مع تواصل الحرب الأهلية بين الحكومة والمتمردين

جنوب السودان يُجنّد الأطفال طوعاً وكرهاً

صورة

دفع عدم الاستقرار السياسي في جنوب السودان أطراف الحرب الأهلية الدائرة هناك إلى تجنيد الأطفال لسد النقص في قواتهم المقاتلة. وتتهم جهات خارجية وداخلية كلاً من الحكومة برئاسة سلفا كير ميارديت، وقوات المعارضة بقيادة نائبه السابق والمعارض رياك مشار، بتجنيد الأطفال طوعاً أو كرهاً.

وعلى الرغم من التجنيد القسري للأطفال في الحرب الأهلية الدائرة في جنوب السودان، فإن هناك عوامل أخرى تدفع الأطفال للانضمام إلى المتمردين أو القوات الحكومية طوعاً. أحد الصبية، البالغ من العمر 12 عاماً، أخبر منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة «يونيسف» بأنه انضم للجيش لأنه يحس ببساطة أنه أفضل مكان للعيش. ويقول أخصائي حماية الأطفال في الـ«يونيسف»، ندوربور مورلو، إن «بعض الأطفال ينظر إلى التجنيد في الجيش كنوع من الوظيفة، وإن الأهل يدفعونهم في بعض الأحيان للانضمام لقوات الجيش أو المتمردين». وكلما استعر القتال اشتدت الحاجة إلى قوى بشرية للعمل في الجيش، ويصبح الأطفال أكثر الشرائح المستهدفة في بلد نصف سكانه تقريباً دون الـ15 من العمر. كما أن بعض الأطفال ينضمون إلى صفوف الجيش أو المتمردين لأنهم يريدون أن يثأروا لأسرهم أو أقاربهم، فقبل بضعة أسابيع، كان أكوم، البالغ من العمر 14 عاماً، يعيش مع والدته وأخيه الأكبر في مخيم قذر في قاعدة للأمم المتحدة بمدينة ملكال، وفروا من منزلهم في المدينة بسبب الحرب الأهلية. وشاهد أكوم بنفسه القسوة والوحشية التي تصاحب القتال، فقد كانت هناك عمليات قتل جماعي واغتصاب، وفر جميع السكان، ووجد بعضهم الأمان النسبي في مجمع الأمم المتحدة. يروي أكوم قصته بأنه كان هو وأحد جيرانه عائدين إلى المدينة من قاعدة الامم المتحدة على أمل استعادة بعض الأغراض من منزليهما. ويضيف «كان جاري يحمل طعاماً وطحيناً، استوقفنا بعض الرجال الذين ظنوا أننا ننهب المنازل، أمرونا بالجلوس على الأرض، وفي هذه الأثناء تجادل اثنان منهم في ما إذا كان ينبغي قتل الفتى أم لا، ثم جاء رجل ثالث وأطلق عليه النار من الخلف، صرخت بأعلى صوتي، لكنهم طلبوا مني الابتعاد من المكان، قتلوه لأنه كان أكبر مني، ولهذا أصررت على الانتقام له». وانضم أكوم للميليشيا وتلقى تدريباً عسكرياً عن كيفية استخدام البندقية، ولايزال أكوم ينتظر الفرصة المناسبة للانتقام لجاره.

مبررات

أحد رجال الميليشيات دافع عن استخدام الأطفال في النزاع الجاري، على الرغم من أنه يوافق على أن يكون الأطفال في المدرسة، وليس في ساحة المعركة. ويقول إنه «لا يتم وضع الاطفال على خط المواجهة، وليس لديهم أسلحتهم الخاصة». ويضيف «إنهم يقدمون المساعدة في أشياء، مثل تقديم الماء للجرحى أو غسل الأواني، فهم متطوعون في الانضمام إلينا، وليسوا خائفين من أن يصبحوا جنوداً». وتقول إحدى الأمهات إن ابنيها (13 و14 عاماً)، انضما طوعاً لقوات الحكومة في أواخر ديسمبر عام 2014. وتؤكد أم أخرى أنها تبعت ابنها البالغ من العمر 13 عاماً إلى ثكنة عسكرية بعد أن غادر قاعدة الأمم المتحدة في ملكال. وتقول إنه رفض العودة إلى المنزل.

