على الرغم من تكثيفها في الآونة الأخيرة في العراق وسورية

ضربات التحالف ضد «داعـــش» بلا فاعلية في غياب عملية سياسـية

صورة

تبدو الأمور من الجو كأنها تمضي على ما يرام بالنسبة إلى قوات التحالف الدولي التي تقودها أميركا في العراق لمحاربة تنظيم «داعش»، حيث أسقطت تلك القوات أكثر من 1700 قنبلة على أهداف للتنظيم في العراق وسورية، ما جعله ينتشر في بعض المناطق، ويبطئ تقدمه في مناطق أخرى، إلا أن الواقع على الأرض يعكس شيئاً آخر، إذ يعتقد مسؤولون وزعماء قبائل في العراق أنه في غياب أي عملية سياسية حقيقية تقود الغارات الجوية، فإن الوضع الجاري يجعل المجتمعات السنّية تفكر في التحالف مع «داعش»، لاسيما في المناطق الحساسة حول بغداد.

مخاوف من سيطرة الميليشيات

تعرض تنظيم «داعش»، الذي احتل مدينة عين العرب (كوباني) الكردية، قرب الحدود التركية، لما يصل إلى 600 ضربة جوية، أي ما يشكل أغلبية الهجمات الجوية في البلاد، ولاتزال عين العرب مع ذلك موضع نزاع بين «داعش» والميليشيات الكردية التي هزمت التنظيم، الذي فقد ما يقدر بنحو 400 مقاتل عند محاولته الاستيلاء على المدينة.

ويقول نائب الرئيس العراقي، إياد علاوي، إن «الرعب الذي ستشهده المناطق بعد تحريرها من قبضة (داعش) سيكون هائلاً جداً، إذا لم نضع في حسباننا هذه النقطة»، ويضيف «علينا أن نجد فرص عمل لهؤلاء الناس، من خلال إعادة بناء المناطق، ومن خلال كفالة حقهم في العودة إلى مناطقهم ومحافظاتهم، وألا نحاول تسليح الناس في الشوارع».

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/02/267340.jpg

 الأكراد تمكنوا من طرد «داعش» من عين العرب بعد 600 ضربة جوية للتحالف.  أ.ف.ب

ويقول نائب الرئيس العراقي، إياد علاوي، إن عدم توقيع اتفاق مصالحة حقيقية بين العراقيين يجعل الضربات الجوية التي ينفذها التحالف ضد «داعش» غير مجدية، وإن عدم وجود عملية سياسية بين الشيعة، الذين يهيمنون على قاعدة السلطة في البلاد، والسنّة المحرومين منها، يشكل «خطأ فادحاً» يجعل الهجمات الجوية في نهاية المطاف لا تحقق سوى القليل. ويضيف لصحيفة «الغارديان» أن «الاستراتيجية تحتاج إلى إعادة نظر كاملة، ويجب أن يكون الحلفاء الدوليون جزءاً من تلك الاستراتيجية»، ويقول إن «كثيراً من الناس يسألونني عما سيؤول إليه الحال بعد (داعش)، وما مصير السكان المحليين؟ وهل سيتعرضون للاتهام بأنهم يدعمون (داعش)؟ أم يقولون إنهم يناصبونها العداء؟». ويرى أنه من الصعب بالنسبة لهم «الانخراط في محاربة (داعش) من دون مصالحة حقيقية». ويقول علاوي إن المناطق المحيطة ببغداد التي اخترقها «داعش» حتى قبل اجتياحه ثاني أكبر مدن العراق، الموصل، في يونيو الماضي، هي الآن غير مستقرة وضعيفة على نحو متزايد. ويعتقد أن هذه المناطق تشهد تطهيراً عرقياً على نطاق واسع، وأن الكثير من السكان اضطروا إلى مغادرة مناطقهم، ولا يستطيعون العودة إليها الآن، بسبب هيمنة التنظيم.

ويوافقه الرأي المسؤول العراقي البارز، الدكتور هشام الهاشمي، الذي يقدم المشورة للحكومة بشأن «داعش»، ويقول، إن المناطق حول بغداد «تعاني الكثير من العنف الطائفي، وبدأت قبائل هناك في التفكير في الانضمام إلى (داعش)، لأنها تعتقد بأن هناك تحركات لترحيلها من أراضيها».

