على الرغم من بلوغه 81 عاماً من العمر

عباس يتخلص من معارضيه.. ويكرّس زعامته للفلسطينيين

صورة

خرج رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، منتصراً ومحققاً كل ما كان يصبو إليه من عقد مؤتمر حركة «فتح» السابع في رام الله، أخيراً، حيث بقي ممسكاً بزمام السلطة والحكم والتصرف بمستقبل الشعب الفلسطيني، إضافة إلى التخلص من معظم خصومه السياسيين، اذا لم نقل جميعهم. وعلى الرغم من تعرضه للانتقادات في الداخل والخارج، بذل عباس ما بوسعه لترسيخ السلطة بيده، التي نالها قبل نحو عقد من الزمن.

ولم يضيّع الأعضاء الذين تم انتقاؤهم بعناية، أي وقت، ليقوموا بإعادة انتخاب عباس رئيساً لـ«فتح»، وهي الطرف الذي يسيطر على السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، بصورة رسمية. وقال المتحدث باسم «فتح»، محمود أبوالهيجا، للصحافيين الذين لم يُسمح لهم بالدخول إلى قاعة المؤتمر لحظة التصويت: «الجميع صوّتوا بكلمة نعم».

ويعتبر هذا المؤتمر هو الأول الذي عقدته «فتح» منذ سبع سنوات، في الوقت الذي يواجه فيه الفلسطينيون مشكلات اقتصادية، واشتباكات عنيفة بين جهات فلسطينية متنافسة، اضافة إلى استمرار الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية. ويشكو المنتقدون من أن قيادة محمود عباس تزداد عزلة وبعداً عن حياة الفلسطينيين. ولكن عباس كان رده بعقد مؤتمر «فتح»، ليظهر للعالم انه لايزال يسيطر على السلطة الفلسطينية، كي يملأ قيادة الحركة بشخصيات حليفة له. وقال وزير الخارجية الفلسطيني السابق ناصر القدوة، وهو ابن شقيقة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، خلال مقابلة أجريت معه أخيراً: «إن ذلك يمثل تجديداً للشرعية. وليس هناك أدنى شك بذلك»، وأضاف «وهذا يساعد ايضاً على قلب الصفحة عن بعض مشكلاتنا الداخلية التي ظلت موجودة حتى الآن».

إبعاد المعارضين

تميّز مؤتمر فتح بغياب القادة والناشطين الفلسطينيين الذين اختلفوا مع عباس، بمن فيهم الذين أصبحوا من أتباع محمد دحلان الذي يعيش خارج فلسطين منذ 2011. وجرى استبعاد جميع القادة الذين كان يعتقد بأنهم ربما يناصرون دحلان. وتحدثت المستشارة القانونية السابقة في حكومة عباس، ديانا بوتو، التي أصبحت الآن تعارضه، عن افتقار قيادة فتح للتنوع. وأما معظم الباقين فتراوح أعمارهم ما بين الخمسينات والستينات وحتى السبعينات، وذكرت 10 أسماء من الشخصيات الفلسطينية المهمة التي جرى استبعادها. وقال الخبير في مؤسسة الدفاع والديمقراطية في واشنطن، غرانت روملي: «بالنسبة لي فإن ما يهمني هو من لم يحضر المؤتمر، إذ إن هذا المؤتمر سيرسخ الانقسام ضمن فتح نفسها».

وقال أحد أعضاء حركة «فتح»، عمر الشلبي، الذي شارك في المؤتمر، إن ناشطي «فتح» أرادوا دعم عباس في مواجهة التحديات الصعبة. وأضاف الشلبي «أكدنا للرئيس عباس أننا نتضامن معه».

وحتى أنصار عباس قالوا إن التغيير في القيادات السياسية أمر ضروري، وأعربوا عن أملهم أن يتم ضخ دماء جديدة في القيادة، وقال حاتم عبدالقادر، الوزير الفلسطيني السابق في السلطة: «نحن بحاجة إلى استراتيجية جديدة لأننا نواجه وضعاً صعباً جداً»، وأضاف «نحن بحاجة إلى الخروج من الصندوق والتحرر. ونحن بحاجة إلى أمل جديد».

ويعتبر عباس، البالغ عمره 81 عاماً، والذي خضع لعلاج مشكلات في القلب أخيراً، من الشخصيات الأساسية في حركة «فتح» منذ بضعة عقود. وكان المساعد الاول للزعيم الراحل ياسر عرفات، كما أنه عضو الفريق المفاوض الذي توصل إلى اتفاق أوسلو مع اسرائيل في تسعينات القرن الماضي. وصعد عباس إلى سدة قيادة الشعب الفلسطيني بعد رحيل عرفات عام 2004. وخلال 12 عاماً من قيادة عباس، والتي بدأت باعتبارها فترة حكم لمدة أربع سنوات، عمد خلالها عباس إلى توجيه انتقادات قوية لخصومه، كما أنه تم طرد بعضهم من مناصب معينة في الحركة، وأحياناً أخرى تم اعتقالهم.

