من غير المرجح أن تحقق العدالة للسوريين

آلية دولية مستقلة لملاحقة مجرمي الحرب في سورية

تطبيق الآلية الدولية المستقلة لملاحقة مجرمي الحرب في سورية يبدو أمراً مستبعداً في الظروف الحالية. أ.ف.ب

لم يتحرك العالم على الرغم من كل الفظائع التي ارتكبت في سورية، لكن بعض التطورات الأخيرة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تبعث على الأمل، وقد تكون أساس الجهود الضرورية لتحقيق نوع من العدالة في سورية. وبمبادرة من مجموعة تقودها قوى صغيرة أو متوسطة، مثل كندا وإمارة ليختنشتاين، حققت المنظمة الأممية إنجازاً تاريخياً في 21 من ديسمبر الماضي. لقد صوّت أغلب الأعضاء لمصلحة قرار بإنشاء «آلية دولية مستقلة غير منحازة» للمساعدة في التحقيقات والملاحقة القضائية، ضد مسؤولين ارتكبوا أخطر الجرائم في سورية منذ مارس 2011، وفقاً للقانون الدولي. وسيتم التفويض لأعضاء الآلية للعمل من أجل جمع الأدلة على الجرائم الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان في سورية، بهدف تسهيل العمل المستقبلي للقضاء الدولي.

هناك مؤسسات مدنية، مثل «منظمة العفو الدولية» و«مرصد حقوق الإنسان»، توثق الانتهاكات والجرائم.


جرائم خطيرة

جرائم الحرب والتعذيب، وبعض أنواع الجرائم الخطيرة التي تنتهك القانون الدولي، تخضع للولاية القضائية الدولية، وهو ما يعني وجود ولاية قانونية للنظام القضائي الداخلي للدول في التحقيق في بعض الجرائم ومحاكمة المتهمين، حتى لو وقعت خارج أراضي الدولة، من قبل أو ضد أحد مواطنيها. وتلزم بعض الاتفاقات، مثل اتفاقات جنيف لعام 1949 واتفاقية مناهضة التعذيب، الدول الأطراف بتسليم وملاحقة الجناة المشتبه فيهم، الموجودين داخل أقاليم الدول الأطراف أو الخاضعة لولايتها القضائية.

ويخول القانون الدولي للدول محاكمة الأشخاص المسؤولين عن جرائم أخرى، مثل الإبادة الجماعية أو الجرائم ضدّ الإنسانية، بصرف النظر عن المكان الذي وقعت فيه. وتعتمد إمكانية النظر في القضايا، التي لها ولاية قضائية عالمية لدولة معينة، على المنظومة الجنائية والقوانين الداخلية للدولة المعنية، والأدلة المتاحة التي يُمكن أن تقبل بها المحاكم في ذلك البلد لفتح ملاحقة قضائية.

إنشاء محكمة وآلية خصوصاً لن يكون الحل للأزمة السورية، لكن صدور قرار من مجلس الأمن يساند دور محكمة دولية في سورية سيبعث بإشارة مفادها أن المحكمة والدول الأعضاء جادتان في وضع حد لحالة الإفلات من العقاب الحالية في سورية.

بالتأكيد، هذه المبادرة إيجابية وذات أهمية كبيرة، إلا أن تطبيقها على أرض الواقع يبدو أمراً مستبعداً في الظروف الحالية، ومن غير المرجح أن تؤدي إلى محاسبة جادة، وتحقق العدالة للسوريين، خصوصاً على المدى المنظور.

في الواقع، لا تملك الجمعية العامة الصلاحية لإنشاء محكمة دولية أو لإجبار الدول على التعاون معها في التحقيقات، وبالتالي فمن دون موافقة الحكومة السورية أو موافقة مجلس الأمن، وكلاهما غير متاح حالياً، لا يمكن تأسيس محكمة فاعلة بناءً على قرار الجمعية العامة.

وفي حال تم تطبيق «آلية دولية مستقلة غير منحازة» بشكل جيد، سيتحقق أمران مهمان: الأول محاسبة المسؤولين عن الجرائم في سورية، وثانياً حل مشكلة التكاليف ووتيرة المحاكمات غير الفاعلة، وهما عقبتان تقفان في طريق محاكم جرائم الحرب. وتأمل الدول الداعمة للقرار أن ينضم إليها مزيد من البلدان بمجرد الاتفاق على إطار المحكمة، وبعد ذلك يقوم الأعضاء ببلورة الآلية وكيفية عملها.

