المعلمون يخضعون لفحص أمني دقيق من قبل السلطات العراقية

غياب الأمن وتردّد الأهالي يعرقلان استئناف عمل المدارس شرق الموصل

صورة

تمكنت القوات العراقية من تحرير أجزاء كبيرة من الموصل، وبدأت الحياة الطبيعية تعود تدريجياً إلى شرق المدينة التي ظلت تحت سيطرة المتشددين لأكثر من سنتين. وما إن طُرد المتشددون من أحياء الشطر الشرقي، استعادت المدارس بعضاً من عافيتها، لتستقبل مئات الطلبة دون خوف من بطش المتشددين. وتقول المعلمة العراقية ميسون ماهر، إنها شعرت بسعادة كبيرة عندما رأت أفواج البنات في باحة المدرسة، من جديد، على الرغم من بقايا القصف التي خلّفتها المعارك في المبنى الذي كان يضم مئات التلاميذ.

الكثير من الدمار والموت

أعادت السلطات العراقية افتتاح 30 مدرسة نهاية يناير، في الجانب الشرقي لمدينة الموصل الذي فر منه عدد قليل من العراقيين خلال الهجوم فيما بقي الغالبية في منازلهم. وتقول منظمة الامم المتحدة للطفولة (يونيسف)، في أربيل، إن التعليم لا يمكن أن يتأخر، إذ يمكن أن تكون المدارس وسيلة لمساعدة الصغار على تجاوز ما عايشوه من صدمات. فقد شاهد عدد كبير من الاطفال في هذه المدينة الكثير من الدمار والموت».

وتفيد منظمات غير حكومية أن 300 ألف طفل على الاقل يعيشون في الشطر الغربي من الموصل الذي لا يزال تحت سيطرة تنظيم «داعش»، وقد شهد معارك شرسة في الاسابيع الأخيرة.

وأعيد فتح المدارس والمحال في الموصل، بعد طرد مقاتلي «داعش» من شرق المدينة، في يناير، ولكن لايزال المسلحون متحصنين في الجانب الغربي من المدينة، ومستقبل المنطقة لايزال غير مؤكد.

في المدرسة، التي تعمل بها ميسون، يسهر المعلمون والإداريون على سلامة نحو 1150 تلميذاً داخل المجمع، محاولين تجنب الطائرات بدون طيار المزودة بالقنابل، من قبل المتطرفين. ولاتزال هذه الطائرات تهدد حي «الإخاء» الذي توجد به المدرسة، وذلك بعد أشهر من مغادرة المتطرفين.

عملت ميسون في التدريس لمدة 30 عاماً، وهي الآن نائب مدير المدرسة. وكانت تعمل هنا عندما استولى تنظيم «داعش» على المبنى، إذ توقف عن دفع رواتب المعلمين الشهرية (800 دولار)، وأجبرهم على البقاء. وكان على المعلمة أن ترتدي الأسود، مع غطاء كامل للوجه، وتعليم المناهج المتشددة.

وتقول ميسون: «لقد غيّروا جميع المناهج، وكانوا يعلّمون التلاميذ أشياء سيئة في مواد مثل الرياضيات»، متابعة «في عملية الجمع، على سبيل المثال، يُطلب من التلاميذ جمع قنبلة زائد قنبلة، كانوا يحاولون غسل أدمغتهم».

توقف الكثير من الآباء عن إرسال أطفالهم إلى المدرسة، وتضاءل عدد الطلاب في الصف الواحد ليصبح 15 تلميذاً فقط. وكان القليل من الفتيات يلتزمن بالحضور، بالإضافة إلى أطفال المسلحين، وكان بينهم بعض الروس. أغلقت مدرسة الإخاء بشكل مؤقت في أكتوبر عندما شن التحالف المدعوم من الولايات المتحدة، هجوماً لاستعادة المدينة. وأعيد فتحها في الـ22 من يناير، بعد أن أُعلن الشطر الشرقي خالياً من الإرهابيين.

أرسلت ميسون ابنتها أميمة أحمد، البالغة من العمر 11 عاماً، إلى المدرسة، ولكن لم تتمكن من تقديم ما يكفي من التطمينات لآباء زملائها، فالمبنى يفتقر إلى الماء والكهرباء والأمن، كما أن الجنود لايزالون يقاتلون في مكان قريب. وحتى بعد تحول الخط الأمامي غرباً، لاتزال التفجيرات الانتحارية تستهدف أماكن التجمعات على الجانب الشرقي، مثل الأسواق والمطاعم والمدارس.

طلقات مدفعية

وأشارت تقارير، الأسبوع الماضي، إلى هجمات بالأسلحة الكيماوية في حي مجاور، كما سُمعت طلقات المدفعية من داخل المدرسة، قبل أيام. وتستطرد المعلمة ميسون قائلة: «قلنا لهم (آباء التلاميذ) إن الدراسة هذه الأيام محفوفة بالمخاطر، ومع ذلك، هناك العديد من الطلبة في المدرسة».

جاء أيمن المؤيد، الذي يعمل حلاقاً، إلى المدرسة يوم الإثنين الماضي، لتسجيل ابنته «جنات»، البالغة من العمر ثماني سنوات، والتي «يفترض أن تكون في الصف الثالث، ولكن لأنها لم تذهب إلى المدرسة مدة عامين، يتعين عليها أن تبدأ من الصف الأول»، توضح ميسون.

يرتاد مدرسة الإخاء 550 تلميذة في فترة ما بعد الظهر، في حين يحضر نحو 600 تلميذ في الفترة الصباحية. إنهم يأتون من جميع أنحاء المدينة، بما في ذلك بعض الذين فروا من الجانب الغربي المحاصر.

عندما فتحت ميسون باب الصف الثاني كان بداخله 60 فتاة، بعضهن فقط يرتدين الزي الرسمي. وتقول المعلمة التي تعمل نائبة مدير، إن كثيراً من الآباء، مثل الحلاق، فقراء جداً ولا يستطيعون تحمّل نفقات الزي المدرسي البسيط. في المقابل، كانت مجموعة من الطالبات يرتدين الحجاب، الأمر الذي لا يعتبر شائعاً في مثل هذا العمر. وعندما استأنفت المدرسة عملها، أرسلت بعض الأسر بناتها وهن يرتدين العباءات السوداء والنقاب. وفي ذلك تقول ميسون: «يخشى الأهالي عودة متطرفي (داعش)»، متابعة «قلت لهن أن لا يرتدين ذلك مرة أخرى، إذ لا يوجد داخل المبنى رجال، وبالتالي لا ضرورة لتغطية الرأس والوجه».

فحص أمني

قبل أن يعاد فتح المدرسة، كانت ميسون و54 مدرساً آخر على موعد مع فحص أمني دقيق، من قبل وزارة التعليم العراقية، التي دققت في أسمائهم وخلفياتهم، مستعينة بقوائم منتمين للتنظيم الإرهابي.

فقد زوج ميسون وظيفته في شركة النفط المحلية عندما استولى المتشددون على المدينة، وتعيّن عليها بيع ما تملكه من ذهب ومجوهرات لتغطية نفقات عائلتها المكونة من ستة أفراد.

إلى ذلك، يعتزم المدرسون في «الإخاء» الإضراب عن العمل، للمطالبة بصرف رواتبهم. وسيكون احتجاجاً هادئاً، فالمعلمون لا يشعرون بالأمان في الشوارع، وتقول ميسون إنهم سيبدأون بمرحلة التوقف الجزئي عن العمل داخل المدرسة، وتشكك في تحرك المسؤولين العراقيين لمساعدتهم».

تويتر