الاستفادة من المحكمة للتحقيق في سياسات إسرائيل وممارساتها الإجرامية على مدى عقود ضد الفلسطينيين

قبول فلسطين في «الجنايـــات الدولية» خطوة نحو قيام الدولة المـــستقلة

صورة

بقبولهم رسمياً في عضوية محكمة الجنايات الدولية، وتوقيعهم الوثائق الخاصة بهذا الانضمام بصورة نهائية، خطا الفلسطينيون خطوة كبيرة ومهمة، نحو تحقيق حلمهم الاستراتيجي بإقامة دولتهم المستقلة.

اختصاصات المحكمة

تختص المحكمة الجنائية الدولية بمتابعة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، وتعني حسب تعريف ميثاق روما، القتل أو التسبب في أذى شديد بغرض إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية إهلاكاً كلياً أو جزئياً، كما تنظر في الجرائم ضد الإنسانية، وهي أي فعل من الأفعال المحظورة المنصوص عليها في نظام روما، إذا ارتكب بشكل منظم وممنهج ضد مجموعة من السكان المدنيين، مثل القتل العمد والإبادة والاغتصاب والإبعاد والنقل القسري والتفرقة العنصرية والاسترقاق. كما أنها تحاسب قانونياً المدانين بجرائم الحرب، وتعنى كل الخروقات المرتكبة بحق اتفاقية جنيف لسنة 1949، وانتهاك قوانين الحرب في نزاع مسلح دولي أو داخلي.

ويأمل الفلسطينيون الاستفادة من المحكمة للتحقيق في سياسات إسرائيل وممارساتها على مدى عقود ضدهم، التي اعتبروها جرائم حرب ضد الإنسانية، وبالتالي محاسبتها ولاسيما قتل المدنيين وتدمير المنازل بأعداد كبيرة في حربها الأخيرة على قطاع غزة، إضافة إلى إصرار إسرائيل على مواصلة سياسة مصادرة الأراضي في الضفة الغربية، وبناء المستوطنات عليها.

وتبين للعديد من المحللين السياسيين أن الفلسطينيين لا يريدون الاستعجال في التقدم بطلبات إلى المحكمة، تتضمن توجيه الاتهامات لقادة وضباط إسرائيليين بارتكاب جرائم حرب، ويفضلون التريث، انتظاراً لمعاينة ما يتم إحرازه من تقدم في التحقيقات التي باشرها المدعي العام للمحكمة فاتو بن سودة في يناير الماضي.

ويوجد قضاة المحكمة في مقرها في لاهاي بهولندا، منذ ديسمبر الماضي، لمحاكمة ثوماس لوبانغا من جمهورية الكونغو الديمقراطية، في اتهامات بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية.

ويرى فريق من المراقبين أن انضمام فلسطين إلى محكمة الجنايات الدولية قد يكون سلاحاً ذا حدين بالنسبة للفلسطينيين، مستندين في ذلك إلى ما أشار إليه بعض مسؤولي منظمة العفو الدولية، من أن هناك أدلة على ارتكاب الجانب الفلسطيني جرائم حرب في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة في الصيف الماضي.

ويقول وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، «تبقى فلسطين واحدة من أهم وأقوى الاختبارات لإرادة ومقدرة المجتمع الدولي والهيئات والمؤسسات الدولية لحمل القيم العالمية وحمايتها والحرص على تطبيقها، وهو اختبار غير مسموح للعالم بأن يفشل فيه».

وعلى مدى العام الماضي انضمت دولة فلسطين، التي تتمتع بعضوية مراقب في الأمم المتحدة إلى 40 من الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق الدولية، آخرها محكمة الجناية الدولية التي وقّع الرئيس الفلسطيني محمود عباس على أوراق نصوصها في نهاية ديسمبر الماضي، اتفاقية ومعاهدة دولية على الرغم من الضغوط الكبيرة والتهديدات التي تعرضت لها من إسرائيل والولايات المتحدة.

