في ظل تجميد المساعدات والدعم العسكري

المتطــرفون يضيقــون الخــناق حــول المعارضة المعتدلة في إدلب

صورة

تتعرض المنطقة الخاضعة لسيطرة الثوار في إدلب لهجوم عنيف من قبل المسلحين المتطرفين، في موجة جديدة من الاقتتال الداخلي بين فصائل المعارضة، ما يهدد بهزيمة ما تبقى من المعارضة المعتدلة. وجاء صعود المتطرفين في محافظة إدلب، بالتزامن مع تجميد المساعدات للجماعات المعتدلة من قبل حلفائها الدوليين. وفي واشنطن يؤكد المسؤولون الأميركيون أن تعليق المساعدات ليست له علاقة بتغيير السلطة في واشنطن، حيث تعمل إدارة الرئيس الجديد، دونالد ترامب، على مراجعة سياستها في سورية، والأمر لا يعني انقطاع الدعم الكامل للمعارضين، الذين يواصلون الحصول على رواتبهم، وفق دبلوماسيين وقادة في المعارضة، الذين أُبلغوا بأن الهدف من التجميد هو التأكد من أن الإمدادات لا تقع في أيدي المتطرفين، من خلال الضغط على المعارضة لتشكيل قوة أكثر كفاءة.

 

استراتيجية أميركية

يتوقع أن تتضمن الاستراتيجية الأميركية، إزاء تنظيم «داعش»، إعادة النظر في الموقف من سورية. وعلى الرغم من أن التركيز على طرق تسريع المعركة ضد التنظيم، فهناك اعتراف من قبل المسؤولين الأميركيين بأن الحرب ضد المتشددين لا يمكن كسبها، دون معالجة الصراع السوري على نطاق أوسع. ومع ذلك، تساءل محللون عما إذا كان التوصل إلى تسوية سياسية ممكناً الآن، نظراً للظروف الحالية في ساحة المعركة. كما أن تدخل روسيا وانتصار الحكومة في حلب يجعلان الكفة تميل بشكل حاسم لصالح نظام الأسد، الذي بات بعيداً عن أي خطر، خلافاً لأي وقت مضى، أو إمكانية الإطاحة به عسكرياً من قبل المعارضة.

69

مقاتلاً من «جيش النصر» قتلوا، الأسبوع الماضي، في اشتباك مع مقاتلي «القاعدة».

ورغم أن المعارضين لايزالون يسيطرون على أراضٍ في جنوب سورية وجيوب حول دمشق، وأجزاء من محافظة حلب، حيث يقاتلون ضد تنظيم «داعش»، فإن خسارة إدلب للمتطرفين ستؤدي إلى إطالة أمد أو على الأقل تحويل مسار الحرب، في الوقت الذي تعقد الأمم المتحدة محادثات سلام في جنيف بهدف تأمين تسوية سياسية.

وتحول المتطرفون ضد المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة، وبات التعايش بين الجماعات المرتبطة بتنظيم «القاعدة» والمعارضين المعتدلين، أمراً صعباً، في وقت اشتد النزاع بين الفصائل على الأراضي في إدلب، التي تعتبر معقلاً رئيساً يمكن للمعارضين أن يتحدوا نظام بشار الأسد انطلاقاً منه.

تبرير القصف

وبإمكان النظام السوري، وحليفته روسيا، تبرير القصف المكثف للمنطقة، حسب مراقبين، وربما بالتعاون مع الولايات المتحدة، التي تنفذ بالفعل غارات ضد أهداف لـ«القاعدة» في إدلب. وفي ذلك، يقول الزميل في مؤسسة «سنتشري فاوندايشن»، آرون لوند: «ما يجري حالياً هو التخلي عن إدلب لصالح المسلحين المتطرفين، وهذه ربما تكون نهاية المعارضة بالنسبة لمن يدعمها في الخارج». ويرى الخبير الأميركي أنه لن يكون لدى الجهات الداعمة، أي سبب لدعم المعارضة المعتدلة، في المستقبل.

وجاء هجوم المسلحين المتشددين، أخيراً، في أعقاب محاولة روسيا عقد مباحثات سلام مع جماعات المعارضة المعتدلة، التي حاولت أميركا معها من قبل دون جدوى، للحماية من الغارات الروسية، ومنذ ذلك الحين قاد تنظيم «فتح الشام» (جبهة النصرة سابقاً)، سلسلة من الهجمات وعمليات خطف وقتل، ضد المعارضة المعتدلة والنشطاء والمجالس الإدارية المدعومة من الغرب، في مناطق مختلفة من إدلب.

وانضمت الجماعات الأكثر تطرفاً إلى التحالف الذي أطلق عليه اسم «هيئة تحرير الشام»، لكن الجماعات الأكثر اعتدالاً سعت للحماية، بتجميع نفسها مبتعدة عن «جبهة فتح الشام»، التي تعتبرها واشنطن متطرفة جداً.

