وصفها المحللون بالاستراتيجية الانتحارية

عقبات أمام ترامب لعقد شراكـة مع روسيا في الشرق الأوسط

صورة

الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يريد أن يتخذ من روسيا شريكاً له في سورية، وهي واحدة من أفكار سياسته الخارجية، التي أعرب عنها باستمرار أثناء حملته الانتخابية، وأيضاً في الوقت الراهن، وتتمثل في أن الولايات المتحدة وروسيا حليفان طبيعيان لمكافحة الإرهاب، وأن المسرح المناسب لبدء هذا التعاون هو سورية، وضد تنظيم «داعش». والمبرر هو أن الولايات المتحدة وروسيا تشنان حرباً ضد «داعش»، وبالتالي فإن أفضل طريقة لهزيمة هذا التنظيم، تتمثل في الوصول إلى تقارب لصيق بين الدولتين. وفي مقابلة أجرتها معه قناة «فوكس نيوز»، رسم ترامب نوعاً من التكافؤ الأخلاقي المثير للجدل بين الولايات المتحدة وروسيا تحت رئاسة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ويعتقد أن «التعاون مع روسيا أفضل من عدمه»، ويضيف: «إذا كانت روسيا تساعدنا في معركتنا ضد (داعش)، وهي المعركة الكبرى، فإن هذا شيء جيد».

مشاعر ترامب في هذا الشأن ليست جديدة، إلا أنه في الأسابيع الأربعة الماضية، لمّح بشكل متكرر إلى أن هذا التعاون قد يكون ببساطة جزءاً من صفقة كبرى بين الولايات المتحدة وروسيا، توافق موسكو بموجبه على تعزيز التعاون في العمليات ضد «داعش» وفي مكافحة الإرهاب، مقابل أن تتخلى واشنطن عن العقوبات الاقتصادية على روسيا، والمتعلقة بعدوانها على أوكرانيا.

تغير الموقف الروسي

في محاولة للعمل مع روسيا لإنشاء (منطقة آمنة) جنوب سورية، على سبيل المثال، قد تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف تساعد فيه إيران على تعزيز خطوط الإمداد لـ(حزب الله)، ونفوذه في بلاد الشام، وهو احتمال تجده إدارة ترامب، ناهيك عن الإسرائيليين، أمراً مرعباً.


إذا حاول فريق ترامب عقد صفقة مع بوتين على حساب إيران، فعليهم أن يتوقعوا مناهضة وكلاء إيران في المنطقة المسلحين تسليحاً جيداً، في سورية والعراق، ليلعبوا دور المفسد الذي يحاول تقويض جهود مكافحة تنظيم (داعش)، وتحفيز القوى المدعومة من إيران، لاستهداف القوات الأميركية الضعيفة على الأرض في تلك البلدان.

وكان نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، قد صرح الأسبوع الماضي بأن قرار إدارة ترامب بشأن هذه العقوبات، سيعتمد على ما إذا كنا «سنرى نوعاً من التغير في موقف روسيا، والفرص المحتملة للعمل من أجل المصالح المشتركة»، بما في ذلك التعاون في مكافحة «داعش».

ويتوافق هذا المفهوم تماماً مع الأطر الشاملة لاستراتيجية ترامب الكبرى، وهي أن الصراع مع الإرهاب يتمثل في كونه صراعاً طويل الأمد، فضلاً عن كونه صراعاً وجودياً، ويتطلب الاستعداد لعقد صفقات مع أي لاعب تتشارك معه الولايات المتحدة، حتى ولو مجرد مصالح عابرة، والتطلع للحصول على موافقة بلدان أخرى، تستطيع أن تبذل المزيد من الجهد في العالم، بحيث يمكن للولايات المتحدة أن تتحلل من بعض أعباء القوة العظمى - كل هذه المفاهيم تتماشى مع سعي ترامب للدخول مع بوتين في شراكة، من أجل مكافحة الإرهاب.

بيد أن الدخول في شراكة مع روسيا في سورية، هو عبارة عن اقتراح ينم عن قصر النظر وانتحار استراتيجي، وهو في جميع الأحوال مشوب بالخطر، وينطوي على التنازل عن العقوبات المتعلقة بأوكرانيا لصالح هذا التعاون، كما سيكون فكرة سيئة للغاية لأسباب عدة.

على عكس ما يؤكد ترامب، في كثير من الأحيان، فإن حقيقة الحملة العسكرية الروسية في سورية، التي يريد ترامب مزاوجتها مع الجهود العسكرية الأميركية ضد تنظيم «داعش»، لم تأتِ إلى هناك في الواقع من أجل مكافحة الإرهاب.