تجنيد قسري

لكن بعض الأطفال يتم تجنيدهم قسراً، وتقول امرأة شابة إن قوات مسلحة اختطفت شقيقها البالغ من العمر 11 عاماً قبل 25 ديسمبر 2014، خلال وجوده بالقرب من بركة مياه بالقرب من قاعدة للأمم المتحدة. وتحدثت الأم في وقت لاحق عن طريق الهاتف لابنها، الذي كان في ثكنة عبر النهر من ملكال. ووصفت إحدى النساء كيف اعتقلت القوات الحكومية ابنها البالغ من العمر 13 عاماً في يناير هذا العام بالقرب من ضفة النهر عندما كان يحمل بضاعة ليبيعها في السوق، وتحدثت أم أخرى عن اختطاف ابنها من قبل الجيش في مدينة ملكال ولا تدري أين هو الآن. وزعم أحد الشباب أنه تعرض للاختطاف بواسطة شاحنة تابعة للجيش مع ستة أطفال صغار تبلغ أعمارهم بين 13 و16 عاماً، واقتيدوا جميعاً إلى منطقة يستعر فيها القتال. ويقول «عندما وصلنا إلى منطقة كوكا حيث يجري القتال أمرونا بالاشتراك في القتال وأعطونا أسلحة، وملابس رسمية».

اختطاف

كان الطفل ستيفن و80 من زملائه في مدرستهم في مايو الماضي عندما حاصر المتمردون الفصول الدراسية لاقتياد الأطفال لتجنيدهم في الجيش. ويتذكر الطالب ستيفن لحظة اقتياده مع زملائه إلى مكان ما ليصبحوا أحدث الأطفال المجندين في حرب أهلية دامية بجنوب السودان. ويروي ستيفن وثلاثة من زملائه الاطفال الآخرين قصصاً مماثلة. وتراوح أعمار المجندين بين 12 و17 عاماً. ويروي أحد الصبية كيف يجبرونهم على التدريب على القتال، ويقول «إذا رفضنا أن نفعل ذلك نتعرض للضرب بشدة». ويضيف «عندما نتحرك ويكون بعضنا مريضاً يتركونهم هناك ليموتوا حيث سقطوا». وسأل أحد الصبية عن سبب تجنيده وردوا عليه بأنه ينبغي أن يدافع عن قبيلته.

جرائم حرب

يتم تجنيد الأطفال على الرغم من حظر قانون الطفل في جنوب السودان لعام 2008 تجنيد الأطفال، إذ يحدد هذا القانون سن الـ18 حداً أدنى لأي تجنيد أو تطوع في القوات المسلحة أو الجماعات. ويعد تجنيد أو استخدام الأطفال دون سن الـ15 من قبل أطراف النزاع جريمة حرب بموجب قوانين الحرب، يخضع بموجبها القائد للمساءلة الجنائية. وتقدر إحصاءات الأمم المتحدة أن ما يصل إلى 11 ألفاً من الأطفال تم تجنيدهم في هذه الحرب من كلا الطرفين المتحاربين. وتطرقت منظمات حقوقية إلى هذه المسألة في سبتمبر 1995 في بيان صحافي، ذكرت فيه أن الجيش الشعبي «ظل يتبنى منذ فترة طويلة سياسة فصل الأطفال عن ذويهم لأغراض عسكرية، وأن آلاف الأطفال ذهبوا إلى معسكرات اللاجئين في إثيوبيا آملين في الحصول على تعليم جيد، والحصول على تدريب عسكري في منشآت عسكرية منفصلة، إلا أن الحركة ظلت تنكر هذه الممارسات». ووثقت المنظمات أيضاً رفض نائب الرئيس السوداني الراحل جون غارانغ المتكرر التعاون مع برنامج منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة «يونيسف» للم الشمل، مصراً على الاحتفاظ بالصبية في مؤسسات عسكرية مغلقة لاستدعائهم عند الضرورة.

دور الـ «يونيسف»

تعمل الـ«يونيسف» مع الحكومة لرعاية الأطفال وإعادة دمجهم مرة أخرى في مجتمعاتهم. ونفى المتحدث العسكري باسم جيش جنوب السودان الحكومي، العقيد فيليب أغوير، تجنيد الأطفال، مصرّاً على أن هناك أوامر دائمة تمنع الجيش من تجنيد الأطفال.

هروب

حانت للأطفال فرصة للهروب عندما تم إرسالهم لجلب الماء والنار والحطب، وساروا على أرجلهم أياماً. وكانوا يربطون أنفسهم فوق الأشجار ليلاً ليتمكنوا من النوم بأمان. ووصلوا في نهاية المطاف إلى مخيم للأمم المتحدة في مدينة بانتيو، الواقعة في شمال جنوب السودان. وهنا واجهتهم مشكلة، فإذا حاولوا مغادرة المخيم والسير مسافة قصيرة داخل المدينة فقد يتعرضون للرصد من قبل الجنود وتتم معاقبتهم كجنود فارين من القتال.

تويتر