بسبب تعنّته الطائفي واتباع سياسات إقصائية تجاه بقية المكونات العراقية

المالكي يفقد منصبه ودعمه الأميركي ــ الإيراني

صورة

ظل رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، نوري المالكي، على مر الفترة السابقة يسير في طريق الديكتاتورية على نحو متزايد كما يراه المحللون السياسيون، ويعتقد البعض أنه أصبح أقرب إلى شخصية الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، فهذا الرجل الذي كان ينظر إليه على أنه مدعوم بقوة من الولايات المتحدة، أصبح الآن وحيداً بعد أن تخلت عنه حليفته لتلقي بثقلها خلف الرئيس العراقي الجديد، فؤاد معصوم. ويعتقد الكثيرون أن المالكي ارتكب العديد من الاخطاء السياسية التي ظل يصر عليها حتى اللحظة، فبعد أقل من 24 ساعة من سحب الولايات المتحدة قواتها المقاتلة نهائياً من العراق أمر باعتقال نائب الرئيس السني، طارق الهاشمي، الذي سرعان ما فر إلى كردستان العراق، وأدين في وقت لاحق بالقتل غيابياً وحكم عليه بالإعدام. ويقول الخبير في السياسية العراقية، رايدر فيسر، إن هذا الموقف في ذلك الوقت جعل «أي سياسي سني بارز يبدو هدفاً محتملاً لحملة المالكي هذه» ويضيف «ويبدو أيضا أن كل سني أو علماني في خطر من مغبة اتهامه بأنه بعثي أو إرهابي».

بوادر حّل

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/08/181527.jpg

يحذر المحللون السياسيون من أنه إذا استمر الجمود السياسي في العراق، فهناك احتمال أن يؤدي ذلك إلى احتجاجات واضطرابات في بغداد، وسيستغل مسلحو تنظيم »الدولة الإسلامية في العراق والشام« (داعش)، وغيرها من المتشددين المناهضين للحكومة هذا الوضع وتحويل العاصمة إلى ساحة معركة. ومع ذلك هناك بعض الدلائل التي تشير على أن الوضع في بغداد لن ينحدر نحو الفوضى وانعدام الأمن، إذ أن رئيس الوزراء المتهية ولايته نوري المالكي التقى الثلاثاء الماضي مع كبار ضباط الأمن، وحثهم على عدم التدخل في الصراع السياسي، في حين أكد رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي أن المالكي لا يزال »شريكاً سياسياً رئيسياً"، مشيداً بدوره في مكافحة الإرهاب.

ومنذ ذلك الوقت ظل المالكي يتشبث بموقفه الطائفي الأمر الذي نفر أو أبعد العديد من الأكراد والسنة من حكومته التي يهيمن عليها الشيعة، وهي الخطوة التي ساهمت في تنامي قوة ميليشيات «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). وحتى بعد سقوط الموصل في وقت سابق من هذا العام، لم يلجأ المالكي إلى تخفيف الموقف بتعيين شخصيات سنية، أو يلين عباراته أو يوفق بين الأطراف، «بل لجأ بدلاً عن ذلك إلى استخدم تهديدات غير مسبوقة، وظل يضرب على وتر الطائفية من أجل حماية منصبه متجاهلاً مصلحة بلاده»، وفقا لمجموعة «صوفان» الأميركية المختصة بشؤون الاستخبارات.

الاحد الماضي ألقى المالكي خطاباً مفاجئاً يؤكد فيه أنه لن يترك السلطة، على الرغم من أن الموقف يتطلب العكس، واتهم بدلا من ذلك معصوم، بانتهاك الدستور، معلناً أنه سيقوم برفع شكوى قانونية ضده لامتناعه عن تسميته هو كمرشح لرئاسة الوزراء لولاية ثالثة، وفي الليلة نفسها وضعت الولايات المتحدة ثقلها خلف معصوم منهية بذلك علاقة مع المالكي استمرت فترة طويلة و«استثمرت فيها بسخاء الكثير من الموارد على أمل أن ترى حكومة عراقية مستقرة تنعم بالتنوع الطائفي»، كما يرى المحللون، لكنها أحست بفشل المالكي بعد أن أمر باعتقال الهاشمي ثم إصدار حكم غيابي بإعدامه.

