مع عدم وجود مرشح لخلافة عباس

انتقال السلطة في الأراضي الفلسطينية لن يكون سهلاً

صورة

بعد نحو عقدين من المحاولة لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة من خلال المفاوضات التي أفضت إلى طريق مسدود، يأمل الرئيس الفلسطيني العجوز، محمود عباس، البدء بالتخفيف من مسؤولياته، حيث تتجه الأنظار نحو تعاقب منظم في انتقال السلطة. ولكن بعد عقد من الزمن تكلل بفشل عباس في اختيار نائب أو خلف له، ومحافظة عباس على تقاليد حكم الرجل الواحد، وذلك كي يسلط الضوء على نفسه باعتباره الرجل الذي لا يمكن الاستغناء عنه، يتوقع المحللون في الضفة الغربية وقطاع غزة ألا يكون انتقال السلطة سهلاً. وفي واقع الأمر فإن الشعور في عاصمة السلطة الفلسطينية، رام الله،

مفاده أن عدم وجود أي شخص مرشح لخلافة عباس، وحدوث صراع ضمن حركة فتح، ينذران بأن تكون عملية انتقال السلطة أليمة، وتتسم بالفوضى والخطر، وربما غير قابلة للتطبيق.

وقال مستشار عباس لفترة طويلة، نبيل شعث، وهو وزير خارجية سابق، ويعمل الآن مسؤول العلاقات الخارجية في حركة فتح لصحيفة «إندبندنت» إن عباس يفكر في الزمن ويقلل من مسؤولياته، ولكن الرجل يتميز بالمسؤولية الكافية التي تجعله لا يترك الأمور خلفه وهي في حالة مثيرة للقلق، وتؤدي الى المتاعب»، وأضاف شعث «إنه يقول أفعل ما بوسعي للتحضير للمرحلة التي أكون فيها غير قادر على الاستمرار. وهذا الأمر ليس بسر. وأبلغ ذلك للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والملك الأردني عبدالله، ووزير الخارجية الأميركي جون كيري، وهو ربما يقول ذلك في الجمعية العامة للأمم المتحدة».

أول رئيس وزراء في «السلطة»

محمود عباس (26 مارس 1935 ــ )، الرئيس الثالث للسلطة الوطنية الفلسطينية منذ 15 يناير 2005 ولايزال في المنصب، على الرغم من انتهاء ولايته دستورياً في 9 يناير 2009. وكقائد لحركة فتح يعترف بوجود دولة إسرائيل وبأحقيتها في الوجود على الأراضي التي احتلتها قبل عام 1967، ويشغل منصب رئيس اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية منذ 11 نوفمبر 2004، بعد وفاة زعيمها ياسر عرفات. واستمر بمواصلة مهام الرئاسة على الرغم من انتهاء فترته الرئاسية في 9 يناير 2009، وذلك بسبب ظروف الحرب على غزة.
وقد كان أول رئيس وزراء في السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث تولى رئاسة الوزراء جامعاً معها وزارة الداخلية في الفترة ما بين مارس إلى أكتوبر 2003، واستقال بسبب خلافات بينه وبين رئيس السلطة ياسر عرفات حول الصلاحيات، وقاد قبل ذلك المفاوضات التي أبرمها الفلسطينيون مع نظرائهم الإسرائيليين التي أدت إلى اتفاق أوسلو عام 1993.
       

وأكد شعث أن عباس (80 عاماً)، لم يكن يفكر الآن في التنازل عن أهم مناصبه، وهو رئاسة السلطة الفلسطينية، ولكنه يريد التنازل عن مناصب، مثل رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئاسة «فتح»، وهي الحزب الحاكم، بشرط أن يتم ذلك بصورة سلسة.

ولكن المحللين يعتقدون بأن عباس يتحرك نحو التنازل عن رئاسة السلطة الفلسطينية أيضاً، خصوصاً اذا كان القلق الناجم عن استقالته المحتملة لم يدفع الولايات المتحدة نحو تسهيل حدوث تقدم ملموس لوضع حد للاحتلال الإسرائيلي، بهدف إنشاء الدولة المستقلة. وكان محمود عباس يشغل منصب الرئيس الفلسطيني منذ عام 2005. ويقول عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، قيس عبدالكريم: «النظام غير مؤهل حالياً لمثل هذه التغيرات، إذ إن الوقت لم يحن لذلك»، وأكد هذا السياسي اليساري المخضرم أنه حاول أن يثني عباس عن الاستقالة.
وقال شعث إن عباس يتطلع إلى تجميع شتات حركة فتح في نهاية شهر نوفمبر، وكذلك المجلس الوطني الفلسطيني الذي لم يجتمع منذ زمن طويل، في شهر ديسمبر، كي يمهد الطريق لانسحابه من قيادة حركة فتح واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. ولكن اجتماع «فتح» ربما لا يتم، وذلك لعدم رغبة عدد من القادة المخاطرة في خسارة مقاعدهم في المجلس المركزي للحركة، كما أن التئام شمل المجلس الوطني ليس أكيداً حتى الآن.