في غضون ذلك، يشير مراقبون إلى تعقيدات تعتري المسألة، ويتساءلون عن الجهات التي ستمول هذه الآلية، ومن سيكون المسؤول عنها ومدى صلاحياتها.

كتبت في وقت سابق (الحديث للكاتب) عن نشأة «سوق» لمؤسسات العدالة الدولية، إذ أنتج العجز بين العرض وطلب المحاسبة، خصوصاً في الحالة السورية، تنافساً بين المؤسسات القضائية وآليات المحاسبة. هناك مؤسسات مدنية، مثل «منظمة العفو الدولية» و«مرصد حقوق الإنسان»، تقوم بتوثيق الانتهاكات والجرائم. وتعمل لجنة التحقيق الخاصة بسورية، التي أنشأها «مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان»، على دراسة الأدلة على وقوع جرائم، وإعداد تقارير في هذا الشأن. لا تملك محكمة العدل الدولية صلاحية العمل في سورية، لكن يمكن أن تحقق في تجاوزات المقاتلين الذين يحملون جنسيات دول أعضاء في المحكمة.

هناك منظمة خاصة غير ربحية، وهي لجنة العدالة والمساءلة الدولية (سيجا)، يجمع المحققون العاملون فيها الأدلة على الأرض منذ 2012، بهدف إعداد ملفات متكاملة وجاهزة للمحاكمة من قبل الجهات القضائية المختصة.

وعلى الرغم من أنها متفقة على أهداف مشتركة، إلا أن هذه المنظمات والمؤسسات تختلف في ما بينها أحياناً، إذ تملك كل منها رؤية مختلفة في ما يخص طرق الوصول إلى محاسبة المسؤولين عن الجرائم، وتدافع عن وجهات نظرها بقوة. وشكلت الأزمة في سورية اختباراً حقيقياً لهذه المؤسسات التي تعتبر أي تطورات في عمليات التحقيق خطراً يهدد مصالحها. وبات لدى التعاون بين مختلف المؤسسات والهيئات، التي تعمل على تحقيق العدالة في سورية، رؤية جديدة، وذلك بفضل هذه الآلية الدولية المستقلة، التي قد تعتمد على الإمكانات والموارد المتاحة للجنة «سيجا»، وللجنة التحقيقات في سورية، وأي جهة تحقيق محلية. وباعتمادها التحقيقات والدراسات التي أنجزت منذ 2011، لا تحتاج البلدان الداعمة للآلية إلى إنشاء وتمويل آلية جديدة حول الجرائم في سورية.

أما البلدان الراعية للمبادرة الجديدة فليس عليها أن تقلق، لأن العديد منها ممول رئيس لـ«سيجا». وتتميز «سيجا» عن الهيئات الأخرى بأن بإمكان موظفيها التحقيق على الأرض خلال الصراع، الأمر الذي يتيح لها الحصول على أدلة صالحة للتحقيق، ما قد يسرع العملية القضائية.

وطورت «سيجا» علاقة جيدة مع قوات المعارضة السورية، ما يجعلها لا تحقق في ممارساتها، وتركز على جرائم الحكومة وتنظيم «داعش»، وذلك بفعل طبيعة عملها. وهذا يعرضها للوقوع في مشكلة أخرى تعانيها محاكم العدل الدولية، وهي ملاحقة طرف واحد في الحرب دون الآخر.

وفي غضون ذلك، تناقش دول أوروبية إمكانية محاسبة مجرمي الحرب السورية في المحاكم الأوروبية، وذلك بفضل ناشطين سوريين في «مجلس حقوق الإنسان» في جنيف، الذين طرحوا المشكلة أمام مندوبي الدول الأوروبية، وركزوا على إمكانية فتح المجال أمام محاكمها لمحاكمة منتهكي حقوق الإنسان، ومرتكبي الجرائم في سورية. لكن المحاولة واجهت صعوبة كبيرة، إذ لا توجد لأي من تلك البلدان صلاحية ضبطية لجلب المتهمين وتقديمهم للمحاكمة.

مارك كريسن باحث في كلية الشؤون الدولية بجامعة تورونتو.

تويتر