اختارته مجلة «تايم» الأميركية رجل العام

ترامب فهم اللعبة وفاز بمخـاطبته مشاعر «المنسيين»

استطاع ترامب أن يخاطب إحساس الناخب. غيتي

اختارت مجلة «تايم» الأميركية الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، شخصية العام في آخر عدد أصدرته، وتقول عن ذلك في فاتحة حديثها عن هذا الاختيار: «هذه هي المرة الـ90، التي نختار فيها اسم شخص له تأثير كبير، سواء للأفضل أو الأسوأ، في أحداث العام، والتحدي الذي يواجه دونالد ترامب هو أن البلاد أصبحت منقسمة بشأنه، بشكل عميق جداً».

وتحدثت المجلة عنه بإسهاب، موضحة أنه «من الصعب قياس حجم التغيير، الذي سيخلقه بارون العقارات، وصاحب الكازينو، الذي تحول لنجم في تلفزيون الواقع، ولم يقضِ يوماً واحداً في الوظائف العامة»، وتضيف «الآن يستعرض الخراب، الذي حاق بالصرح السياسي الكبير، الذي كان يظلل الأحزاب، والنقاد والجهات المانحة واستطلاعات الرأي، وكل أولئك الذين لم يكونوا يتوقعون مجيئه أو لم يأخذوه على محمل الجد، ومع كل ذلك يستعد ترامب لرئاسة البلاد، إما نحو الأفضل أو الأسوأ».

وفاز ترامب بشخصية هذا العام، متقدماً في المجلة على خمسة منافسين آخرين، من بينهم منافسته في الانتخابات الرئاسية هيلاري كلينتون، والمغنية بيونسيه، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لتختاره المجلة «الشخص الذي له أكبر تأثير، للأفضل أو للأسوأ، في أحداث العام».

ويأتي إعلان مجلة «تايم»، بعد يومين فقط من فوز رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، بشخصية العام، لعام 2016، في استطلاع طرحته المجلة للقراء على الإنترنت، وفاز أيضاً في استطلاع عام 2014، وهو العام الذي انتخب فيه رئيساً للوزراء.

وبالنسبة للذين يعتقدون أن انتصار ترامب هو فاتحة خير للأفضل، فقد ظلوا يعانون غطرسة الطبقة الحاكمة، أما بالنسبة لأولئك الذين يرون أن رئاسته للأسوأ، فيعتقدون أن آثاره التدميرية ستمتد إلى التقاليد المرعية من الكياسة والخطاب، والسم المدسوس في السياسة من قبل تيارات عنصرية، ومشاعر من التمييز على أساس النوع، والمواطنة، وبالنسبة للمؤمنين به فإنهم يعتبرونه عنصراً لتغيير تاريخي واسع وعميق، وهو لمنتقديه شخص يلهم الخوف على حد سواء، لما قد يفعله هو وما قد يتم فعله باسمه.

نصير المنسيين

كلينتون لم تقدّر عمق شعبية ترامب

سيسجل التاريخ أن المرشحة الديمقراطية للرئاسة، هيلاري كلينتون، فهمت القوى الاقتصادية التي سمحت للمرشح الجمهوري دونالد ترامب بالفوز، لكن ما لم تفهمه هي وفريقها تماماً، هو عمق الشعبية التي كان يبحر فيها ترامب، وهي فكرة أن النخب تحتشد ضد الناس العاديين، وأنه هو الرجل الكبير، الرجل القوي، الرجل الصدامي، الرجل الذي ينشد التغيير، ورجل الترفيه، الذي يستطيع إعادة صياغة خصائص الانتخابات.

يقول آخر مدير لحملات ترامب، كيليان كونواي: «لا يمكنك أن تقلل من دور رد الفعل العنيف ضد تصحيح مسار السياسة»، و«نحن ضد النخبة»، وأشار رئيس حملاته السابق، بول مانافورت، إلى ذلك بشكل أكثر دقة إلى حد ما: «لقد شعرنا دائماً بالراحة، أنه عندما كان الناس ينتقدونه ويتهمونه صراحة، كان الناخبون الأميركيون يستمعون له أيضاً».

رفض المثقفون ترامب في الحياة العامة، لأنه «سوقي، استعراضي، يحب الأضواء، شحيح المضمون». لكن ما لم يدركه النقاد هو أن ازدراءهم له نفث فيه القوة، فقد ظل الرجل لسنوات عدة يتغذى على مهاجمة الآخرين وعدم احترامهم، وساعده ذلك على استقطاب المزيد من العناوين في صحف التابلويد، والارتباط بعامة الناس. الآن قلب قيادة الحزبين السياسيين الرئيسين رأساً على عقب، وحول بشكل فعال الاتجاه السياسي للنظام الدولي. وسوف يحظى قريباً بالقيادة العسكرية الأكثر قوة، جنباً إلى جنب مع الآليات الاقتصادية الضخمة، التي يمكن أن تغير حياة المليارات من البشر. أما الذين سيشكرهم فهم أولئك الذين يطلق عليهم «المنسيين»، وهم ملايين الناخبين الأميركيين الذين يتقاضون رواتبهم بالساعة، والذين هم عبارة عن نقاط على مسافة بعيدة.

