فرنسا تسعى لحماية مصالحها وزيادة نفوذها في شمال إفريقيا

الغرب يتأهب لمساعدة الليبيين على قتال «داعش»

صورة

يتوقع أن تشهد المنطقة الواقعة بين مصراته وسرت، حرباً جديدة بين المجموعات المسلحة التي تحكم ليبيا من جهة، ومقاتلي تنظيم «داعش» الإرهابي، من جهة أخرى، وبعد أن خاض الفرقاء الليبيون معارك عدة خلال السنوات الخمس الماضية، ها هم اليوم يحشدون القوات ضد العدو الذي بات يهدد وحدة البلاد. ومنذ ربيع 2015، تمكن مسلحو التنظيم من الاستيلاء على شريط ساحلي بطول 200 كيلومتر، في محيط مدينة سرت، آخر معقل للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي. وفي مصراتة، تهيمن قوات «فجر ليبيا» الموالية لحكومة طرابلس، إلا أن أهالي المدينة يبدو أنهم قد تعبوا من ممارسات السياسيين والعسكريين في العاصمة، الذين يعيقون التوصل لحل سياسي ينهي الأزمة، وتمكنت حكومة طرابلس من كسب دعم دولي غربي لمحاربة المتطرفين.

بدء الاستعدادات

تحدٍّ أمني

يتوقع خبراء أن يأخذ التدخل الغربي شكل غارات جوية ضد مواقع تنظيم «داعش» الإرهابي، انطلاقاً من القاعدة الفرنسية في شمال النيجر، ويأتي ذلك في وقت لم تعط المفاوضات التي تشرف عليها الأمم المتحدة ثمارها بعد، إلا أن محللون رجحوا أن يؤدي التدخل الغربي في ليبيا، إلى تفاقم الانقسامات داخلياً وخارجياً، وقد يؤدي قصف المتطرفين إلى هروبهم إلى دول الجوار، ما يسبب تحدياً أمنياً إضافياً لها، خصوصاً تونس، التي شهدت سلسلة اعتداءات مدعومة لوجستياً من ليبيا. وفي هذه الأثناء وضعت إيطاليا مقاتلاتها وطائرات من دون طيار، في جزيرة صقلية، على أهبة الاستعداد، تحسباً لتطور الموقف الميداني في ليبيا، هذا وتنفذ طائرات إيطالية طلعات منتظمة فوق منطقة درنة، منذ أشهر.

وفي سياق متصل، قالت تقارير صحافية إن بريطانيا تنوي إرسال قوة تتألف من نحو 1000 جندي إلى ليبيا، ضمن قوة قد تصل إلى 6000 جندي أجنبي، لتنفيذ عمليات خاصة ضد التنظيم. ويتساءل مراقبون عن إمكانية التنسيق مع دول الجوار قبل البدء في العمليات العسكرية، وتفادي الأخطاء التي ارتكبت في سورية والعراق.

في مصراته، لا ينكر أحد أن الاستعدادات قد بدأت بالفعل، وفي ذلك يقول رئيس المجلس العسكري في المدينة، إبراهيم بيت المال، إنه توجد هناك خطة يتم فيها استخدام الطائرات الحربية والقوات البرية، للهجوم على مقاتلي «داعش»، مضيفاً، المجموعة الدولية ستساعدنا، والاتصالات أجريت بالفعل. وعلى الرغم من أن المسؤول الليبي لم يعط تفاصيل إضافية، إلا أن شائعات في المدينة تقول إن قوات خاصة أميركية وبريطانية موجودة في كلية القوات الجوية في مصراته، تعمل في سرية تامة.

يقدر بيت المال عدد المقاتلين في صفوف «داعش»، في مدينة سرت، بنحو 3000 مقاتل، 70% منهم أجانب. ويؤكد المجلس العسكري في مصراته أن الاستعدادات لقتال التنظيم تتم بالتنسيق مع قيادة الأركان في طرابلس، إلا أن محللين يرون أن هذه التصريحات هي لصرف الأنظار عن الخلافات العميقة بين مقاتلي مصراته وحكومة طرابلس. ويتوقف التدخل العسكري الغربي، على الأرجح، على مدى نجاح الجهود المبذولة لتشكيل حكومة وحدة وطنية قابلة للاستمرار، وفي غضون ذلك تضغط الولايات المتحدة وفرنسا من أجل القيام بعمل عسكري مباشر في ليبيا، وذلك عقب اجتماع باريس، الأخير، كما أن إيطاليا أبدت استعدادها للمشاركة.

وضع كارثي

يقول القيادي العسكري، محمد البيوضي، إن الوضع أصبح لا يطاق في سرت، التي يسيطر عليها التنظيم المتطرف، «الوضع أصبح كارثياً في سرت»، مشيراً إلى ندرة المواد الغذائية، وكثرة الإعدامات، وغيرها من المآسي التي يعيشها مواطنو المدينة، منذ أن استولى عليها التنظيم. إلا أن البيوضي يرى أن التدخل الغربي قد لا يساعد على القضاء على التنظيم، وتحرير المدينة من قبضة المتطرفين، موضحاً، قبل كل شيء، يجب أن يقتصر التدخل الغربي على الدعم الجوي، مضيفاً «خصوصاً، يجب ألا يكون هناك جنود على الأرض. نستطيع أن نشن هجوماً برياً بأنفسنا. نريد دعماً لوجستياً بما في ذلك الاتصالات والإسعافات الأولية وعلاج الجرحى، إضافة إلى الأسلحة المتطورة ووسائل الرؤية الليلية» في المقابل، يعتقد البيوضي أن شيئاً غير ذلك يعتبر مضيعة للوقت.

