خلافاً لبعض التكهنات

إدارة ترامب لن تتدخل عسكرياً فــي سورية

صورة

يدفع ائتلاف جديد من منظمات تتخذ من أميركا مقراً لها، بتدابير أكثر حدة ضد نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، إلا أن الحرب في سورية والسياسة في الولايات المتحدة قد اتخذتا مساراً جذرياً بعيداً عن هذا الهدف. وكان هذا الائتلاف، عند تشكيله في يوليو الماضي، يأمل أن تتشكل إدارة أميركية جديدة، برئاسة المرشحة الديمقراطية السابقة، هيلاري كلينتون، لتتخذ موقفاً أكثر حدة بشأن الحرب هناك، وتقدم الدعم للجماعات المسلحة المناهضة للأسد، لكن مع مجيء الرئيس دونالد ترامب لهذا المنصب بدلاً من هيلاري، أصبح لدى الائتلاف فرصة ضئيلة أو معدومة للترويج لهذه الفكرة.

الجيش السوري هو البديل الوحيد

أشار كاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست، ديفيد اغناتيوس، إلى لقاء جمعه مع قادة «حركة الحزم»، في الآونة الأخيرة، التي تعتبر أكثر الجماعات المسلحة «المعتدلة» الواعدة في سورية، في مخبأ في تركيا أواخر عام 2014. ويقول إنهم كانوا يشعرون بـ«القنوط»، لأن الولايات المتحدة نفذت غارة جوية نادرة على عملاء لتنظيم «القاعدة»، يعتقد أنهم يخططون لهجوم إرهابي على الغرب. وأخبروا أغناتيوس أنه بسبب القصف الأميركي فإن ما كان يسمى «جبهة النصرة» لن تتعاون بعد ذلك مع عمليات المجموعة. بعد الاجتماع تقريباً، قضت «جبهة النصرة» على «حركة حزم»، وجميع صواريخ تاو، والمعدات العسكرية الأخرى، التي زودتها بها الـ«سي آي إيه».

وتعكس رواية أغناتيوس حقيقة أساسية في جميع أنحاء شمال سورية، ظهرت للوجود اعتباراً من عام 2013 فصاعداً، والتي تجاهلتها ببساطة جميع التغطيات الإعلامية، وتتمثل هذه الحقيقة في أن جميع جماعات المعارضة تعمل تماماً داخل نظام سياسي عسكري، يسيطر عليه تنظيم «القاعدة». وأن الفكرة التي تؤكد أن المجموعة «المعتدلة» يمكن أن تكون حصناً ضد تنظيم «القاعدة»، وهي التي يروج لها الآن كل من ليستر، وكافاريلا، ومركز الأمن الأميركي الجديد، لم تعد ـ أي الفكرة - ذات صدقية حتى في تلك الأوساط التي كانت منفتحة لها من قبل في واشنطن.

إحدى الطرق التي تسعى هذه المجموعة من خلالها إلى التكيف مع الواقع السياسي الجديد تتمثل في حزمة من المقترحات تدعو إلى تدخل عسكري أميركي أعمق، نيابة عن المجموعات المسلحة التي تدعمها الولايات المتحدة، وذلك كجزء من خطة لمواجهة تنظيم «القاعدة»، أو ما تصف نفسها الآن بجبهة فتح الشام، إلا أن هذا المنطق يعتمد على رسم صورة مشوهة للعلاقات الإشكالية بين تلك المجموعات المفترض أنها «معتدلة»، وفرع تنظيم «القاعدة» في سورية.

تم تشكيل «المجموعة الاستراتيجية لمكافحة تنظيم (القاعدة) في سورية» في يوليو الماضي، من قبل مركز الأمن الأميركي الجديد، وتضم «المجموعة الاستراتيجية» أيضاً تشارلز ليستر من معهد الشرق الأوسط، وجنيفر كافاريلا من معهد دراسات الحرب، وكلاهما من دعاة استخدام الولايات المتحدة قوتها العسكرية مباشرة ضد النظام السوري لدعم المعارضة المسلحة.

بدأ هذا الائتلاف الجديد، الذي شكلته مؤسسات الفكر والرأي، اجتماعاته الصيف الماضي، عندما بدأ يلوح في الأفق أن السياسة في واشنطن أصبحت أكثر إيجابية، تجاه حملة سياسية من أجل تدخل أميركي حاسم في سورية.

ويعتبر مركز الأمن الأميركي الجديد الجهة الوحيدة التي تتمتع بالنفوذ السياسي للم شمل الائتلاف، للعمل تحت ظروف مواتية للغاية. وتشير كل التقارير إلى أن المؤسس والرئيس التنفيذي للمركز، ميشيل فلورنوي، وهو مسؤول سابق في الصف الثالث من مسؤولي وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، كان هو الخيار المحتمل لكلينتون لمنصب وزير الدفاع خلال الانتخابات الرئاسية التمهيدية في 2016، كما أن تقرير يونيو 2016 الصادر عن «مجموعة دراسة» للمركز ترأسها فلورنوي، يتماشى مع ما أعلنته كلينتون صراحة من تأييدها لتدخل أميركي أشد قوة في سورية.

