أنتجت نقاشات خاطئة وانقسامات في المجتمع

الحملة الانتخابية في فرنسا تعيش أجواء حرب باردة

فيون تراجع إلى المركز الثالث في سباق الانتخابات الرئاسية. إي.بي.إي

تعيش الساحة السياسية في فرنسا حالة استنفار غير مسبوقة، منذ أن بدأت الحملة الانتخابية الرئاسية. وتشير استطلاعات، أجريت حديثاً، إلى تقدم زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبان، على حساب منافسيها في الأحزاب الأخرى. ويعاني مرشح اليمين، فرانسوا فيون، تراجع شعبيته بسبب الاتهامات بسوء استخدام السلطة في الماضي، أما التيار الاشتراكي، فلم يحسم أمره بعد في ظل التجاذبات بين المرشحين الرئيسين.

بينما تعرضت حملة فيون لهزة عنيفة، وترجحت خسارة لوبان، يرى مراقبون أن فوز ماكرون، إذا حدث، سيعبر عن رفض الفرنسيين لتحول دراماتيكي مثل الذي شهدته المملكة المتحدة، التي صوتت للخروج من الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة التي اختارت الملياردير المثير للجدل دونالد ترامب.

حرب أهلية باردة

يشبه أستاذ القانون في جامعة تولوز، ستيفان بومون، أجواء الحملة الانتخابية الرئاسية بـ«أجواء حرب أهلية باردة»، موضحاً «الأمر يتعلق بصراع معسكر ضد آخر، دون وجود سند اجتماعي». وعند تعليقه عن المطالبات الأكاديمية بتغيير النظام الانتخابي الحالي، قال الخبير القانوني إن «الفرنسيين سيعتقدون أن إلغاءه سيكون بمثابة ضربة للديمقراطية وقيم الجمهورية».

وأبدى مراقبون قلقهم جراء التراجع المستمر لفيون، الذي كان إلى وقت قريب المرشح الأوفر حظاً بالفوز في الانتخابات القادمة.

أما استطلاعات الرأي الأخيرة، فترجح كفة زعيمة اليمين المتطرف في الدورة الأولى بحصولها على 27% من الأصوات، يليها بفارق بسيط المرشح المستقل، إيمانويل ماكرون، الذي حصل على 25% من الأصوات، مسجلاً قفزة كبيرة، إذ ازداد رصيده أربع نقاط. ويرجع هذا التقدم إلى انضمام رئيس الحركة الديمقراطية، فرانسوا بايرو، إلى حملة ماكرون. أما فيون، فقد حل بالمرتبة الثالثة مسجلاً تراجعاً نسبياً. وقد أظهرت الاستطلاعات أن المرشح ماكرون سوف يهزم زعيمة اليمين المتطرف في الجولة الثانية من الانتخابات بـ58% من الأصوات.

يذكر أنه في عام 2002، واجه مرشح اليمين المتطرف، جان ماري لوبان، رفضاً شعبياً واسعاً، لدى وصوله إلى الدورة الثانية من الانتخابات، وصوت 82% من الفرنسيين ضده ليفوز جاك شيراك بالرئاسة حينها. أما اليوم، فمن المتوقع أن يقف 58% من الناخبين فقط في وجه خليفته وابنته مارين لوبان. ويعكس تقدم اليمين المتطرف عمق الأزمة التي تمر بها فرنسا حالياً، وفقاً لمحللين، مشيرين إلى المأزق الذي سوف تقع به البلاد، في حال فوز أيٍّ من المرشحين (لوبان أو ماكرون)، بسبب عجزهما عن تشكيل أغلبية برلمانية.

النظام الانتخابي في فرنسا فريد من نوعه في أوروبا الغربية، ففي معظم بلدان هذا الشطر من القارة، يكون رئيس الدولة إما ملكاً أو رئيساً منتخباً بشكل غير مباشر من قبل البرلمان. ويترك هؤلاء القادة إدارة معظم شؤون الحكم لرئيس الوزراء. لكن في فرنسا، يتم انتخاب الرئيس مباشرة من قبل الشعب، وله صلاحيات كبيرة، ما يجعله القائد الأقوى في أوروبا.

في 2014، انتقد كاتب العمود والمفكر الفرنسي، توماس لوغراند، النظام الانتخابي في بلاده، قائلاً «فلنتوقف عن انتخاب الرؤساء». ويعتقد لوغراند أن هذه الممارسة تنتج فقط «النقاشات الخاطئة والانقسامات، والاستقطاب المصطنع، والتقليل من شأن الآخرين». ويبدو أن آراء الكاتب باتت تنطبق أكثر على الحملة الرئاسية، التي تشهدها فرنسا هذه الأيام. إلا أن مراقبين يقولون إن ما يحدث من نقاشات وخروج عن المألوف، أحياناً، يدخل ضمن الأعراف والتقاليد؛ لكن تطور وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، أعطى للحملة بعداً مختلفاً هذه المرة.

وبينما تعرضت حملة فيون لهزة عنيفة، وترجحت خسارة لوبان، يرى مراقبون أن فوز ماكرون، إذا حدث، سيعبر عن رفض الفرنسيين لتحول دراماتيكي مثل الذي شهدته المملكة المتحدة، التي صوتت للخروج من الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة التي اختارت الملياردير المثير للجدل دونالد ترامب. كما سيكون اختيار ماكرون الذي يقود حزب «إلى الأمام»، رفضاً لليمين المتطرف والأحزاب التقليدية. وبالنسبة لليمين، فإن ذلك سيكون بمثابة رفض لـ«عظمة الجمهورية»، التي تركها الزعيم الفرنسي شارل ديغول، وبالنسبة لليسار، فإنه رفض لتحكم الدولة في الاقتصاد والحياة الاجتماعية.

وبعد عامين من توليه منصب وزير الاقتصاد، في عهد رئيس اشتراكي، الذي لم يكن يحظى بشعبية كبيرة، استطاع ماكرون العودة بقوة، والتغلب على مزاج من عدم الثقة واليأس تجاه الطبقة السياسية الفرنسية، في بلد ممزق شابته سنوات من البطالة المتفشية والتهديدات الإرهابية.

تويتر