القارة تتخبّط في مشكلات داخلية

أوروبا لا تستطيع معارضة الإدارة الأميركية المقبلة

صورة

تضاربت التحليلات، أخيراً، حول الاستراتيجية التي ستتبناها أوروبا في المستقبل. وتبدو التوقعات بأن تحقق أوروبا انطلاقة جديدة غير واقعية، في وقت تواجه فيه القارة صدمة جديدة باستقالة رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رنزي. ويشهد العالم حالياً إعادة ترسيم للمصالح، بانتخاب دونالد ترامب، حتى قبل تسلمه السلطة بشكل رسمي. لمدة شهر تقريباً، الجميع سيراقب كل الدلائل من برج ترامب في نيويورك، في محاولة لتخمين السياسة الخارجية للإدارة الأميركية المقبلة، وكل المعلومات القادمة من هناك تتلخص في كلمة واحدة: الغموض.

تعاني القارة الأوروبية من مشكلات داخلية؛ منها خروج بريطانيا والتحولات في أوروبا الوسطى وتوتر العلاقات مع تركيا، والآن تواجه أزمة في إيطاليا. ويجدر بأوروبا أن تستفيق قبل أن تكتشف أن العالم قد تغير من دونها. يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يقرر سريعاً، قبل أن يتولى الرئيس الأميركي الجديد مهامه في الـ20 من يناير، ما إن كان سيعارض الإدارة الجديدة في حال سلكت نهجاً يهدد مصالحها. ويجب على الكيان الأوروبي أن يرسم «خطوطاً حمراً» لا يجب أن يتخطاها حليفه الرئيس.

• يوشك الاتحاد الأوروبي أن يواجه اختباراً صعباً مع مجيء الإدارة الأميركية الجديدة، إلا أن الوقت غير مناسب تماماً، فالقارة تعاني مشكلات سياسية واقتصادية حادة، والجميع يحبس الأنفاس كلما اقترب موعد انتخابات عامة. المواعيد الانتخابية باتت تعرقل اتخاذ القرارات الحاسمة الاستراتيجية الرئيسة.

لن تكون المرة الأولى؛ فقد عارضت فرنسا وألمانيا مغامرة إدارة جورج بوش الابن في العراق، قبل 13 عاماً، في حين أن المملكة المتحدة بقيادة توني بلير، وبلدان وسط وشرق القارة وقفت وراء واشنطن كرجل واحد. فهل يمكن لأوروبا أن تقول «لا» في وقت تنسحب فيه بريطانيا من الاتحاد.

يوشك الاتحاد أن يواجه هذا الاختبار مع مجيء الإدارة الأميركية الجديدة، إلا أن الوقت غير مناسب تماماً، فالقارة تعاني مشكلات سياسية واقتصادية حادة، والجميع يحبس الأنفاس كلما اقترب موعد انتخابات عامة، فالمواعيد الانتخابية باتت تعرقل القرارات الاستراتيجية الرئيسة.

هل يجب إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، الذي وصفه ترامب بالكارثة وهدد بتمزيقه؟ المقربون للرئيس المنتخب والمسؤولون في تل أبيب لم يستسيغوا يوماً هذا الاتفاق. ويسود الاعتقاد بأن طهران لم تحترم وعودها ولم تقلل نشاطها في الشرق الأوسط، وأن الحرس الثوري ينشط بشكل غير مسبوق في العراق وسورية واليمن وغيرها.

لكن الأوروبيين لا يرون الأمور على هذا النحو؛ إذ إنهم يدركون جيداً مدى تعقيد الوضع الإيراني، إنهم يشعرون بأن هذا الاتفاق هو الشيء الجيد الوحيد في منطقة تعيش حالة من الفوضى والاضطراب، وأن فشله يعني على وجه التحديد انتصاراً للحرس الثوري، الجناح المتشدد للنظام الإيراني. مصلحة الأوروبيين تكمن في إنقاذ هذا الاتفاق، حتى من دون الولايات المتحدة.

يحتاج الاتحاد الأوروبي للإرادة والقدرة السياسية من أجل معارضة الإدارة الأميركية الجديدة في ما يخص الاتفاق النووي الإيراني، على اعتبار ان الاتحاد كان مفاوضاً رئيساً. كما أن القارة تقع جغرافياً بالقرب من منطقة الشرق الأوسط، التي تشهد حالة من عدم الاستقرار منذ فترة طويلة.

يقول المطلعون على الشأن الأميركي إنه عندما تسمع ترامب يقول «أميركا أولاً» فيجب أن يفهم من كلامه «أميركا فقط». وهذا يعني رؤية تركز على مصالح اميركا، دون أخذ مصالح حلفائها في عين الاعتبار بشكل كبير، وربما تكون هذه النظرة الأميركية تنطبق على «قارة عجوز» مثقلة بالمشكلات. وينصح محللون بلدان اوروبا بأن يستفيقوا وألا يتوقعوا أن يجدوا آذاناً صاغية في البيت الأبيض، مستقبلاً. للأسف من المستبعد الجزم بأن الأوروبيين قادرون على تحقيق انطلاقة في هذا الصدد، والاتحاد يمر بمنطقة «مطبات سياسية واقتصادية واجتماعية» صعبة للغاية. والأمر يعود، إذاً، للأعضاء الرئيسين ــ ألمانيا وفرنسا وإيطاليا ــ أن يثبتوا إن كانوا قادرين على مواجهة التحديات المقبلة.

بيار هاسكي - كاتب ومحلل سياسي

تويتر