وينصح خبراء عسكريون في فرنسا أن يكون التدخل العسكري مركزاً، وذا طابع تكتيكي، لأن حجم التهديد الإرهابي في ليبيا أقل بكثير مما يمثله التنظيم المتطرف في سورية والعراق. ويقول هؤلاء إنه يتعين على الدول الغربية أن تركز ضرباتها الجوية على مواقع التنظيم، في وقت تقوم فيه المدفعية وسلاح المشاة بمهامها على الأرض.

أما المحلل الفرنسي، ألان بارلوييه، فيرى أن فرنسا تنقصها الوسائل الكافية لقيادة تحالف ضد التنظيم في ليبيا؛ لأن فرنسا، وفقاً للخبير، تواجه حرباً من نوع آخر، فالمتطرفون يخوضون معارك على الأرض للاستيلاء على الأراضي وإقامة كيانهم الخاص، في حين نجحوا في معركتهم الافتراضية، على الإنترنت، بوصولهم إلى آلاف الشباب في فرنسا وغيرها من البلدان، وقد يتطلب الأمر، يوضح بارلوييه، 10 سنوات على الأقل للقضاء التام على هذه التهديدات.

خلية أزمة

وفقاً لمراقبين للوضع في ليبيا، يهدف التدخل الأجنبي إلى منع تمدد التنظيم إلى خارج مدينة سرت، ووقف تهديده للمنشآت البترولية الاستراتيجية، وتشير توقعات وزارة الدفاع الفرنسية إلى أن «داعش» يسعى للسيطرة على آبار النفط، أيضاً. ورغم فشل فرنسا لتكون «شرطي إفريقيا»، على مدى العقود الأخيرة، تحاول باريس مجدداً، من خلال الوجود العسكري في غرب وشمال إفريقيا، ترسيم حدود مناطق نفوذها في مستعمراتها السابقة.

وبالإضافة إلى كونها أحد المنتجين الكبار للنفط، تعد ليبيا البوابة الرئيسة لدول غرب إفريقيا خصوصاً النيجر، رابع منتج عالمي لليورانيوم. ولعل ذلك من الأسباب الرئيسة لاهتمام فرنسا بليبيا. وتمتلك الحكومة الفرنسية العديد من مناجم اليورانيوم، وتهتم بحمايتها. ولم تكتف باريس بالتفاوض مع الحكومات الليبية المتعاقبة في مجالات النفط، والملاحة الجوية، وتوريد طائرات إيرباص للجيش الليبي، وفقاً للخبراء، بل تريد أن يكون لها وجود عسكري قوي في محيط النيجر، إضافة إلى استفادة فرنسا بأفضلية تجارية واسعة في ليبيا. وتناقلت وسائل إعلام فرنسية، منذ أشهر، أنباء عن خلية أزمة تعمل على تحضير المشاركة الفرنسية في الخطة الأوروبية الخاصة بليبيا، ويعتمد الخبراء العسكريون على صور وتقارير لطائرات حربية فرنسية، تقوم بطلعات منتظمة في سماء المناطق التي يسيطر عليها التنظيم المتطرف، وعلى المنشآت النفطية التي ستتكلّف القوات الأوروبية الخاصة حمايتها وتأمينها.

رفض التدخل

في غضون ذلك، تزداد الأصوات الرافضة للتدخل الأجنبي داخل المعسكرين المتناحرين في ليبيا، وتسعى شخصيات في الداخل وأطراف إقليمية إلى إنجاح المفاوضات، وعقد المزيد من لقاءات الأطراف الليبية، للتوصل إلى توافق وطني، ومن ثم التحضير لتحرك عسكري لاستئصال خطر المجموعات المتطرفة من الساحل الليبي، والاستعانة بقوات أجنبية إذا لزم الأمر.

وكان المبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر، قد حذر، الشهر الماضي، من تحالف بين تنظيمات متطرفة في شمال إفريقيا. ويخشى كوبلر حدوث تقارب أو تعاون بين «داعش» و«بوكو حرام» أو «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب». إلا أن خبراء قالوا إن هناك منافسة بين هذه التنظيمات. وفي ذلك يقول الخبير في الصراعات والحروب، ويليام أسانفو، «حالياً يحتفظ (داعش) بالريادة في العمل المسلح خارج القانون»، مضيفاً، «يمكن قراءة هجمات وغادوغو الشهر الماضي، وقبلها هجمات باماكو في نوفمبر من العام الماضي، على أنها محاولة من (تنظيم القاعدة في بلاد المغرب) من أجل استعادة الاهتمام (الدولي) الذي فقده». وتقول دراسات غربية إن مسلحي تنظيم «القاعدة» يشهد شرخاً كبيراً بسبب هيمنة «داعش» على الساحة القتالية، فقد انشقت مجموعات عدة عن الأول، وبايعت التنظيم الثاني، إلا أنها لم تقم بعمليات باسمه.

تويتر