ويتوقع فريق كبير من المحللين أن تكون الجرائم والممارسات الإسرائيلية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، التي ارتكبتها قوات الاحتلال في الحرب الأخيرة على قطاع غزة في الصيف الماضي في صلب وجوهر عمل قضاة محكمة الجنايات الدولية خلال الفترة المقبلة، بقيادة فاتو بن سودة، مدعي عام المحكمة. ولم تقتصر أضرار القصف الجوي والبري لقوات الاحتلال على مناطق قطاع غزة، خلال تلك الحرب على قتل عشرات المدنيين وإصابة الآلاف وتدمير آلاف المنازل، بل امتد ليشمل تدمير عدد كبير من المدارس والمعاهد والمساجد والمستشفيات والمراكز والعيادات الطبية وغيرها من المرافق.

ومنذ بداية الجهد الفلسطيني عارضت إسرائيل بقوة انضمام فلسطين إلى محكمة الجنايات الدولية، قائلة إنها ترفض مثل هذه الخطوات الأحادية الجانب لحصول الفلسطينيين على الاعتراف بحقهم في الدولة المستقلة، وان هذا الأمر غير ممكن وغير مقبول، إلا في إطار مفاوضات السلام.

كما دافع الإسرائيليون عما قاموا به من أعمال وما ارتكبوه من تجاوزات خطيرة في قطاع غزة، وقالوا إن قواتهم بذلت جهداً كبيراً وأبدت حرصاً على التقليل من عدد الضحايا من المدنيين، والحد من تدمير الممتلكات والمرافق، بينما كانت قوات «حماس» وغيرها من الفصائل الفلسطينية تعرّض حياة المدنيين الفلسطينيين للخطر، من خلال الاختباء بينهم وفي مناطقهم وتجمعاتهم، ويطلقون من أماكن الاختباء تلك الصواريخ وقذائف المورتر على إسرائيل.

وبعد أن أصبحت فلسطين رسمياً عضواً في محكمة الجنايات الدولية، يقول مسؤولون إسرائيليون وأميركيون إن حركة حماس قد تواجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب وإطلاق الصواريخ على مناطق سكنية إسرائيلية، دون تمييز، وان ما تقوم به لا يختلف بشيء عما يرتكبه تنظيم «داعش» المتطرف، وان السلطة الفلسطينية هي آخر طرف يحق له التهديد باللجوء والشكوى إلى محكمة الجنايات الدولية.

وقال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، «سنقدم ملفات شكاوى بشأن الأعمال والجرائم الإسرائيلية في غزة، ومواصلة الاستيطان، إلى محكمة الجنايات الدولية، فور أن تصبح عضوية فلسطين فيها سارية المفعول. ويعود إلى المدعي العام بن سودة أمر اتخاذ قرار باشتراك جميع قضاة الحكمة في التحقيق في أدلة الاتهامات.

وتقول إسرائيل إن مسؤوليها العسكريين يواصلون إجراء تحقيقات في عدد من الأحداث والوقائع في قطاع غزة، وان مراقب الدولة يقوم بتحقيقات خاصة به، غير أن منظمات حقوق الإنسان تقول إن المحاكم الإسرائيلية لم تحمّل أي جندي أو ضابط اسرائيلي مسؤولية ما ارتكب من جرائم، وأنها تكتفي بإصدار بيانات إدانة لتلك الأعمال.

كما رفضت حركة حماس من جانبها ما وجهته لها منظمة العفو الدولية وجهات أخرى من اتهامات، من أن مقاتليها ارتكبوا جرائم حرب. ويأمل الفلسطينيون أن تكون عضويتهم في محكمة الجنايات الدولية ضماناً في حده الأدنى لإرغام إسرائيل على التقليل من اللجوء إلى القوة العسكرية.

ويقول أستاذ القانون في جامعة نورث ويست يوجين كونتوروفيتش، «إن المحكمة ستعمل لصالح الفلسطينيين، على الرغم من كل الظروف والمحاذير والصعوبات، وستوفر لهم بعض الغطاء والمناعة ضد الضغوط الدبلوماسية».

وقد تأسست محكمة الجنايات الدولية في يوليو 2002 انطلاقاً من معاهدة ميثاق روما 1998، الذي دخل حيز التنفيذ في أبريل من ذلك العام، وأصبحت المحكمة تضم الآن 123 دولة، ليس بينها الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتان رفضتا التوقيع على ميثاق روما، وفي السنوات القليلة الأخيرة أصبح الطابع السياسي يغلب على المحكمة، ما يفقدها بريقها.

تويتر