراء أنه في حال تعثرت المحادثات فإن بإمكانها الانسحاب، قائلة: «لا صفقة أفضل من صفقة سيئة لبريطانيا». هذا الاحتمال ينذر العديد من الشركات البريطانية. إذا خسرت المملكة المتحدة لصالح الاتحاد الأوروبي؛ دون التوصل إلى صفقة تجارية، فإن لندن ستعود إلى قواعد منظمة التجارة العالمية، ما يؤدي إلى فرض التعريفات الجمركية، وغيرها من الحواجز أمام التجارة.

وحذرت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، من أن الحكومة البريطانية لم تقم بما فيه الكفاية للتحضير لـ«الاحتمال الحقيقي»، بأن تنهار المفاوضات مع بروكسل، وتنتهي الأمور دون اتفاق و«ضرر متبادل» لكل من بريطانيا والاتحاد. وحتى لو سارت المحادثات في الطريق الصحيح، يقول القادة إن هناك فرصة ضئيلة للتوصل إلى اتفاق نهائي بشأن العلاقات بين الطرفين بحلول عام 2019، ويقول بعض الخبراء إن العملية قد تستغرق 10 سنوات.

تويتر