مع دخول المرشد الأعلى علي خامنئي المستشفى

القيادة الإيرانية المقبلة قد تكـــون أقل قبولاً لأي اتفاق نووي

صورة

يعتقد الكثير من المراقبين أن إيران ستعاني أزمة قيادة بعد الأنباء عن دخول المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، المستشفى بسبب إصابته بسرطان البروستاتا. ففي الوقت الذي تجري فيه المفاوضات بشأن ملف إيران النووي في سويسرا، تتصاعد الكثير من المخاوف من أن من سيخلفه سيكون أقل قبولاً لأي اتفاق نووي.

وفي مدينة لوزان بسويسرا تتسارع خطى المفاوضات النووية الإيرانية، خمسة زائد واحد، بقيادة الولايات المتحدة، للوصول إلى اتفاق في أو قبل 31 مارس. وتحدث وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، للصحافيين السبت الماضي، عن أن المفاوضين يحققون «تقدماً حقيقياً»، ولكن «لاتزال هناك ثغرات مهمة».

إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا سيحدث إن لم تكن القيادة الإيرانية، التي تتفاوض معها الولايات المتحدة والدول الخمس الأخرى، موجودة لتنفيذ أي اتفاق؟ حيث تشير اثنان من التطورات الأخيرة الى أن الجمهورية الإسلامية قد تكون متجهة نحو واحد من التشنجات التي تنتابها بين الفينة والأخرى عندما تتنافس الفصائل المختلفة. والناتج عن ذلك يمكن أن يعرقل أي اتفاق، أو قد يتمخض عنه ذلك التزام الغرب باتفاق لا يستطيع الطرف الآخر الالتزام به لأسباب التغير في القيادة. هناك بعض الأدلة التي تشير الى أن إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، تأخذ مثل هذه الظروف في الحسبان.

الإنذار الأول جاء في شهر سبتمبر، حيث تحدثت الأخبار بأن المرشد الأعلى، علي خامنئي، البالغ من العمر 75 عاماً، خضع للعلاج من سرطان البروستاتا. وأصدرت وسائل الإعلام التي تديرها الدولة صوراً نادرة لأقوى رجل في إيران يستقبل الزوار في المستشفى. وهناك إشارة إلى أن مرضه جعل رجالاً طموحين ينشطون في حركة دائبة ليحلوا محله.

الإنذار الثاني هو انتخاب آية الله يزدي، رجل الدين المتشدد، أوائل هذا الشهر، لرئاسة مجلس الخبراء، وهي الهيئة الدينية التي تختار الزعيم الأعلى وتشرف عليه اسمياً. وتعود هيمنة يزدي على احد مؤسسي الجمهورية الإسلامية والمنافس الرئيس لخامنئي، آية الله أكبر هاشمي رفسنجاني، إلى الأيام الأولى للنظام.

قاد رفسنجاني البرلمان خلال ثمانينات القرن الماضي، وشغل منصب رئيس البلاد معظم فترة تسعينات القرن الماضي. وهو الراعي للرئيس الإيراني الحالي والمعتدل، حسن روحاني. وغالباً ما توصف أيديولوجية رفسنجاني بأنها «برغماتية محافظة»، على الرغم من أن النظام الإيراني قام خلال فترة رئاسته بحملة من التفجيرات والاغتيالات ضد معارضين وأهداف يهودية في الخارج.

الذي يعرفه الإيرانيون جيداً هو أن رفسنجاني، يبلغ الآن 80 عاماً، لكنه لايزال يتطلع للزعامة العليا، وأن جهوده الأخيرة لصعود سلم القيادة مرة أخرى عرقلها خامنئي. ويقول أحد البرلمانيين القدامى «إن خامنئي، الذي هو أحد من يحملون ضغينة ضد رفسنجاني، لا يريده أن يترأس مجلس الخبراء الإيراني»، ويضيف «إن جميع الجهود تصب في منع رفسنجاني تسلّق سلّم القيادة».

هذا الصراع على الخلافة يمكن أن يؤدي إلى عدم استقرار خطير، ويقوي الذين يجعلون المنافسين القدامى يبدون كمعتدلين.

آية الله روح الله الخميني، الذي قاد ثورة عام 1979، التي أطاحت بالشاه، سعى إلى التأكد من أن الخلافة في الجمهورية الإسلامية الجديدة تسير بسلاسة. وكان يؤمن بأن تلك السلطة الدنيوية العليا يجب أن ترتكز على ولاية الفقيه، أو باحث في القانون والأخلاق، والذي يحكم كبديل إلى أن يظهر الإمام الغائب.