وكان عباس، ذات يوم، هو المفضل بالنسبة للأميركيين والعرب، بيد أنه تزايد نفورهم منه في الآونة الاخيرة. وهو عالق الآن بين مطرقة الفلسطينيين الذين يعتبرونه مقرباً جداً من الاسرائيليين، وبين سندان الاسرائيليين الذين يقولون إنه لم يعد شريكاً حقيقياً لصنع السلام. وأصبحت دولته المنشودة منقسمة بين الضفة الغربية التي يحكمها في ظل الاحتلال الاسرائيلي، وقطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الاسلامية (حماس) منذ عقد من الزمن.

وتحدث عباس في خطاب طويل خلال المؤتمر عن جهوده في ايجاد المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، وأمل أن يكون هذا المؤتمر خطوة باتجاه المصالحة مع «حماس». ولهذا عمد المؤتمر لدعوة أحد قادة «حماس»، أحمد حاج علي، العضو في المجلس التشريعي الفلسطيني، لإلقاء كلمة في المؤتمر. والذي قال في كلمته «نحن شركاء في هذا الوطن وفي قضيتنا وكفاحنا وقراراتنا. ونحن في (حماس) مستعدون أن نقدم كل ما تتطلبه منا هذه الشراكة معكم ومع جميع الفصائل الأخرى».

وانتهز عباس فرصة خطابه ليدافع عن نفسه ضد منتقديه في الفترة الاخيرة، وقال: «لست آسفاً على حضور جنازة الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز، فقد حضرها ممثلو 70 دولة، فلماذا لا نحضر نحن. ولست آسفاً على إرسال سيارات الإطفاء لمساعدة جار لنا، ولن أعتذر لأحد. وأشعر بقوة أن ما قمت به هو التزام إنساني تجاه جار لنا».

وتساءل بعض الناشطين الفلسطينيين عما اذا كان عباس سيستغل المؤتمر كي يتخلى عن واحد على الأقل من المناصب والألقاب التي يحملها، وهي ثلاثة، قائد «فتح»، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس السلطة الفلسطينية، بيد أنه أوضح تماماً أنه لن يفعل ذلك.

ولكن الأمر الذي انتظره الجميع هو قيام عباس بوضع خطة تهدف الى اختيار خليفته، بيد أنه لم يفعل، وذلك بعد رفض كل الدعوات التي أطلقتها الدول العربية والناشطون الفلسطينيون كي يعين خليفة له. وبالنظر إلى انفصال «حماس» بقطاع غزة، فانه ليس من المؤكد من هو الذي سيخلف الرئيس الفلسطيني عباس، اذا أصبح بحال لا تسمح له أن يحكم أراضي السلطة.

وعقد مؤتمر «فتح» في ظل صراع بين عباس ومنافسه الرئيس على قيادة «فتح» والسلطة الفلسطينية، محمد دحلان. وكانت اسرائيل والسلطة الفلسطينية تخشيان من قيام تظاهرات وأعمال عنف تحول دون عقد المؤتمر أو استمراره، ولكن القوات الأمنية المكثفة الموالية لعباس التي نشرها في رام الله والمدن الفلسطينية الأخرى في الضفة الغربية، منعت حدوث أي مشكلات أمنية.

ولكن بعض مؤيدي عباس قللوا من شأن هذا الانقسام، وقال عضو اللجنة المركزية في حركة «فتح»، جمال محيسن: «انها استراتيجية اسرائيلية تقضي بأن نختلف دائماً مع بعضنا بعضاً. وحتى لو كان هناك بعض الصعوبات مع الفصائل الأخرى، إلا أن الجميع يعرفون أن محمود عباس هو رئيس الشعب الفلسطيني».

ودار صراع خلف الكواليس من أجل خلافة عباس، حيث كانت الشخصيات المحتملة للعب هذا الدور هم ناصر القدوة، وصائب عريقات، وجبريل الرجوب، في حين حضرت زوجة مروان البرغوثي وابنه، حيث يعتبر البرغوثي شخصية تتمتع بشعبية كبيرة، كما انه خليفة محتمل لعباس، لولا انه محكوم في السجون الاسرائيلية لمؤبدات عدة. وقال قسام برغوثي، 30 عاماً، ابن مروان، خلال استراحة في المؤتمر إن الفلسطينيين كانوا «ملتزمين جداً» بقضية والده، ولكن الهدف بالنسبة لنا حالياً هو تعزيز اللحمة بين الجميع. وأضاف «بعد الانقسامات التي شهدناها في السنوات الاخيرة، فإن ما نشاهده الآن يظهر أن (فتح) تعمل على توحيد الشعب الفلسطيني».

تويتر