وظلت مدينة سامراء، إلى الشمال من العاصمة العراقية، والمناطق السنّية الواقعة إلى الجنوب، متوترة وشديدة الخطورة، على الرغم من مضي أكثر من سبعة أشهر على الغارات الجوية التي أدت إلى تقدم الدعم للجيش العراقي المحاصر، وعدد كبير من الميليشيات الشيعية التي تقاتل إلى جانبه، إذ إن السيطرة على هذه المناطق تعتبر حيوية لإحكام السيطرة على كامل أرض العراق. ويعتقد اثنان من كبار المسؤولين العراقيين أن السيطرة النسبية لقوات الأمن على هذه المناطق «ستذوب بسرعة إذا ألقت هذه القبائل بثقل دعمها لـ(داعش)». وعبر زعماء القبائل أنفسهم عن هذه المخاوف، مؤكدين أن هوة الثقة العميقة بينهم وبين الحكومة قد تدفع بعض القبائل إلى الانضمام إلى «داعش» بدلاً عن دعمها المجهودات السياسية في محاربته.

ويقول الزعيم القبلي في الأنبار، الشيخ محمد صالح البخاري، «إن القبائل منقسمة هذه المرة حول الدفاع عن الحكومة»، ويواصل حديثه «ليس لدينا ثقة بالحكومة، فهي لم ترتكب الخطأ مرة أو مرتين، وإنما ظلت تكرر الخطأ نفسه، ولم تفِ بأي من تعهداتها، فلماذا نثق بها؟»، مضيفاً أن الحكومة تتعامل بشكل رسمي مع شيوخ القبائل الذين فروا منذ سنوات، ويقيمون في الخارج خوفاً على حياتهم. ويعتقد «أن الوضع حول بغداد هش، ومعظم المناطق تحت سيطرة (داعش)، كما أن الوضع في أبوغريب، على الحدود الغربية من بغداد، هش للغاية، وربما يفقد الجيش السيطرة على هذه المناطق في أي لحظة».

ويقول الهاشمي إن الضربات الجوية في كل من العراق وسورية ذات تأثير محدود، ويضيف، «استخدم الأميركيون ثلاثة تكتيكات: وضع عقبات ودفاعات أمام (داعش)، ومهاجمة مخازن الأسلحة ومصافي النفط لقطع مصادر تمويله، ومهاجمة هيكل المنظمة، ولم يفعلوا الكثير بشأن هذه النقطة الأخيرة، وبدأ (داعش) يتكيف مع الاستراتيجية الأميركية، ما ساعده في التقليل من الأضرار والخسائر التي لحقت به». ويعتقد أن المستشارين الأميركيين يشعرون بالحرج لعدم الإيفاء بتعهداتهم التي قطعوها لأهل السنّة، كما يعتقد أن «الأميركيين يخسرون».

وقضى المسؤولون الأميركيون في بغداد الأشهر الثلاثة الماضية في محاولة لمنع مزيد من التدهور لسيطرة الدولة على مقاليد الأمور. واستطاع المسؤولون إحياء بعض العلاقات التي كانت تربطهم بزعماء القبائل، الذين استطاعوا تحقيق درجة من النجاح في ذروة الحرب الأهلية في عام 2007 ضد «داعش» في العراق. وكان يطلق على ذلك التعاون اسم «الصحوة»، ويرى المسؤولون الأميركيون أن استخدام الدعم الشعبي مرة أخرى يعتبر أمراً أساسياً في طرد «داعش» بعيداً عن البلدات والمدن التي يحتلها. وأعلنت واشنطن الجمعة الماضي، أنها سترسل 400 جندي لتدريب المعارضين السوريين لمحاربة «داعش».

وحتى الآن تعارض القبائل العراقية أخذ زمام المبادرة لتشكيل صحوات جديدة، مؤكدة أن آخر صحوة لم تحقق لهم سوى عائد ضئيل على المدى البعيد، مقابل كلفة عالية في الأموال والأرواح، والأهم من ذلك أن تلك الصحوات لم تفعل شيئاً لتغيير ميزان القوى بالنسبة لهذه القبائل في بغداد، وترى بعض الجهات السياسية أن سنّة الأنبار ليسوا سوى طابور خامس، وهي وجهة النظر التي قادت بعض الأطراف السنّية لإذكاء نيران مقاومة الحكومة. ويعتقد بعض المنتمون إلى «داعش» أن التنظيم لايزال يحتفظ بالسيطرة الاستراتيجية على منطقة وادي الفرات، الذي يمتد من شمال غرب الأنبار إلى الحدود السورية. ويحتفظ «داعش» بالعديد من الأسلحة التي نهبها من مخازن الجيش العراقي المهجورة في يونيو الماضي، وأيضاً من قواعد الجيش السوري التي اجتاحها، ويحتفظ بها في المدن الصغيرة والقرى التابعة لهذه المنطقة.

إلا أن النجاح لم يحالف «داعش» كثيراً في أقصى شمال البلاد، عندما هدد أربيل لفترة وجيزة الصيف الماضي، إذ إنه تلقى أكثر من 300 ضربة من الضربات الجوية الـ900 التي أطلقها ضده التحالف داخل العراق.

تويتر