ويقول زكريا ملاحفجي، وهو مسؤول جماعة «فاستقم» المعارضة المدعومة من واشنطن: «(القاعدة) تأكلنا»، موضحاً أسباب انضمام جماعته إلى تحالف «أحرار الشام»، بأن «هذا تحالف عسكري فقط، للحماية من تنظيم (القاعدة)، لكن من الناحية السياسية نحن لا نشاركهم وجهات نظرهم».

ضغوط الانضمام

في غضون ذلك، تستمر عشرات المجموعات المدعومة من قبل الولايات المتحدة، في مقاومة ضغوط الانضمام لتحالف المتطرفين، لكنها تقر بأن حالها بائسة وميؤوس منها بشكل متزايد.

وفي ذلك يقول الضابط في الجيش السوري أحمد سعود، الذي انشق ليقود وحدة معارضة مدعومة من واشنطن، في جيش إدلب الحر، إن المتطرفين يسيطرون على كل جوانب الحياة، بما في ذلك المساجد والمدارس ويسعون إلى تطرف الأطفال من عمر 14 عاماً. ويؤكد سعود أن فكر «القاعدة» ينتشر في كل مكان، وأن تجميد المساعدات يضمن فقط نمو «القاعدة» بشكل أقوى. وفي ذلك يقول ملاحفجي: «بالطبع إذا قطعت المساعدات عن الثوار المعتدلين، فإن المجال سيبقى مفتوحاً أمام تنظيم (القاعدة) وأمثاله، لتصبح أكثر قوة».

وفي إطار برنامج يدوم ثلاث سنوات، أشرفت عليه أميركا، تتلقى المجموعات المعارضة التي خضعت للتدقيق من قبل وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه)، دعماً يتضمن رواتب، وأسلحة خفيفة وذخائر، وكميات محدودة من الصواريخ المضادة للدبابات. ويُشرف على الإمدادات مركز العمليات العسكرية الأميركي، لكن حتى في حال استئناف الإمدادات، فمن غير الواضح ما إذا كانت المعارضة قادرة على مواجهة المسلحين المتطرفين، إذ تم إحراق مخازن الذخيرة التابعة للجيش الحر، في حين استولى متشددون على كميات مهمة من الذخيرة.

وأظهر شريط فيديو على «يوتيوب»، الأسبوع الماضي، قيام عناصر من التحالف الجديد بقيادة «النصرة»، بتدمير موقع عسكري تابع للحكومة السورية، باستخدام صواريخ مضادة للدبابات أميركية الصنع، تم توريدها للمتمردين المعتدلين، وقد استولى حلفاء تنظيم «القاعدة» على كميات منها.

سيطرة كاملة

ولم تسيطر التنظيمات التابعة لـ«القاعدة»، حتى الآن، على المعابر الحدودية الرئيسة من سورية إلى تركيا، لكنها تسيطر على الطرق والبلدات والقرى المحيطة بها، الأمر الذي يمكنها من الاستيلاء على الإمدادات، التي تأتي عبر هذه المنطقة ومصادرتها، وفق الخبير في معهد الشرق الأوسط، شارلز ليستر، الذي أوضح أن «تحالف المتشددين لديه سيطرة كاملة تقريباً الآن على مجريات الأمور عبر الحدود، ويجب أن تكون هناك وحدة بين المعارضة قبل اتخاذ المجتمع الدولي أي مخاطرة».

وتواجه المعارضة المعتدلة الآن خيارين وجوديين: إما الانضمام إلى التنظيمات المتطرفة والمخاطرة بالتعرض للقصف الروسي والأميركي، أو التحالف في ما بينها لمواجهة خطر المتشددين وحلفائهم، والمخاطرة بالهزيمة على الأرض من قبل ميليشيات «القاعدة» الأفضل تسليحاً.

في المقابل، لدى أنقرة وجهة نظر مختلفة، إذ تقدم للمعارضة، التي تدعمها بشكل كبير، خياراً آخر، هو مغادرة محافظة إدلب بالكامل، والتوجه شرقاً للانضمام لعملية «درع الفرات»، التي تقودها تركيا ضد مسلحي «داعش»، خصوم مقاتلي «القاعدة»، وتحاول الحكومة التركية إقناع واشنطن بقدرتها على تشكيل قوى بديلة عن القوات الكردية في سورية، للمشاركة في عملية تحرير الرقة من المتشددين.

إلا أن المعارضة المعتدلة في إدلب لا تريد مغادرة المحافظة حالياً لصالح المتطرفين، ويقول الضابط في «جيش النصر»، مهند جنيد، المدعوم أميركياً، إن «الثوار لا يريدون تسليم إدلب للمتطرفين والذهاب للقتال على جبهة أخرى»، موضحاً «سيستولي المتشددون على إدلب بالكامل، وهذا سيعطى النظام وروسيا مبرراً لقصفها».

يذكر أن «جيش النصر» خسر 69 عنصراً من مقاتليه الأسبوع الماضي، في اشتباك مع مقاتلي «القاعدة».

تويتر