بعد قرار الأمم المتحدة الأخير

الاتحاد الأوروبي مؤهل لقيادة العالم ضد المستوطنات الإسرائيلية

صورة

ركزت معظم نقاشات قرار مجلس الأمن الدولي الذي يدين المستوطنات الإسرائيلية، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، على قرار الولايات المتحدة في الامتناع عن التصويت، بحيث سمحت بتمرير القرار. ولكن هذا القرار، الذي حمل رقم 2334، يفتح الباب أمام إجراءات عملية لتحدي الاحتلال الاسرائيلي الذي طال أمده، ويثبط من وضع الضم الإسرائيلي غير القانوني للأراضي الفلسطينية، عن طريق اتباع مثال سياسة التمييز الأوروبية، أي وضع علامة تميز بين منتجات إسرائيل ومنتجات المستوطنات. لقد كان القرار الأممي عبارة عن قاطرة قادمة، ولكن ببطء.

ومنذ وصوله إلى السلطة، حذر الرئيس باراك أوباما، مراراً وتكراراً، من النتائج التي تخاطر بها اسرائيل عن طريق مواصلتها مشروع الاستيطان، وأبرز ذلك كان في مارس 2013 خلال خطابه في القدس المحتلة، حيث حذر قائلاً: «نظراً إلى الإحباط الذي يعانيه المجتمع الدولي نتيجة هذا الصراع (الفلسطيني ــ الإسرائيلي) يتعين على اسرائيل التخلص من وضع الانعزال الذي تعيشه».

ويقوم وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بقرع ناقوس الخطر منذ زمن، حيث قال في خطابه الذي ألقاه في ديسمبر 2016 إن «ثمة خياراً أساسياً يتعين على الاسرائيليين القيام به، وهو: هل سيكون هناك استمرارية للمستوطنات، وهل سيكون هناك تنفيذ لسياسة المستوطنات، أو سيكون هناك فاصل بين الطرفين يؤدي إلى قيام حل الدولتين».

وخوفاً من تفويت أي من هذه الإشارات، فقد اعتبر تقرير هذا الصيف للرباعية الدولية في الشرق الأوسط، والمؤلفة من الاتحاد الاوروبي وروسيا والولايات المتحدة الأمم المتحدة، من أن الأنشطة الاستيطانية هي التهديد الرئيس لحل الدولتين، واضافة إلى هذا التعليق ظهرت تحذيرات متواترة، بما فيها تلك التي صدرت عن رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد)، مئير داغان، بشأن المخاطر التي تواجهها اسرائيل جراء ترسيخ «واقع الدولة نتيجة الاحتلال الدائم والصراع الذي لا ينسجم مع تحقيق طموح الشعبين».

 

القانون يسمح بتغيير الحدود عبر المفاوضات

لا يرفض قرار مجلس الأمن امكانية تغيير حدود ما قبل حرب 1967 عبر المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولا يفرض اتفاقاً نهائياً على أي من الطرفين. ولكن الأمر الذي يشدد عليه وبوضوح هو موقف السياسة الدولية منذ أمد بعيد الذي مفاده أن الاراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، هي أراضٍ محتلة. ويذهب هذا النوع من التوضيح شوطاً بعيداً في مواجهة محاولات اسرائيل الخلط بين أراضيها وأراضي الضفة الغربية التي أنشأت عليها المستوطنات، وكذلك محاولات إسرائيل نفي أو تهميش الحماية المخصصة للفلسطينيين بموجب القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.


منذ وصوله إلى السلطة، حذر الرئيس باراك أوباما، مراراً وتكراراً، من النتائج التي تخاطر بها إسرائيل عن طريق مواصلتها مشروع الاستيطان، وأبرز ذلك كان في مارس 2013 خلال خطابه في القدس المحتلة.

وخلال الأيام الجارية تبدو إسرائيل غير مكترثة بالتهديدات السابقة بالطريقة ذاتها التي ترفض فيها الادانات الدولية لنشاطاتها الاستيطانية، حيث رفضتها بصورة مطلقة.

ولكن الأمر الذي زاد من قلق إسرائيل بصورة متكررة كان اجراءات الاتحاد الأوروبي للتفريق بين إسرائيل ومستوطناتها.

وكانت الخطوات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة قد أثارت نوعاً من الهستيريا في الحكومة الاسرائيلية شبيهة بما حدث أخيراً عند صدور قرار مجلس الأمن. وأهم تلك الخطوات قرار استثناء الكيانات الاستيطانية من مشروع «هورايزون» للبحث والتنمية عام 2020، ونشر دليل بشأن وضع علامات مميزة على بضائع المستوطنات في نوفمبر 2015.

