إعادة الإعمار تتطلب وقتاً طويلاً ومبالغ ضخمة

غزة تواجه دماراً غير مسبوق منذ 1967

صورة

تواجه جهود إعادة إعمار قطاع غزة تحديا كبيرا ربما يكون الأكبر منذ نصف قرن، وذلك بعد حرب دمرت البنية التحتية وأتت على جزء كبير من المباني السكنية. ويصف عمال الإغاثة الإنسانية الوضع في غزة، حاليا، بأنه الأسوأ منذ احتلال إسرائيل للقطاع في 1967. وبقيت أنابيب المياه والصرف الصحي ومحطات الطاقة بعد انتهاء الحرب معطلة إذا لم تكن قد دمرت. وهدم ثلاثة أضعاف المنازل مقارنة بحرب عام 2009 ونزح ما يقرب من 10 أضعاف الذين نزحوا آنذاك. ومما يضاعف تحدي إعادة البناء، الانقسامات السياسية الفلسطينية والمخاوف الدولية بشأن ضخ ملايين الدولارات إلى الأراضي التي تخضع لسيطرة حماس.

تقول الأمم المتحدة أن نحو 70 % من المصانع المتبقية في غزة، التي قصفتها إسرائيل، مقيدة بقواعد توريد مواد البناء مثل الأسمنت، والذي يصنف ضمن المواد «استخدام مزدوج» من قبل تل أبيب. ويمكن أن يؤدي الفشل في إعادة بناء القطاع بالطريقة الملائمة وفي الوقت المناسب إلى كارثة إنسانية أو إلى لعنف متصاعد، أو كليهما.

نقص فادح

تشكو غزة من نقص فادح في المنازل ويعود ذلك للحربين التي خاضتهما حماس وإسرائيل كانت الأخيرة أعنف بكثير من سابقتها إذ تعرض القطاع لدمار هائل وغير مسبوق. وتقول وزارة الإسكان أن ثلثي المنازل التي دمرت خلال 2009 تم إعادة بنائها وبقي الثلث الآخر على حاله إلى الآن.

يقول العضو في البرلمان الفلسطيني، أشرف جمعة، الذي يسعى منذ سنوات لرفع الحصار على القطاع، «أعتقد أنه بعد هذا الضغط الإضافي على غزة سوف يصبح سكان القطاع أكثر تطرفا وراديكالية وهذا وضع خطير جدا.» ويصف عمال الإغاثة الأوضاع في المدارس التابعة لمنظمة «الأنروا» التي تتخذها الكثير من العائلات ملاجئ مؤقتة، بأنها غير صحية. ويتوزع أكثر من 110 آلاف نازح على المراكز التي تديرها المنظمة إلا أن الإقامة فيها لا ترضي الجميع. وفي ذلك يقول مدير مدرسة في جباليا، معين حميد، الذي يتلقى طلبات وشكاوى النازحين، إن الحرب الأخيرة أسوأ بكثير من سابقاتها، «تدمير المنازل تم بعنف أكبر ورد فعل الناس كان أكثر عنفا بكثير،» موضحا، «حتى الأطفال كان سلوكهم لا يصدق.» وبينما كان مدير المدرسة يتحدث دخل رجل إلى المكتب شاكيا نقله من مركز للنازحين ورفض تسجيله في جباليا دون تقديم وثيقة مختومة من البلدية تؤكد هدم منزله.

شددت مدارس «الأنروا» القواعد الخاصة بفتح المزيد من الفصول الدراسية قدر الإمكان قبل بدء الموسم الدراسي، فقد دمرت نحو 22 مدرسة بشكل كامل وتضررت 118 أخرى في الحرب. ووفقا لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، فإن القطاع عانى من نقص، قبل الحرب، قدر ب200 مدرسة. ويقول المتحدث باسم وزارة الإسكان، ناجي سرحان، ان إعادة بناء المنازل في 2009 تكلف نحو 600 مليون دولار، واليوم تحتاج غزة لثلاثة أضعاف هذا المبلغ لإصلاح ما أفسدته الآلة الحربية الإسرائيلية خلال الصيف الماضي.