وبطبيعة الحال، فإن الفقيه الأول هو الخميني، فقد أنشأ هيئات منتخبة وغير منتخبة، بما في ذلك مجلس الخبراء، ليصبغ على دولته الدينية مسحة من الشرعية الديمقراطية، في حين يمكنه أن يتعامل مع أي فصيل قد يتحدى سلطته. بعد وفاة الخميني في عام 1989، اختار مجلس الخبراء خامنئي رئيساً للبلاد خلال معظم العقد الأول للجمهورية الإسلامية، ليصبح في ما بعد القائد الإيراني المقبل.

وكان خامنئي في ذلك الوقت يحظى بدعم من رفسنجاني، وهو رجل خبير ظل يتصور بأنه يمكنه تعطيل قيادة خامنئي، إلا أن تصوراته تلك تحولت إلى سوء تقدير مذهل للغاية، فقد كافح خامنئي لفترة من الوقت، لكنه أطبق قبضته على السلطة، وكسب دعم الدوائر الرئيسة، وكان أهمها فيلق الحرس الثوري، تلك القوة العسكرية المكلفة بالحفاظ على النظام من الداخل وتصدير الثورة إلى الخارج.

الرئيس الإيراني الجديد المنتخب لديه تأثير في اتجاه السياسة الداخلية وتنفيذ السياسة الخارجية، إلا أن المرشد الأعلى يتمتع بحق مطلق في جميع المجالات، مثل هيمنته على القوات المسلحة، والقضاء، والإعلام الذي تديره الدولة، كل ذلك يتعلق مباشرة بالمرشد الأعلى. وببساطة، فإن وجود الجمهورية الإسلامية يعتمد على وجود زعيم مهيمن، ويمثل هذا الدور خامنئي، ولكن ليس هناك من هو على يقين بالشخص الذي سيحل محله.

ويحظى رفسنجاني بدعم من بعض عناصر رجال الدين والمؤسسة الأمنية ونخبة رجال الأعمال، ولكن بالنسبة لكثير من الإيرانيين، فإن رفسنجاني فاحش الثراء يجسد الجانب الفاسد والمرتشي للجمهورية الإسلامية.

كان هناك حديث عرضي عن تشكيل ايران لجنة تشرف على القيادة، إلا ان مثل هذه الخطوة قد تتعارض مع مجتمع اعتاد منذ 2500 سنة على طاعة سلطة رجل واحد. البديل الآخر للقيادة يتمثل في احتمال إقدام الحرس الثوري، الذي يسيطر على ما لا يقل عن ثلث الاقتصاد الإيراني، على توسيع نفوذه في العالم العربي، ويقرر بالتالي أن يأخذ زمام الأمور مباشرة ويلغي سلطة رجال الدين.

هذا المثال قد نجده في قائد قوة القدس في الحرس الثوري، اللواء قاسم سليماني، الذي قاد جهود طهران للحفاظ على نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، ويقود الآن الميليشيات الشيعية في العراق لمحاربة ميليشيات «داعش»، فهو يتمتع بالجاذبية القيادية على نحو متزايد في نظر الجمهور الإيراني، حيث تظهره الصور تارة من خلال نشاطه العسكري الحالي المتمثل في قيادة القوى الشيعية في العراق، وتارة يصلي في سورية. وظل الحرس الثوري لعقود في الظل، ولكنه الآن يستعرض قوته وهيبته، ومثل هؤلاء الرجال لا يمكنهم تقديم أي تنازلات.

إذن فهناك سيناريو أكثر تشاؤماً يلوح في الأفق يتمثل في انقلاب العناصر المتشددة في الحرس الثوري على الحكومة الإيرانية في حال موت خامنئي، واستيلائه على مجلس الخبراء، وتعيين زعيم متشدد مثل آية الله محمد تقي مصباح يزدي، وهو أحد المتعصبين الذين يقولون إنه «يجب إنتاج أكثر الأسلحة المتطورة داخل بلدنا، حتى ولو لم يرغب أعداؤنا في ذلك، حيث إنه لا يوجد أي سبب بأن يكون لديهم الحق في إنتاج نوع خاص من الأسلحة، في حين يحرمون بلداناً أخرى منه».

لايزال خامنئي يتفق مع ما يجري من مفاوضات نووية، إلا أن هناك أشخاصاً آخرين وفصائل في القيادة الحالية أقل احتمالاً لقبول شروط أي صفقة نووية. ونحن نتساءل: هل يستطيع أي اتفاق نووي أن يتضمن الشرط الاستثنائي الذي طرحه مصباح يزدي؟

سوهراب أهمري كاتب لدى «وول ستريت جورنال» في لندن

تويتر