وحاول محمود عباس اجراء اجتماع مبكر للمجلس الوطني قبل نحو أسبوعين، ولكن ذلك تم تأجيله لثلاثة أشهر مقبلة، رغم إرادة عباس، في ظل الصراع داخل «فتح»، ومعارضات تفيد بأنه ليس هناك ما يكفي من الوقت لإجراء التحضيرات. وحسب القانون الفلسطيني، رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني يتسلم مقاليد الأمور لمدة 60 يوماً خلال فترة تنظيم الانتخابات بعد استقالة الرئيس أو عجزه عن حكم البلاد. ولكن رئيس المجلس التشريعي، عبدالعزيز الدويك، من قادة «حماس» المنافسة لـ«فتح» وتحكم قطاع غزة، ولذلك فإن عباس يريد التحايل على القانون كي يجد طريقة لنقل السلطة الى شخص موالٍ لـ«فتح»، الأمر الذي ينذر بحدوث أزمة شرعية جديدة.

وقال الكاتب الصحافي في صحيفة «الأيام» الفلسطينية، طلال عوكل، إن السبب الرئيس الذي يشجع عباس على الاستقالة هو فشل استراتيجيته في تحقيق الدولة الفلسطينية عبر المفاوضات مع إسرائيل، في ظل انسحاب الولايات المتحدة من لعب دورها كوسيط نزيه. وأضاف عوكل «لمدة 10 سنوات كان عباس يصبو إلى دور نشط تلعبه الولايات المتحدة والمجتمع الدولي للضغط على إسرائيل من أجل أفق سياسي، ولكن ذلك فشل ووجد عباس نفسه لا يفعل أي شيء سوى مواصلة المزيد من الفشل»، وانتشرت الاشتباكات العنيفة بين المتظاهرين الفلسطينيين وقوات الأمن الاسرائيلية إلى ما وراء أسوار مدينة القدس القديمة، في نهاية الأسبوع الماضي، حيث أصيب ثمانية فلسطينيين على الأقل بالرصاص.

ويعتقد هاني المصري، مدير مركز «مسارات»، أن عباس يأمل من خلال الدبلوماسية في الاسابيع المقبلة ان يستخدم تهديد الاستقالة كي يحصل على شيء ملموس من الولايات المتحدة، مثل التعهد بأن تصبح مشاركتها فعالة خلال اعادة إطلاق المفاوضات مع إسرائيل. وقال المصري «إنه يريد رؤية ما سيتمخض عن رحلته الدبلوماسية، وبعد ذلك سيقرر عما اذا كان سيبقى في السلطة أم لا».
وقال المصري إن القائمة المحتملة للأسماء التي ستخلف عباس تتضمن صائب عريقات، المفاوض المخضرم مع اسرائيل الذي أصبح أخيراً سكرتير اللجنة التنفيذية، وناصر القدوة، وهو قريب الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، كما أنه وزير خارجية سابق، ومحمد شتيه، وهو وزير وخبير اقتصادي.

ويعتقد عوكل أن عريقات والمسؤول الأمني ماجد فرج، الذي عمل مفاوضاً مع إسرائيل، هما الشخصيتان الأوفر حظاً في خلافة عباس. ولكن أياً من هذه الشخصيات لا يتمتع بالشعبية لدى الشعب الفلسطيني، أو يمكن أن يقترب من الوضعية التي كان يتمتع بها عباس أو الراحل خليل الوزير، وهو أحد مؤسسي حركة فتح، الذي اغتالته إسرائيل عام 1988.

ويقول عبدالكريم: «الجميع في (فتح) يعتقدون بأنهم ملائمون لخلافة عباس أكثر من الآخرين. وبناء عليه فإني أتوقع حدوث الفوضى والشلل. إن غياب محمود عباس سيكون بمثابة معضلة للجميع»، ويرى عبدالكريم أنه من حيث الممارسة فإن أدوار قائد «فتح»، ورئيس اللجنة التنفيذية ورئيس السلطة الفلسطينية متشابكة مع بعضها بعضاً، ومن غير الممكن فصلها عن بعضها بعضاً. وأضاف «استقالة عباس دون تحضيرات مناسبة للنظام يمكن أن تؤدي إلى تحرك إسرائيل لملء الفراغ عن طريق مزيد من التدخل في الحياة اليومية للمجتمعات الفلسطينية، بحيث تؤدي إلى تراجع الوضع إلى الوراء بعيداً عن حالة الاستقلال».

تويتر