وقد أنشأت الوزارة لجنة للتنسيق بين الوزارات ومنظمات الإغاثة والجهات المانحة المعنية بإزالة الأنقاض وإعادة البناء، ولكن الصراع على السلطة بين حركتي حماس وفتح أعاق عملها. ويذكر أن حماس سمحت بتشكيل حكومة وحدة وطنية من التكنوقراط في يونيو الماضي، ولكن الحكومة الجديدة لم تتمكن من العمل في غزة، ورفضت دفع رواتب الموظفين منذ أن تسلمت مهامها- لأن حماس لديها تراكم في الرواتب المتأخرة- ولكن أيضا بسبب القيود الدولية على ضخ الأموال لحماس، التي يعتبرها الغرب منظمة «إرهابية». ومع ذلك يقول سرحان، إن 45 موظفا في الوزارة من أصل 170، خصوصاً المهندسين والمحاسبين، كانوا في مناصبهم قبل تشكيل حكومة حماس، والذين تم اختيارهم لخبرتهم المهنية بدلا من وجهات النظر السياسية. والآن تناثرت الوزارة مع الحطام جراء القصف الإسرائيلي لبناية مجاورة. و العديد من الموظفين النازحين يعملون في بأسفل مبنى الوزارة لأن مكاتبهم في الأعلى لم تعد صالحة للاستخدام. لكن على الرغم من الظروف الصعبة، فإن هؤلاء الموظفين يعملون نحو 15 ساعة في اليوم لإطلاق عملية إعادة الإعمار. وفي ذلك يقول رئيس لجنة التنسيق الجديدة في الوزارة، جواد الآغا، «ربما نستطيع التخفيف من معاناة شعبنا»، مضيفا، «هذه هي القوة الدافعة لدينا.»

وقد تم تأجيل مؤتمر للمانحين كان مقررا هذا الشهر في القاهرة، مرة أخرى، دون تحديد موعد محدد. والشركات ذاتها التي يعول عليها للمساعدة في إعادة بناء غزة، مثل شركة صناعة الخرسانة المحدودة و«المقاولون العرب»، تم تسوية مصانعها بالأرض. ويقول مسؤولون في الشركتين للتين تنتظران تقييم الأضرار، إن الأمر سيستغرق ما لا يقل عن ستة أشهر و6 ملايين دولار لإعادة بناء المصانع. وتستخدم الخرسانة من قبل «الأونروا» وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

في بداية سبتمبر سمحت السلطات الإسرائيلية بدخول شاحنتين تحملان الإسمنت لصالح البرنامج و10 شاحنات موجهة لمشاريع تديرها «الأنروا». وتعتبر هذه الحمولة الأولى التي تدخل القطاع منذ وقت طويل. كما أعطت تل أبيب الضوء الأخضر لاستيراد المواد الأولية للمصانع والصفيح، المواد التي كانت محظورة بشكل صارم منذ فرض الحصار على قطاع غزة في 2007، حسب «غيشا» الإسرائيلية –وهي منظمة غير حكومية تطالب السماح بدخول المزيد من المواد الأساسية.

مع إغلاق أنفاق التهريب على الحدود المصرية معظم الوقت، هناك حاجة إلى كميات أكبر بكثير من مواد البناء، وكذلك وضع خطة شاملة لكيفية المضي قدما في إعادة الإعمار على نطاق غير مسبوق. مما وضع السلطات المحلية، بما في ذلك رئيس بلدية رفح أحمد ناصر، في وضع حرج؛ ويقول ناصر ان هناك 20 ألف طن من الأنقاض في مدينته وحدها، ويرجع ذلك أساسا إلى الهجوم الإسرائيلي بعد خطف حماس لجندي إسرائيلي.

في غضون ذلك، يجد النازحين وعائلاتهم مأوى في المدارس، أو من خلال استئجار المنازل والشقق التي تضاعفت أسعارها أخيرا. ويستأجر محمود وديع، الذي فقد منزله في الشجاعية، شقة صغيرة مقابل 500 دولار شهريا ليسكن فيها مع عائلته الكبيرة. ويقول انه لا يريد المساعدات الدولية، بل يطالب بدعم حق الفلسطينيين في السيادة. ويضيف وديع وهو يجلس على الأنقاض بجانب منزله المدمر، «لدي كرامة وكرامتي لن تسمح لي بالتسول.»

تويتر