وربما تكون مثل ردود الأفعال هذه غير مفاجئة، إذ إن اجراءات التمييز تمثل تحدياً علنياً لمحاولات اسرائيل لتطبيع مشروعاتها الاستيطانية، ويقصد بهذه الجهود التأكيد على أن علاقات الاتحاد الاوروبي الاقتصادية والاكاديمية والدبلوماسية مع اسرائيل لن تؤدي إلى تقويض حل الدولتين. ويقترن ذلك مع الجهود المنسقة لإثارة الوعي لدى شركات الاتحاد الأوروبي بالمخاطر القانونية والمالية والأخلاقية الناجمة عن القيام بصفقات تجارية مع المستوطنات الاسرائيلية.

وثبت أن التمييز كان أداة فعالة لإضعاف الهيكلية التحفيزية التي تؤيد الدعم الاسرائيلي المتواصل لحالة الاحتلال، والتوسع الاستيطاني باعتباره وضعاً راهناً. وتعمل مطالبة اسرائيل على تقبّل شروط التمييز الذي يفرضه الاتحاد الاوروبي، على تسليط الضوء على التناقضات الكامنة في رغبة اسرائيل في توسيع علاقاتها الدولية، على الرغم من أنها تعمق سيطرتها على الأراضي الفلسطينية. وفي الحالات الماضية، كانت الحكومة الاسرائيلية توافق في نهاية المطاف على تنفيذ التمييز الداخلي الخاص بها عن طريق التمسك بأهمية حدود ما قبل حرب 5 حزيران عام 1967، والمعروفة بالخط الأخضر (وهي الحدود المستقبلية للدولة الفلسطينية)، بهدف مواصلة الحصول على تلك الجوانب من علاقاتها الثنائية مع الاتحاد الأوروبي، التي تعتبرها مهمة وقيّمة.

وهذا هو شرط التمييز الذي أشارت اليه الفقرة 5 في القرار 2334 التي «تدعو جميع الدول إلى التمييز في معاملاتها بين الأراضي الاسرائيلية وتلك التي احتلتها عام 1967». وللمفارقة فإن مثل هذه الشروط كانت متضمنة في مسودة الاستنتاجات التي توصل اليها مجلس الشؤون الخارجية التابع للاتحاد الاوروبي في يناير عام 2016، ولكن في النهاية تمت إزالتها، بعد أن ضغطت اسرائيل على أعضاء الاتحاد.

وينبغي النظر إلى مصادقة مجلس الأمن الدولي على فكرة وممارسة التمييز، باعتبارها إشارة إلى اوروبا كي تضاعف من اجراءات التمييز التي تتخذها، كما أنها دعوة للدول الأخرى والكتل التجارية كي تتبع هذا الإجراء. وبصورة خاصة كتلة الدول المعروفة بـ«ميركوسر» والدول الاعضاء فيها، هي الارجنتين والبرازيل والبراغواي، والاوروغواي، وفنزويلا، والتي تعطي اتفاقاتها التجارية الحرة مع اسرائيل حالياً منتجات المستوطنات أفضلية في التعرفة الجمركية.

ويعتبر تقديم الوضوح بالقانون مسألة حيوية بالنسبة للمعاملات التجارية المتعلقة بالمستوطنات الاسرائيلية، في وقت أعربت فيه محكمة الجزاء الدولية عن استعدادها للنظر في الجرائم الناجمة عن استغلال الموارد الطبيعية ونزع الملكية غير القانوني للأراضي. وتأتي أيضاً في الوقت الذي ينشط فيه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بقواعد معلومات تجدول فيها المشروعات التجارية وأنشطتها داخل المستوطنات أو متعلقة بها.

والتأكيد على عدم مشروعية المستوطنات وواقع الاحتلال في الأراضي الفلسطينية يثبت أنه مفيد بالنسبة لـ(الفيفا)، اذ إنه سيقوم بدراسة مستقبل الفرق الاسرائيلية الموجودة في المستوطنات ومشاركتها في نظام الدوري الإسرائيلي تحت رعاية اتحاد الكرة الأوروبي.

واضافة إلى كل ذلك ينبغي النظر إلى القرار 2334 باعتباره خطوة متأخرة نحو تعبئة الاجماع الدولي لحماية حل الدولتين وحقوق الفلسطينيين. ولكن لمنح القرار التأثير الحقيقي ينبغي على دول العالم البناء عليه بطريقة تربط مواده بالقانون الدولي، ومسؤولية الدولة الثالثة. وعلى الرغم من أنه يمكن توقع إنجاز مزيد من التطور عبر هذا القرار بعد خطاب الوزير كيري والأيام الأخيرة من ادارة أوباما، يقع على عاتق الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي دور القيادة والريادة خلال السنوات المقبلة، بينما تكون الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب.

تويتر