وكان ذلك التقرير قد دعا إلى إعلان أميركي لـ«منطقة خالية من القصف»، بهدف توفير الحماية لجماعات المعارضة المسلحة، التي تزوّدها وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) بالسلاح، من الهجمات التي تتعرض لها من قبل قوات الحكومة السورية والروسية. ووصف فلورنوي تلك السياسة، في مقابلة، بأنها رسالة للحكومتين الروسية والسورية، مؤداها «أنكم إذا قصفتم من نؤيدهم، فإننا سننتقم من خلال تدمير القوات التي تدعمها روسيا بالوكالة، أو بمعنى أوضح قوات الحكومة السورية».

في الـ30 من سبتمبر، نشر ليستر مقالاً مطولاً يدعو الولايات المتحدة إلى تزويد جماعات المعارضة «المعتدلة» بصواريخ مضادة للطائرات تطلق من على الكتف، وكذلك تهديد الجيش السوري بشن هجمات إذا انتهك وقف إطلاق النار. وكان ليستر يأمل أن تتبنى «الرئيسة المحتملة كلينتون» هذا الخيار السياسي، بعد بضعة أشهر من دخولها البيت الأبيض.

الآن تسعى هذه المجموعة الاستراتيجية الجديدة لتسويق الاقتراح نفسه لترامب، واصفة إياه ـ أي الاقتراح - بأنه «سياسة شاملة وقائية لمكافحة الإرهاب، تساعد السوريين المعتدلين في التغلب على المتطرفين في سورية». مؤكدة أن تنظيم «القاعدة» يسعى للسيطرة على المناطق التي تسيطر عليها حالياً القوات «المعتدلة»، من أجل إقامة «نظام سني متطرف دائم في سورية».

إلا أن الحجة التي تقول إن هذه الجماعات المسلحة، التي دعمتها الولايات المتحدة في الماضي، ستكون مستعدة لمقاومة التنظيم على المدى الطويل، من خلال المزيد من المال والأسلحة والقصف الأميركي لسلاح الجو السوري، لن تلقى الآن آذاناً صاغية في واشنطن.

وفي الواقع، فإن ما تسمى الجماعات المسلحة «المعتدلة» لم تكن أبداً مستقلة حقاً عن تنظيم «القاعدة» في سورية، فقد اعتمدت هذه الجماعات على قوات منضبطة للغاية من تنظيم «القاعدة»، وأن أقرب حلفائها وبناة استراتيجيتها العسكرية هم قادة «القاعدة»، الذين فعلوا ذلك من أجل الضغط على نظام الأسد.

ويدرك ليستر نفسه هذه النقطة بوضوح، حيث لا يتوقع في خطته المقترحة، الداعية لاستخدام أميركا التهديد بالقوة العسكرية ضد النظام، أن تنهي هذه المجموعات «المعتدلة» تعاونها العسكري مع جبهة «فتح الشام»، أو تفصل فعلياً أفرادها المنخرطين في صفوفها، وكما تمت الإشارة إليه في اتفاقية وقف إطلاق النار في فبراير وسبتمبر الماضيين.

وذكر ليستر صراحة أن هذا التعاون «من غير المرجح أن ينحسر بشكل كبير»، ولو توافرت الظروف لتنفيذ اقتراحه عملياً. وبدلاً من ذلك، فإن خطة لستر تتمثل في إجبار الأسد على الدخول في مفاوضات. ومن الواضح أن ذلك الهدف لايزال يتطلب نجاح القوة العسكرية لحركتي «فتح الشام» و«أحرار الشام».

وليس من المرجح أن ينجح ليستر وزملاؤه، أعضاء الائتلاف، في تسويق هذا المقترح للإدارة الجديدة، على أساس أن أي من الجماعات المسلحة السورية التي تدعمها الـ«سي آي ايه» ستعمل بجدية على مقاومة جبهة «فتح الشام»، تحت أي ظرف من الظروف.

ولم تتبن القيادة العسكرية الأميركية في المقام الأول أبداً سياسة الاعتماد على تلك الجماعات المسلحة لتعزيز مصالح الولايات المتحدة، وتعترف بأنه على الرغم من العيوب الخطرة التي يتصف بها نظام الأسد، فإن الجيش السوري هو المؤسسة السورية الوحيدة الملتزمة بمقاومة كل من تنظيم «القاعدة» و«داعش». ويبدو أن إدارة ترامب من المرجح أن تعود إلى هذه النقطة خلال محاولتها ترميم سياستها في هذا الخصوص من رماد السياسة الفاشلة لإدارة أوباما.

غاريث بورتر صحافي استقصائي مستقل

تويتر