مع تشدد بيروت في إجراءات دخول اللاجئين والاعتداءات ضدهم

التداعيات الإنسانية للأزمة الســــورية تتفاقم في لبنان

صورة

بعد مضي أكثر من ثلاثة أعوام على بدء الأزمة في سورية، لا يضيِّع سوري أو فلسطيني أدنى فرصة لدخول لبنان، هرباً من الوضع الذي يصفونه بأنه «الجحيم بعينه». لكن الرسالة واضحة لكل منهما: لا تحاول التوجه إلى بلدة المصنع الحدودية، وكذلك لا تحاول التوجه إلى مكتب الهجرة إلى لبنان، الذي تم افتتاحه أخيراً في ساحة المرجة وسط دمشق، فأنت «غير مرحب بك، وغير مرغوب فيك» في لبنان، سواء كنت سورياً أو فلسطينياً. ويتم رفض طلب 98% من مجموع الذين يتوجهون إلى مركز الحدود ومكتب المرجة، بالدخول إلى لبنان، على الرغم من أن أوراقهم الثبوتية ووثائق سفرهم صحيحة وسارية المفعول وليست عليها شائبة. والوضع لا يختلف كثيراً على الحدود الاردنية مع سورية، ما يزيد أهمية القول إنه لا يبدو أي خيار آخر متاح لهم غير المحاولة مرة ثانية وثالثة لدخول لبنان، كوسيلة للتخلص من اليأس، والتخفيف مما يعانونه من مشكلات يومية لا تنتهي.

أعباء ثقيلة

أصبح واضحاً، في العامين الأخيرين، أن تدفق اللاجئين من سورية إلى لبنان يضيف أعباء ثقيلة وكبيرة على مرافق البنية التحتية فيه، ويفاقم مشكلاته في المياه والكهرباء والصرف الصحي، وزيادة معدلات البطالة، ويساعد في حدوث نزاعات طائفية. غير أن هناك إصراراً كبيراً وغير عادي من اللاجئين السوريين على التوجه إلى لبنان، والمحاولة أكثر من مرة لدخوله.


الاعتداء على اللاجئين السوريين في لبنان

قالت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، المعنية بحقوق الإنسان، إنها قامت بتوثيق هجمات تعرض لها لاجئون سوريون على أيدي مواطنين لبنانيين، في أغسطس وسبتمبر الماضيين، حيث تعرضوا للطعن بآلات حادة وإطلاق النار والضرب المبرح، لكن الخوف منعهم من إبلاغ السلطات وجمعيات حقوق الإنسان بما تعرضوا له. وأضافت أن الهجمات وأعمال العنف التي قامت بتوثيقها، كانت تتم في معظمها تحت سمع السلطات اللبنانية ومرآها، وأن هذه السلطات تجاهلت طلبات عدة من منظمات دولية بزيادة إجراءات الحماية للاجئين السوريين.

وفي هذا الشأن، يقول نائب رئيس «هيومان رايتس ووتش»، في الشرق الأوسط، نديم حوري، إنه ينبغي على السلطات اللبنانية أن توفر الحماية والامن لكل من يعيش على أرض لبنان، لا أن تغمض عينها عما يتعرض له اللاجئون السوريون من ترويع وترهيب.

كما أن مشهد العشرات، الذين يفترشون الأرض أمام مكتب الهجرة، بعد أن أصابهم الإنهاك والعطش، وهم يتفقدون النقود القليلة في محافظهم وجيوبهم، وقد أخذ العطش والجوع من أطفالهم مأخذه، فأخذوا يتسابقون في البكاء. حقا إنه مشهد إنساني صعب للغاية، لاسيما وهم على مرأى ومسمع من موظفي اللجنة العليا لمفوضة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الذين يبدون مغلوبين على أمرهم، وفي حالة عجز عن تقديم أي نفع أو خدمة لهم. ولأن لبنان لم يوقع على اتفاقات ومواثيق جنيف الخاصة باللاجئين في عام 1951، فإنه من غير المتوقع أن يبدي التزاماً بما جاء فيها، ولا يمكن لأحد أن يطالبه بذلك لأن عدم توقيع لبنان عليها في ذلك الوقت كان التزاماً بمواقف سياسيين لبنانيين مناهضين لوجود الفلسطينيين في لبنان من بدايته وأساسه.

