تتميز بالصمود أمام منافسيها وبراعتها في المناورة على الذكور

ميركل تملك قواعد لعبة تمارسها على أمثال ترامب

صورة

قد لا تبدو المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، للوهلة الأولى شخصاً ليناً ، معسول الكلام، غير مهيب جسدياً، ولا يتمتع بجاذبية سياسية. لكن إذا اعتقد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أنه يستطيع تخويف المستشارة الألمانية للانقياد لأوامره، أو على الأقل البقاء بعيداً عن طريقه، فإنه يقلد بشكل ساخر بلطجة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. حيث أدرك بوتين الآن أن اقتصاده بدأ يدفع الثمن بسبب اختباره لهذه السيدة خلال أزمة أوكرانيا، وصار يعتبر ميركل وحدها، دون أقرانها الأوروبيين، «شخصا خطيراً»، يستطيع أن ينال منه، وفقاً لما يعتقده المنشق الروسي، ميخائيل خودوركوفسكي.

التفوق بالحيلة

- تشعر ألمانيا بالقلق العميق من أن ترامب سيدمر الاتفاقية الهشة في أوكرانيا، بالتخلي عن العقوبات المفروضة ضد روسيا، ما يجعل الحلف خافت الاهتمام، أو من خلال أي تدخل أو تخبط يتسبب في توسيع شقة الخلافات القائمة في الاتحاد الأوروبي.

- تفخر ميركل بنفسها لأنها حذرة ونزيهة، ورفضت حتى الآن أن تذعن لما يقوله ترامب مراراً وتكراراً، بأن سياساتها المتعلقة باللاجئين «خطأ كارثي».

وتتمتع المستشارة بسجل مذهل من التفوق بالحيلة والصمود أمام منافسيها، وبراعتها في المناورة على الذكور، وذلك قبل أن يظهر بوتين نفسه على الساحة السياسية. وتحتفظ بسجل ناصع في التخطيط والتعامل مع البلطجية، وليس من قبيل المصادفة أن تتوصل بشكل مدروس إلى خطة من خمس نقاط، صاغها كبير المستشارين في السياسة الخارجية للتغلب على ترامب.

ميركل تفخر بنفسها لأنها حذرة ونزيهة، وأنها رفضت حتى الآن أن تذعن لما يقوله ترامب مراراً وتكراراً، بأن سياساتها المتعلقة باللاجئين «خطأ كارثي». ولم تتوانَ في الرد بكل قوة على الحظر الذي فرضه ترامب على دخول اللاجئين والمواطنين من العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، مذكرة ترامب، بحدة، بأن الحق الدولي في اللجوء السياسي يعد جزءاً لا يتجزأ من اتفاقات جنيف. ولم تغلف حديثها في مؤتمر صحافي، الاثنين الماضي، بعبارات حلوة عندما أكدت أن «المعركة الحازمة ضد الإرهاب لا تبرر، بأي طريقة أو بأخرى، الشك العام إزاء مجموعة من الناس يدينون بدين واحد، وهم في هذه الحالة المسلمون، أو من ينتمون لخلفية معينة».

وبدءاً من ساعة الصفر لعهد ترامب، بدا أن المستشارة لا تلعب، وحتى عندما علمت ليلة الانتخابات أن ترامب سيصبح الرئيس الأميركي المقبل، أصرت على أن علاقة ألمانيا مع الولايات المتحدة لاتزال ضمن الحدود التقليدية لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، المبنية على أساس القيم المشتركة للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. وشددت على وجه التحديد على احترام «كرامة الأفراد، بغض النظر عن أصولهم أو لون بشرتهم، أو عقيدتهم أو جنسهم، أو آرائهم السياسية». وذكرت أنها على أساس هذه القيم ستقدم «التعاون الوثيق لرئيس الولايات المتحدة الأميركية المستقبلي، دونالد ترامب».

برلين قلقة

ويقول محللون في برلين إن الحكومة الألمانية قلقة للغاية من الرئيس الجديد وفريقه، وغير متأكدة ما إذا كان سيثير أي جدل في «الناتو». ومن بين قضايا ملحّة أخرى، تشعر ألمانيا بالقلق العميق من أن ترامب سيدمر الاتفاقية الهشة في أوكرانيا، بالتخلي عن العقوبات المفروضة ضد روسيا، ما يجعل الحلف خافت الاهتمام، أو من خلال أي تدخل أو تخبط يتسبب في توسيع شقة الخلافات القائمة في الاتحاد الأوروبي. وتحدث ترامب وميركل هاتفياً بعد ظهر يوم السبت، للمرة الأولى منذ تنصيبه، وناقشا على ما يبدو مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك «الناتو»، والوضع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والصراع في أوكرانيا، والعلاقات مع روسيا بما في ذلك العقوبات.

وعلى الرغم من أنها فوجئت بانتصار ترامب، سارعت الحكومة الألمانية من أجل التوصل إلى استراتيجية للتعامل معه. وفي الواقع فإن لدى ميركل خطة تعتمد على خبرتها الواسعة في التعامل مع النيات العدائية «سيادة الذكور».