ارتكب المالكي أيضا خطأً فادحاً آخر، فبعد أشهر قليلة من إدانة الهاشمي، بالتحديد في ديسمبر 2012، أمر باعتقال 10 من حراس وزير المالية السني رافع العيساوي، ودافع المالكي مرة أخرى عن نفسه بعد أن وجهت إليه انتقادات بأنه كان يستهدف السنة، ففي بيان نقلته وكالة «أسوشيتد برس» أكد أنه «ينبغي أن يعلم السنة والشيعة وكل الناس أن تنفيذ مذكرات الاعتقال ضد المشتبه بهم لا تعني استهداف طائفة معينة». وعلى الرغم من ذلك استمر في اعتقالاته ومناوراته السياسية، و سرعان ما دعا إلى إعادة النظر في قوانين «اجتثاث البعث»، ويرى المحللون أن تلك السياسة كانت تهدف إلى استبعاد السنة من وظائف حكومية وصناديق الاقتراع.

كل ذلك قد أدى إلى تقسيم البلاد المحتاجة أصلاً للوحدة من للحد من نفوذ «الدولة الإسلامية» المتزايد، والتي حققت مكاسب كبيرة الأسبوع الماضي قبل استهدافها من قبل الغارات الجوية الأميركية، فقد كانت سياسات المالكي الطائفية هي السبب وراء استيلاء مسلحو «الدولة الاسلامية» على المحافظات ذات الغالبية السنية. وفي بغداد، أعرب العديد من السنة استياء كبيراً من سياسات المالكي.

ويرى «معهد الشرق الاوسط للأبحاث» الذي يتخذ من واشنطن مقرا له أن المالكي اختار الانتهازية السياسية على خلاص العراق، مؤكداً أن المالكي قد فشل تماماً، وأن «أي خطوة خطاها الشهر الماضي كانت تهدف إلى تقليل التوتر ولكنه كانت تصب في الوقت نفسه في زيادة فرص بقاء العراق على تركيبة حكومته الهشة الحالية، فقد اختار الرجل الطائفية بدلاً عن الوطنية».

ويعتقد بعض السياسيين العراقيين أن «المالكي كان يمكنه أن يكون شخصية تاريخية»، كما يعتقد نائب الرئيس العراقي السابق، عادل عبد المهدي، في وقت مبكر من هذا العام «فقد حصل على دعم الشيعة والسنة والأكراد، لكنه في حاجة إلى شراكة حقيقية، وكان عليه أن يمنح بعض سلطاته للآخرين».

وتنامت مخاوف من أن المالكي قد يلجأ للقوة باستخدام الموالين داخل قوات الأمن للبقاء في السلطة، بالنظر إلى أنه لا يزال القائد الاعلى للقوات المسلحة العراقية، ويحتفظ بالعديد من المناصب الامنية. الا أن أستاذة العلوم السياسية في جامعة بغداد، صباح الشيخ، تعتقد أن المخاوف من انقلاب مبالغ فيها، مشيرة إلى أن العديد من ضباط المالكي هم في الحقيقة «من قوات صدام حسين»، ومن الأرجح أن يغير هؤلاء الضباط ولاءاتهم إلى قادة جدد. وتضيف الشيخ بأنه من غير الوارد أن يلجأ المالكي إلى «الاستيلاء على السلطة بالقوة على الرغم من أنه ألقى خطابا يشبه في عباراته التهديد بالانقلاب». أما حديثه بانه سوف يقلب الطاولة على خصومه، فكان من المرجح أن يرفع دعوى قضائية أمام المحاكم الاتحادية ضد ما أسماه ب «مخالفات دستورية»، يبطل ترشيح العبادي، ليصبح هو رئيس الوزراء المكلف.

ويعتقد المحلل السياسي العراقي، حمزة عباس، أن العبادي سوف يستمر في الحصول على الدعم والشرعية من الأكراد والسنة ومعظم الأحزاب الشيعية، جنبا إلى جنب مع اثنين من الدول المؤثرة هما إيران والولايات المتحدة. ويعتقد المحللون أن المالكي اذا ظل في منصبه لولاية ثالثة فسوف يؤدي ذلك إلى تفكيك العراق، فليس لديه أي وسيلة للتصالح، وأن صراعه مع السنة سيصل إلى مستوى الحرب الأهلية. ومثل واشنطن تشعر إيران بالقلق إزاء تقدم مليشيات «الدولة الإسلامية» نحو بغداد والاستيلاء على أجزاء كبيرة من المحافظات العراقية. ويقول عباس إن «موقف الولايات المتحدة واضح في ترحيبها بإقالة المالكي لإحداث التغيير المنشود في العراق، أما إيران، من ناحية أخرى، فتهتم بمصالحها في العراق، وهي حريصة على الحفاظ بلم الشمل الشيعي، مضيفا ان الجمهورية الاسلامية تدعم مجموعة واسعة من القادة الشيعة ولا يقتصر دعمها فقط على المالكي.

تويتر