إسرائيل أصبحت تدرك أن إحباط نقل الأسلحة إلى حزب الله يعني المخاطرة بإسقاط طائرة أو التورّط في نـزاع عسكري

إطلاق الصاروخ السوري خلف المقاتلات الإسرائيلية يغيّر قواعد اللعبة

صورة

تعرّضت الأراضي السورية، على مدى السنوات الست الماضية، من الحرب الأهلية لعشرات الغارات الجوية الإسرائيلية، التي كانت تستهدف وحدات حزب الله اللبناني، التي تعمل في سورية، وعلى الرغم من عدم اعتراف الحكومة الاسرائيلية بها حتى الآن ــ سوى الضربة الأخيرة ــ وإنكارها في أغلب الأحيان، إلا أن كلاً من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه، أفيغدور ليبرمان، كثيراً ما يشيران علناً، الى أن إسرائيل تشن هجمات في سورية للدفاع عن مصالحها الاستراتيجية، بمعنى حرمان حزب الله من الحصول على أسلحة «أقوى» من ترسانته في لبنان.

الهدف

لم يتضح الهدف من وراء الغارة الجوية الإسرائيلية، وما إذا كانت استهدفت قافلة تابعة لحزب الله أو مصنعاً للأسلحة أو ترسانة، وما إذا كان أحد كبار قادة حزب الله قد لقي حتفه فيها، كما ادّعت بعض التقارير.


السؤال المثير للاهتمام هو ما إذا كان الصديق الروسي الجديد لإسرائيل، قد أنشأ نظام رادار الكشف عن الطائرات في سورية، بعد أسبوع واحد من عودة نتنياهو من موسكو، بعد زيارة ناجحة أخرى لرؤية سيد الكرملين.


يدرك الأسد أن بوتين يناقش مستقبل بلاده مع قادة العالم الآخرين، بمن في ذلك نتنياهو. إلا أن محاولته المتأخرة لإسقاط الطائرات الإسرائيلية يمكن أن تكون علامة على الثقة بنفسه.

وكانت الهجمات، التي وقعت في وقت مبكر قبل أيام، هي الأولى التي أكدها المتحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي رسمياً. وفي حين لم يتضح الهدف من وراء تلك الغارة الجوية الإسرائيلية، وما اذا كانت استهدفت قافلة تابعة لحزب الله أو مصنعاً للأسلحة أو ترسانة، وما إذا كان أحد كبار قادة حزب الله قد لقي حتفه فيها، كما ادّعت بعض التقارير في وسائل الإعلام العربية، لاتزال المعلومات التي تم نشرها في هذا الصدد قليلة للغاية، وغير مؤكدة في معظم الأحيان.

السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا غيّرت إسرائيل سياسة ستار الصمت، التي درجت عليها بشأن عملياتها في سورية، واعترفت فجأة بالهجوم؟ ويبدو أن السبب في ذلك هو إطلاق قوات الدفاع الجوي السورية صاروخاً بعيد المدى، في محاولة لإسقاط المقاتلات الاسرائيلية، إلا أن الصاروخ أطلق بعد فوات الأوان، ولم تتعرض الطائرات للخطر، ولأن هذا الصاروخ كان من الممكن أن يسقط على المناطق المدنية داخل إسرائيل، تم اعتراضه بصاروخ «ارو 3». وكان دوي الانفجار الصاخب الذي وصل إلى القدس، وسقوط أجزاء من الصاروخ في الأردن، كافياً لكي تقدم إسرائيل بعض التوضيحات. وكان من الممكن ان تكتفي إسرائيل ببيان حول اعتراض الصاروخ، وكان من الممكن أن يصدر قرار يتحمل فيه رئيس الوزراء المسؤولية عن الهجمات، وكان من الممكن أن تنسب الهجمات لأسباب أخرى، لو لم يتم اعتراض الصاروخ السوري وتسقط أجزاء منه في الأردن.

قبل أسبوع واحد من الهجمات، كان نتنياهو في موسكو يناقش الشأن السوري مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وظهرت تفاصيل قليلة بشأن ما قيل في الاجتماع، لكن نتنياهو ذكر، قبل ذلك وبعده، أن إسرائيل لن توافق على الوجود العسكري الإيراني في سورية، أو وجود وكلاء لإيران هناك، لكن الآن، يبدو أن الحرب الأهلية في البلاد قد سكنت قليلاً، وأن الرئيس السوري، بشار الأسد، استطاع أن يلتقط أنفاسه.

وسواء لقي طلب نتنياهو هذا آذاناً صاغية أم لا، فقد عاد إلى القدس بانطباع مفاده أن بوتين يأخذ مخاوف إسرائيل على محمل الجد، حيث إن هذا الهجوم الذي شنته طائرات انتهكت المجال الجوي السوري (مع عدم استخدام صواريخ موجهة، كما حدث في الضربات الأخرى أخيراً) قد يشير في الظاهر إلى وجود تفاهم مع روسيا، حول العمليات الإسرائيلية داخل المنطقة التي تحميها روسيا بمرافق دفاعاتها الجوية.

