رئيس الوزراء الإسرائيلي وجد نفسه في مأزق مع استمرار التهدئة

إسرائيل أطلقت الصواريخ الـ 3 التي قضت على الهدنة الأخيرة

صورة

انتهت الحرب، عادت العائلات إلى الكيبوتسات (مستعمرات زراعية وعسكرية) قرب غزة، فتحت رياض الأطفال مرة أخرى، وتم تمديد وقف إطلاق النار مراراً وتكراراً، ويبدو أن الجانبين استفادا من ذلك. ثم فجأة جاءت الحرب مرة أخرى، ماذا حدث؟ يقال إن «حماس» أطلقت صواريخ على بئر السبع في خضم وقف إطلاق النار، لماذا؟ لا أحد يدري، لكن المسألة ليست بهذه البساطة.

كانت محادثات القاهرة على وشك أن تكلل بالنجاح، أو هكذا بدا الأمر، لكن (رئيس الوزراء الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو كان في ورطة حقيقية، لقد خبأ مشروع الاتفاق المصري لوقف إطلاق النار مدة طويلة حتى عن زملائه في مجلس الوزراء، ولم يعلموا عن ذلك إلا من وسائل الإعلام، التي كشفت عنه نقلاً عن مصادر فلسطينية.

محمد ضيف و«تكتيك» الاغتيال

الاغتيال عملية معقدة، فهو يتطلب الكثير من الوقت والخبرة والصبر والحظ، وتجنيد مخبرين على مقربة من الضحية المفترض، وتركيب أجهزة إلكترونية، والحصول على معلومات دقيقة عن كل حركاته، وتنفيذ الاغتيال في غضون دقائق إذا أتيحت الفرصة. ومن الواضح أن الأجهزة الأمنية كانت على علم بأن محمد ضيف في زيارة عائلته، وكان ذلك فرصة ذهبية انتظرها الإسرائيليون أشهراً عدة، بل سنوات، فقد ظل ضيف يعيش تحت الأرض، بالمعنى الحرفي، في مكان ما في متاهة من الأنفاق هو ورجاله تحت القطاع.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/08/185542.JPG

محمد ضيف.  أرشيفية

وعلى ما يبدو فإن مشروع الاتفاق ينص على تخفيف الحصار إلى حد كبير، إن لم يكن إنهاؤه بشكل رسمي، وينص أيضاً على بدء المحادثات حول بناء الميناء والمطار في غضون شهر من الاتفاق.

ماذا؟ ماذا ستستفيد إسرائيل من كل هذا؟ بعد كل إطلاق النار وعمليات القتل، وخسارتها 64 جندياً، وبعد كل الخطب المتكلفة عن «انتصارنا المدوي»، فإذا كان هذا هو كل شيء، فلا عجب أن يحاول نتنياهو إخفاء الوثيقة.

وتم استدعاء الوفد الإسرائيلي من دون توقيع، واستطاع الوسطاء المصريون الغاضبون تحقيق تمديد آخر لوقف إطلاق النار يستمر 24 ساعة، كان من المفترض أن ينتهي عند منتصف الليل، يوم الثلاثاء، وكلا الجانبين يتوقع تمديده مرات ومرات، ثم حدث ما حدث.

في نحو الساعة 16.00، انطلقت ثلاثة صواريخ على بئر السبع وسقطت في مناطق مفتوحة، لم تنطلق صفارات الإنذار، والغريب في الأمر أن «حماس» نفت إطلاقها الصواريخ، ولم تدّع أي منظمة فلسطينية أخرى المسؤولية. كان هذا غريباً، ففي السابق كانت كل منظمة تدعي بفخر إطلاقها للصواريخ من غزة.

وكالعادة، بدأت الطائرات الإسرائيلية على الفور بالرد بقصف المباني في قطاع غزة، وكالعادة أيضاً أمطرت المنظمات الفلسطينية إسرائيل بالصواريخ.

وقبل ساعة من انطلاق الصواريخ حذرت القوات الإسرائيلية السكان الإسرائيليين القاطنين بالقرب من غزة لإعداد ملاجئهم و«أماكنهم الآمنة»، ثم بدا أن أول هدف للغارة الإسرائيلية على غزة كان مبنى تسكن فيه عائلة قائد عسكري من حركة «حماس»، قتل فيه ثلاثة أشخاص، بينهم طفل ووالدته.

ثم انتشر الخبر، كانت الجهة المستهدفة هي أسرة محمد ضيف، قائد كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وكان من بين القتلى زوجته وابنه الرضيع، لكن يبدو أن ضيف نفسه لم يكن هناك.

وهذا في حد ذاته ليس غريباً، فقد نجا ضيف مما لا يقل عن أربع محاولات لاغتياله، وفقد من خلالها إحدى عينيه وعدد من أطرافه، لكنه ظل دائماً على قيد الحياة. جميع من حوله من القادة ماتوا على التوالي، ويأتي الآن على رأس قائمة الاغتيالات الإسرائيلية. واغتياله بالنسبة للجيش الإسرائيلي جائزة تستحق كسر وقف إطلاق النار وإعادة إشعال الحرب.