ويتمثل هدفها الرئيس والوحيد، والذي نجح إلى حد ما في تحقيق ذلك، في حماية نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وتوطيد سلطته، وبالتالي حماية المصالح الروسية الاستراتيجية في سورية والشرق الأوسط الكبير. وهذا يعني أن الأغلبية العظمى من الضربات الجوية الروسية وغيرها من العمليات، لم تستهدف الجماعات المتطرفة، سواء كانت «داعش» أو «جبهة النصرة» (التابعة لتنظيم القاعدة السوري، والذي يطلق على نفسه الآن جبهة فتح الشام). وإنما استهدفت موسكو بدلاً من ذلك بقوة معظم المعارضة المعتدلة لنظام الأسد، والمدنيين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وذلك في محاولة للقضاء على أي جهة تعتبر بديلة ومعقولة سياسياً، ومقبولة دولياً لحكم سورية.

ومنذ بداية التدخل الروسي في سبتمبر 2015، استهدفت 85 إلى 90% من الضربات الجوية الروسية هذه المعارضة المعتدلة، وروسيا تخوض حرباً في سورية، لكنها بالتأكيد ليست حرب الولايات المتحدة.

التحالف مع الأسد

التعاون مع روسيا من المرجح أيضاً أن يعني التحالف مع الأسد، وهو شريك روسيا الصغير في هذا الصراع، وبالتالي يعني شراكة الولايات المتحدة مع نظام مسؤول عن أسوأ كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين. هذا الأسبوع، ذكرت منظمة العفو الدولية أن 13 ألف شخص شنقوا في سجن صيدنايا العسكري منذ عام 2011، بالإضافة إلى عدد لا يحصى من أشخاص آخرين لقوا حتفهم جراء التعذيب أو الظروف غير الإنسانية. وهذا ربما لا يعني ترامب في شيء، وهو الذي أكد (في الأغلب خطأ) أن «الأسد يقتل (داعش)».

وإذا ألقت الولايات المتحدة بثقلها مع القوات التي قتلت وتقتل عدداً لا يحصى من السوريين، معظمهم من السنة، في سياق الحرب الأهلية السورية، فإن هذا من شأنه أن يعزز المزيد من التطرف، الموجه ضد أميركا على المدى الطويل. وفي المرة القادمة عندما تضرب روسيا والأسد منطقة أخرى (في محافظة إدلب، على سبيل المثال)، وتجبر السكان على الاستسلام من خلال قصفهم وتجويعهم، فإن الولايات المتحدة ستكون أيضاً متواطئة.

عقبة إيران

وعلاوة على ذلك، من الصعب للغاية السعي لعقد أي نوع من الشراكات مع روسيا في سورية، دون التعثر في إحدى أولويات السياسة الخارجية لترامب، وهي مواجهة إيران. الأسبوع الماضي، وضع كل من ترامب، ومستشار الأمن القومي مايكل فلين، طهران «في دائرة الاهتمام»، حيث ذكر فلين أن أنشطتها المزعزعة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، لن تجد التسامح بعد ذلك، وسرعان ما أعلنت الإدارة فرض عقوبات جديدة مرتبطة ببرنامج إيران للصواريخ الباليستية. بيد أن إيران متحالفة مع بوتين والأسد في سورية، ولها مصلحة استراتيجية أساسية في الحفاظ على نظام الأسد. ومن المرجح أن تكسب إيران كثيراً من أي وضع تتخلى فيه واشنطن عن المعارضة السورية، وتنضم مع موسكو وحلفائها. وفي محاولة للعمل مع روسيا لإنشاء «منطقة آمنة» جنوب سورية، على سبيل المثال، قد تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف تساعد فيه إيران على تعزيز خطوط الإمداد لـ«حزب الله» ونفوذه في بلاد الشام، وهو احتمال تجده إدارة ترامب، ناهيك عن الإسرائيليين، أمراً مرعباً.

وقد تحاول إدارة ترامب التخفيف من هذا الخطر، من خلال تكييف تعاونها مع روسيا بشأنه، وتشترط أن يقطع نظام الأسد علاقته مع إيران و«حزب الله»، وأن يطلب من قواتهما مغادرة البلاد. إدارة ترامب بدورها، قد تحاول أيضاً الطلب من موسكو قطع مبيعات المعدات العسكرية لإيران. ونظراً للدور الواسع والعميق لإيران و«حزب الله» في المنطقة، تلعب الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران دور قوات الأسد على الأرض، ولهذا من المستبعد جداً أن يتخلى الأسد عن هذه الشراكة، وإذا حاول فإن طهران قد تدفع بقوة للعودة. وفي حقيقة الأمر فإن وقف إطلاق النار السابق، الذي تم توقيعه بمعزل عن إيران قد لا يصمد، وإن أي محاولة لطرد إيران تماماً من سورية، قد تضطر طهران للحفاظ على قدراتها العسكرية في المشرق العربي ودعم «حزب الله» ضد إسرائيل. وبالتالي، إذا حاول فريق ترامب عقد صفقة مع بوتين على حساب إيران، فعليهم أن يتوقعوا مناهضة وكلاء إيران في المنطقة المسلحين تسليحاً جيداً في سورية والعراق، ليلعبوا دور المفسد الذي يحاول تقويض جهود مكافحة تنظيم «داعش»، وتحفيز القوى المدعومة من إيران، لاستهداف القوات الأميركية الضعيفة على الأرض في تلك البلدان.

تويتر