وتشبه ضربات الجمعة، عن كثب، نمط الهجوم الذي وقع في ديسمبر 2015 على إحدى ضواحي دمشق، عندما تعرّض للقتل تسعة ناشطين يعملون لصالح إيران، بينهم القيادي في حزب الله، سمير القنطار، الذي أطلقت سراحه إسرائيل من قبل ضمن صفقة لتبادل الأسرى في عام 2008، وكانت إسرائيل تعتقد ان هذه المجموعة تخطط لغارات جديدة عبر الحدود.

ووقع الهجوم الأخير بعد ثلاثة أيام فقط من محادثة نتنياهو وبوتين الهاتفية، وكانت أول ضربة نفذتها اسرائيل بعد ان أقامت روسيا درعاً للدفاع الجوي فوق مناطق واسعة من سورية، بما فيها العاصمة. وكان من غير المرجح بعد ترتيبات ديسمبر 2015، والجمعة الماضية، أن تضرب إسرائيل إحدى المناطق السورية التي تقع داخل منطقة عمليات روسيا، إذا كانت إسرائيل تعتقد أن الكرملين سيتفاعل مع هذا الموقف بغضب. ومع حقيقة أن الجيش السوري هو الذي أطلق صاروخاً ضد الطائرات الحربية الإسرائيلية، فإن ذلك يشير الى أن أنظمة الدفاع الجوي الروسية المتطورة، التي تم نشرها في مكان قريب من موقع الحادث، ظاهرياً لحماية النظام، تشير إلى أن الأسد وحلفاءه الروس ليسا منسّقين بشكل كامل. ويدرك الأسد أن بوتين يناقش مستقبل بلاده مع قادة العالم الآخرين، بما في ذلك نتنياهو. إلا أن محاولته المتأخرة لإسقاط الطائرات الإسرائيلية يمكن أن تكون علامة على الثقة بنفسه. ومن المفترض أن يكون الصاروخ السوري المضاد للطائرات إشارة لإسرائيل بأن سياسة ضبط النفس التي يمارسها النظام السوري في مواجهة الغارات الجوية لن تظل كما هي، حيث إن نجاحات الأسد الأخيرة - أولاً وقبل كل شيء نجاحه في استعادة حلب - قد زادت على ما يبدو من ثقته بوضعه. وسيتعيّن على إسرائيل أن تقرر ما إذا كانت الحاجة إلى إحباط شحنات نقل أسلحة متقدمة إلى حزب الله - تبرّر أيضاً الخطر المحتمل لإسقاط طائرة مقاتلة إسرائيلية، والتورّط في نزاع أوسع نطاقاً مع سورية.

السؤال المثير للاهتمام هو ما اذا كان الصديق الروسي الجديد لإسرائيل، قد أنشأ نظام رادار الكشف عن الطائرات في سورية، بعد أسبوع واحد من عودة نتنياهو من موسكو، بعد زيارة ناجحة أخرى لرؤية سيد الكرملين. ويمكن للمرء أن يتصور أن مجتمع الاستخبارات سيكون مهتماً أيضاً بمعرفة ما إذا كان القرار السوري بإطلاق الصاروخ، منسجماً مع المتعاونين مع الأسد وشركائه: روسيا وإيران وحزب الله.

ويبدو أن الأمر كذلك، ففي أعقاب الغارة الجوية أرسلت روسيا رسالة واضحة الى إسرائيل بأن قواعد اللعبة قد تغيرت فى سورية، وأن حريتها بالعمل في السماء السورية قد انتهت، وطلبت منها شرح تبادل إطلاق النار مع القوات الحكومية السورية. وذكر نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أن روسيا «أعربت عن قلقها» لما حدث. ويشكل التدخل الدبلوماسي أول كسر واضح للترتيبات السرية لما يصطلح عليه في المجال العسكري بـ«تجنب المواجهة غير المتسقة»، الذي اتفق عليه بوتين ونتنياهو، بعد زيارة الأخير لموسكو، بشأن المكان والزمان اللذين تستطيع فيهما الطائرات الاسرائيلية ضرب سورية.

وكانت إسرائيل قد فسّرت هذا الترتيب على أنه يمنحها حرية نسبية لمهاجمة المخازن وشحنات الأسلحة المتطورة المتجهة الى حزب الله، هذه الجماعة المسلحة التي تقدم دعماً غير محدود للأسد، إلا أن غارة الجمعة يبدو أنها غيرت هذه الدينامية، وأن الردّ السوري غيّر قواعد اللعبة. ويبدو أن استخدام سورية للصواريخ المضادة للطائرات ضد طائرات إسرائيلية، قد زاد من ثقة نظام الأسد بنفسه، بعد أن تعرض في الماضي لعدد من الغارات الجوية المشابهة من قبل إسرائيل. وأكد السفير السوري لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، الأحد الماضي، أن الرد السوري «يتماشى مع العملية الإرهابية الإسرائيلية» و«غيّر من قواعد اللعبة».

تويتر