التعامل مع الرجال

ويبدو أن الكثيرين نسوا اللحظات المبكرة الأساسية التي ساعدت على صعود ميركل السريع في السياسة الألمانية، وعلى وجه الخصوص تعاملها القاسي مع موجهها السياسي، المستشار السابق هيلموت كول. التحرك الدراماتيكي لميركل المثير للاهتمام في عام 1999 فاجأ البلاد والمفكرين اللامعين، الذين تساءلوا عن كيفية تعاملها مع الاستبداد، والتحدي الذي سيفرضه الذكور في السنوات المقبلة، وبوصفها زعيماً جديداً في الاتحاد الديمقراطي المسيحي، أعفت ميركل كول من منصبه رئيساً فخرياً للحزب بشكل لا يعرف الرحمة، رغم أنها ظلت تدين بمسيرتها السياسية برمتها له، بسبب احتفاظه بحسابات مصرفية سرية للحزب بملايين الدولارات، وباسم المبادئ عزلت كول بقوة من السياسة الألمانية.

بعد فترة وجيزة من سقوط جدار برلين، اختار كول هذه الأنثى المجهولة، البالغة من العمر 37 عاماً، من برلين الشرقية، التي تعمل في مجال الفيزياء، وليس لها سجل سياسي على الإطلاق، لتخدم في حكومته، واستطاع أن يرعاها لتتبوأ المناصب العليا للسلطة، وفي نهاية الأمر أصبحت عام 1998 رقم واحد في الاتحاد الديمقراطي المسيحي. وكان يشار إليها باسم «فتاة كول» ويبدو أنها قبلت بهذا الدور، وفي المقابل يقف كول رجل دولة ذا شهرة عالمية، يصنع التاريخ بوصفه مهندس توحيد ألمانيا، وإعادة تعريف الديمقراطية المسيحية الألمانية. بيد أن ميركل فعلت ما تراه صحيحاً، حيث إن الحسابات السرية لتمويل فروع الحزب كانت غير قانونية تماماً، وتمسكت بموقفها عندما صرخ في وجهها المخلصون للحزب: «الخائنة» و«قاتلة أبيها».

من جوانب عدة، فإن تخلص ميركل من كول ببرود شديد يعكس كيفية تعاملها المتوقع مع سلسلة طويلة من المنافسين الذكور في السياسة الألمانية، وكذلك كيف ستتعامل بعد سنوات من عملها كمستشارة مع أمثال الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، ورئيس الوزراء التركي السابق والرئيس الحالي، رجب طيب أردوغان، وبوتين، ويبدو أنها ستستخدم القواعد ذاتها مع ترامب. قبل تنصيبه بيوم واحد، أصدر مساعدها في السياسة الخارجية، كريستوف ويسغن، في خطوة غير مسبوقة تماماً، ورقة سياسة من خمس نقاط حول العلاقات عبر الأطلسي في عهد ترامب. ذكرت باختصار أن ألمانيا لن تدلل ترامب بالطريقة نفسها التي دللته بها رئيسه الوزراء البريطانية، تيريزا ماي.

صبر فولاذي

ما يميز ميركل أيضاً صبرها الفولاذي، ما يجعل من المستحيل أن تبتلع الطعم. وتقول كاتبة العمود في مجلة «دير شبيغل» الألمانية، كارولين فيتشر «إنها ليست مثل ميريل ستريب، التي تثيرها ردة فعل عاطفية من قبل ترامب»، وتضيف «لقد نشأت في السياسة الألمانية داخل حزب يهيمن عليه ذكور ألمان غربيون، يتميزون بصوتهم العالي، وكانت هي امرأة ألمانية شرقية، وكانت تراقبهم عن كثب لتحديد نقاط قوتهم وضعفهم، لكنها لم تقلدهم أبداً».

وتدعي فيتشر أن ميركل استخدمت هذا الاحتياط لمصلحتها مراراً وتكراراً. وتمضي قائلة «ميركل كانت تتعرض للتقليل من قدرها باستمرار، لأنها كانت أنثى، لكنها كانت تفكر وتراقب، وغالباً ما تبدو غامضة، لكنها تتوق للسلطة، ولا تشعر بالخوف من أحد، فهي ليست رجلاً، لكن لا يستطيع الرجال التلاعب بها، لأنها تصعب عليهم، ولا تلعب على رقعة الشطرنج نفسها التي يلعبون عليها، وهذا يسبب لهم الارتباك».

أما بالنسبة لحادثتها مع بوتين في 2007، فإن تلك الحادثة جعلته يحترمها حتى قبل هجومها عليه، بشأن ضمه شبه جزيرة القرم. ففي مقره الصيفي بمدينة سوتشي الروسية، ظلت ميركل، التي تخشى الكلاب، هادئة، وابتسمت بمرارة عندما استدعى بوتين كلبته كوني الضخمة السوداء، التي استقرت أخيراً عند قدمي ميركل. لكنها ظلت هادئة الأعصاب ورفضت أن تنتقد أو تهاجم بوتين في ما بعد، على الرغم من أن أحد المراقبين الألمان رأى أنه تعمد استفزازها بشكل جريء. وذكرت الصحافة الألمانية بعد الحادث أن ميركل قالت إن الذين يلجأون لمثل هذا النوع من التكتيك هم الأشخاص غير الآمنين، وهذا يساعد على استكشاف نقاط ضعفهم.

تويتر