وثمة واحدة من عشرات أو مئات الحالات، التي تشرح حال اللاجئين السوريين، الذين يحاولون بكل استماتة الدخول إلى لبنان، أبلغني بها صديقي الصحافي المراقب والمتابع للشأن السوري، إذ قال إنه التقى أسرة سورية عند مركز الحدود السورية اللبنانية، مؤلفة من رجل وزوجته وأطفاله الخمسة وابنته الكبرى «رشا» وابنها، وقد شرح له الرجل أنهم فقدوا كل ما يملكون في مدينة حمص، وليس أمامهم من خيار إلا محاولة العبور إلى لبنان، لأن مصر والأردن يمنعان دخول اللاجئين السوريين، كما قتل زوج رشا أثناء تبادل لإطلاق النار في الربيع الماضي، أثناء ذهابه لشراء بعض الطعام في البلدة القديمة من حمص، وقال له رب الأسرة إنه «عاجز ويائس تماماً» في تأمين مأوى أو بيت للاسرة في أي مكان، وأنه يرجوه أن ياخذ ابنته رشا وابنها ويعبر بهما إلى لبنان، لأن الموظفين اللبنانيين سيسهلون له أمره باعتباره أميركياً، غير أنه اعتذر بلطف كبير وأبلغه أن فكرته غير واقعية وقدم له مبلغاً متواضعاً من المال لمساعدته في تجاوز محنته. وما يمكن استخلاصه من الاستماع إلى مثل هذه الحالات، هو أنه قد تكون هناك مبالغة في تصوير وإبراز الظروف القاسية وغير الانسانية التي يعيشها السوريون والفلسطينيون في لبنان، لكنها تبقى بعيدة للغاية عن المعايير الإنسانية في حدها الأدنى، فهم محرومون من الحد الأدنى من الحقوق الأساسية لأي إنسان في أي مكان، بالاضافة إلى الخطر الأمني الذي يتهدد سلامتهم الشخصية على أيدي أعضاء ميليشيات أو أفراد موتورين ومتطرفين. ومن خلال التحقيقات والاستقصاءات، التي قام بها مكتب الهجرة في دمشق والجمعيات السورية لحقوق الإنسان وتجمعات الصحافيين العرب الموجودين في سورية، توصل هؤلاء إلى أن صورة الوضع الانساني للسوريين والفلسطينيين في لبنان قاتمة وموحشة أكثر مما نتوقع، إلى حد يثير الاشمئزاز والتقزز.

كما أن منظمات حقوق الإنسان سجلت أن الجيش اللبناني قام بتجاوزات أثناء معالجته أزمة بلدة عرسال اللبنانية، حيث اعتقل 200 من اللاجئين السوريين بين 19 و24 من سبتمبر الماضي، من دون توجيه اتهامات محددة لهم.

وفي إطار التضييق عليهم، فرضت 45 بلدية في لبنان حظر التجول والحركة على السوريين في لبنان، في خطوة بدت كأنها عنصرية بكل وضوح، وانتهاك للقانون الدولي.

وتقول معلمة سورية «لقد قدمنا لإخواننا اللبنانيين كل ما نستطيعه من مساعدة أكثر من مرة طوال سنوات الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاماً، وكذلك في الحرب الاسرائيلية على لبنان في يوليو 2006». وتضيف أنه «لابد من وقف هذه الهجمات على أسرنا وعائلاتنا في لبنان».

فرانكلين لامب - صحافي أميركي متخصص في الشأن السوري

تويتر