زعيم المسحوقين

وهذا موضوع يرغب ترامب في مناقشته، كلما استقر في غرفته لتناول الطعام، ذات السقف المزدوج وطاولتها المصنوعة من الرخام. وهامش الفوز الذي حققه في ولاية فرجينيا الغربية كان كبيراً، وهي الولاية التي تعج بمناجم الفحم، وصارت أعداد مؤيديه تتزايد كلما اقترب موعد الانتخابات. يعتريه التناقض والذي يطلق عليه «الشيء المثير للاهتمام»، وهو موجود في صميم خطابه. ويقول عن ذلك «ما يذهل الكثير من الناس هو أنني أجلس في شقة، مثل التي لم تخطر على قلب بشر»، ويستطرد «وعلى الرغم من ذلك فإنني أمثل عمال العالم». ربما كان الزعيم الكوبي الراحل، فيدل كاسترو سيبصق سيجاره، إذا سمع أن مليارديراً يروج لشعارات البروليتاريا. لكن ترامب لا يهتم بذلك، ويمضي قائلاً: «أنا من أمثلهم، وهم يحبونني وأحبهم». ويتابع حديثه عن مواطني ويسكونسن، وميشيغان وأوهايو وبنسلفانيا، وتلك الأجزاء من البلاد التي تكافح الركود وشح الموارد وانحسار أعداد السكان حول منطقة البحيرات العظمى، التي جعلت فوزه حقيقة.

آخر صفقة

منذ ما يقرب من 17 شهراً، خلال الحملة الانتخابية، أقدم ترامب على ما لم يقدم عليه سياسي أميركي آخر في جيل واحد، وبتحدٍّ واضح. وبدلاً من رسمه رؤية مشرقة لمستقبل يجمع الجميع تحت هدف واحد، تسبب في تضخيم الانقسامات الحالية، وخلق مستويات جديدة من الغضب والخوف داخل بلاده. ومهما كان رأي الكثيرين في الرجل، فإن مثل هذا الفعل لا يمكن إنكاره، وكشف عن فرص أخرى لم يعتقد الكثيرون أنها موجودة أصلاً، وهي التي تمثل أكبر وأحدث صفقة «لبائع» في القرن الـ21. واعتقدت الصحافة الوطنية، وعروض الكوميديا في وقت متأخر من الليل، والقادة المنتخبين والجهات المانحة، ورؤساء الشركات والرئيس الحالي، الذي ترك الميكروفون قبل الأوان، أنه سيخدع البلاد.

لكن من الصعب الآن أن نحصي جميع الطرق والأساليب، التي استخدمها ترامب لإعادة صياغة اللعبة: أصبح البائع المتجول أكثر واقعية من الناثر السياسي الإيجابي، وجعل استطلاعات الرأي تبدو كأن المستطلعة آراؤهم من المغفلين. واستطاع الرجل أن يستقطب الصحافيين، الذين ظلوا يتجادلون من أجل فصل الحقيقة عن الباطل، واستطاع هذا الغوغائي أن يحصد أصواتاً لاتينية وسوداء أكثر من المرشح الجمهوري في عام 2012.

أوباما

لقد فطن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في وقت مبكر ذات مرة عام 2005، عندما كان عضواً منتخباً لتوه في مجلس الشيوخ، لعبارة «المنسيين»، خلال إلقائه خطاب حفل التخرج في كلية نوكس بغلسبورغ، وكانت تلك العبارة هي جواز مروره للبيت الأبيض في ما بعد، يقول أوباما «لعلكم تعرفون هذا التحدي الجديد، إنكم تشاهدونه حقيقة فعندما تقود سيارتك بجانب مصنع ميتاغ القديم في وقت الغداء تقريباً، لن تجد أحداً يسير هناك، فكأنما غيّر شخص ما القواعد في منتصف اللعبة، ولا يريد أي شخص أن يخبر هؤلاء القوم بما يجري بالفعل».

وكما أوضح أوباما أن جهات تخنق الوعد الأميركي تدعمها قوات اقتصادية هائلة. وكان وعده، الذي كرره في خطابه الأخير في إعلان تلفزيوني لمدة 30 دقيقة عام 2008، يشير للتغيير من أجل مساعدة أولئك الذين يحتاجون إليه، وتوفير الأمن لأولئك الذين يشعرون بأنهم ينزلقون نحو الخطر. وبعد أربع سنوات، عاد لقواعد اللعبة نفسها التي مارسها لهزيمة المرشح الجمهوري، ميت رومني، معتبراً إياه أنه أساء استخدام الأسهم الخاصة بهدف إفلاس ديترويت.

تويتر