ويبدو لي أنه من المستبعد جداً أن يخاطر ضيف بحياته من خلال زيارة عائلته، لكن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (شين بيت) ربما حصل على خيط وتبعه، فالصواريخ الثلاثة الغريبة التي أطلقت على بئر السبع، قدمت ذريعة لإسرائيل لخرق وقف إطلاق النار، وهكذا بدأت الحرب مرة أخرى.

حرب غزة الأخيرة، قبل عامين، بدأت بالطريقة نفسها، فقد اغتال الجيش الإسرائيلي زعيم الأمر الواقع في كتائب القسام أحمد الجعبري، الذي كان يقوم في ذلك الوقت مقام ضيف، والذي كان يقضي فترة نقاهة في القاهرة.

كل هذا بالطبع مسألة معقدة جداً للدبلوماسيين الأميركيين والأوروبيين، الذين يفضلون روايات مبسطة. كان رد فعل البيت الأبيض على الفور بعد استئناف الأعمال العدائية هو إدانة خرق «حماس» وقف إطلاق النار، وهذا يؤكد من جديد أن «إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها» كما تزعم وسائل الإعلام الغربية.

فإذا كان نتنياهو يعرف سلفاً محاولة الاغتيال أم لا، فقد كانت وسيلة مناسبة له للخروج من المأزق، فهو في موقف حرج مثل العديد من القادة في التاريخ الذين يبدؤون الحرب لكن لا يعرفون كيفية الخروج منها، فقبل الحرب يلقي القائد خطباً رنانة، ويعد شعبه بالنصر والإنجازات الوفيرة، وهذه الوعود نادراً ما تتحقق. ويعد نتنياهو موظف تسويق موهوباً، فقد وعد كثيراً، والناس يصدقونه ومنحوه شعبية بلغت 77%، على الرغم من أن مشروع الاقتراح المصري لوقف إطلاق النار الدائم لم يحقق لإسرائيل الانتصار الذي كانت تتوقعه. وهو يؤكد على أن الحرب انتهت بالتعادل على الأقل بين الجانبين. وعليه فقد امتعض مجلس الوزراء، وشهد الرأي العام توتراً ملحوظاً، لكل ذلك فإن استئناف الحرب مخرج مناسب له من هذه الوهدة.

ولكن ما هو الوضع الآن؟

استقطب قصف سكان غزة مزيداً من انتقادات الرأي العام العالمي لإسرائيل، كما فقدت الحرب جاذبيتها في إسرائيل، ولم يعد يجدي القول «دعونا نقصفهم حتى يكفوا عن كراهيتنا». والبديل ــ كما يعتقد نتنياهو ــ هو الدخول إلى قطاع غزة واحتلاله تماماً، كي يظهر ضيف ورجاله إلى السطح ليتم اغتيالهم، لكن هذا اقتراح خطير.

عندما كنت جندياً إسرائيلياً في حرب عام 1948، كان القادة يقولون لنا ينبغي ألا نصل إلى موقف بحيث لا نترك للعدو مخرجاً، لأنه في هذه الحالة سيقاتل باستماتة حتى النهاية، ما يتسبب في سقوط العديد من الضحايا.

إذن فليس هناك طريقة للخروج من قطاع غزة إذا تم إرسال الجيش الإسرائيلي لغزو قطاع بأكمله، فسيكون القتال شرساً، ما يتسبب في مقتل مئات من الإسرائيليين وآلاف من الفلسطينيين ودمار ليس له مثيل، وسيكون رئيس الوزراء واحداً من الضحايا السياسيين.

نتنياهو يدرك تماماً ذلك، ولا يريد الإقدام عليه، لكن ماذا يمكن أن يفعل؟ ربما من سخرية القدر أن يثير وضع هذا الرجل الشفقة، ويمكنه بالطبع أن يأمر جيشه باحتلال أجزاء فقط من القطاع، قرية أو بلدة مثلاً، لكن هذا أيضاً ينشر الموت والدمار، ولن يجني منه أي مكسب واضح في النهاية وسيجلب عليه السخط العام.

هذا الأسبوع هددت حركة حماس بفتح «أبواب الجحيم» على إسرائيل، وهذا لا يكاد يؤثر في سكان تل أبيب، بل في القرى والبلدات القريبة من غزة، وهذا هو حقاً الجحيم، فالخسائر قليلة، لكن الخوف هو العنصر المدمر، فالأسر التي لديها أطفال تغادر بشكل جماعي، وعندما يعود الهدوء يحاولون العودة إلى ديارهم، لكن تأتي الصواريخ لتطردهم مرة أخرى.

يوري أفنيري - ناشط سلام إسرائيلي

تويتر