على الرغم من تشكيل حكومة «الوفاق الوطني»

اتفاق «الشاطئ» خطوة علــى طريق الوحدة الفلسطينية

صورة

لم يتمكن الشعب الفلسطيني من تحقيق الوحدة الوطنية، على الرغم من فرحته بإنشاء حكومة الوفاق، التي أصبحت فاعلة الآن في رام الله. وينبغي للمرء أن يميز بين الترتيبات السياسية بين حركتي فتح وحماس، التي توجبت نتيجة الظروف الدولية والوحدة الوطنية الفلسطينية. إذ إن الأمور التي تم الاتفاق عليها في مخيم الشاطئ في أبريل الماضي، والتي أدت إلى تشكيل حكومة انتقالية في الضفة الغربية في شهر يونيو، ليس لها علاقة كبيرة بالوحدة الوطنية الفلسطينية، إن هذه الأخيرة تعتبر نظرية أكثر شمولية وحيوية، ولهذا فإن الشعب الفلسطيني يخاطر بفقدان أكثر من مجرد منبر سياسي موحد، وإنما قدرته على تعريف نفسه بمجموعة من الطموحات الوطنية أينما حل في أي بقعة من العالم.

وبناء عليه، فإن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بسرعة في غزة ترك العديد من نقاط الخلاف كي يتم نقاشها وحلها من قبل لجان أخرى متعددة، مع احتمال عدم النجاح في حلها، ولكن ذلك ليس شرطاً من أجل الوحدة الوطنية الحقيقية والدائمة. ويخلط معظم خبراء الإعلام بين الوحدة الوطنية، وحكومة الوحدة الوطنية المؤلفة من 14 وزيراً، التي تم اعتمادها في رام الله. ومعظم الوزراء الذين من المفروض أن يكونوا «تكنوقراط»، يعرف أنهم يدينون بالولاء سراً لرئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس. ويقع على كاهل الحكومة مهمة إدارة مناطق موجودة تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة.

الوحدة الحقيقية

الوحدة الحقيقية لا تكون إلا بالعودة إلى القضايا الأصلية التي أدت إلى وقف الاتصالات الفلسطينية داخل فلسطين وخارجها. ويجب التعامل مع تساؤلات مهمة تتعلق بالهوية الفلسطينية، والطموحات الوطنية، والمقاومة، ومستقبل جيل بأكمله ظهر بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993. والوحدة الفلسطينية ليست قضية لوجستية، وإنما مشروعات رئيسة تتطلب وجوهاً وأسماء جديدة، وقبل كل شيء قيادة جديدة.


الفرقة الفلسطينية

لابد من القول إن فلسطين ليست هي حماس وفتح، وإن الفرقة الفلسطينية لم تبدأ مع هذين الطرفين، ولكنها كانت موجودة خلال فترات مختلفة من تاريخ الكفاح الوطني الفلسطيني.

وبدأ تفتت الهوية السياسية الفلسطينية منذ عقود عدة من الزمن.

وربما كان ذلك منذ رحيل منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان عام 1982، الأمر الذي جعل الانفصال واضحاً بين نضال الشعب الفلسطيني وبين قيادته من أجل الحرية.

ويسمح للسلطة الفلسطينية بالعمل في الضفة الغربية تحت مراقبة الجيش الإسرائيلي. وفي مقابل منح السلطة مساحة من العمل تقوم قوات أمن السلطة بالتنسيق الأمني، الذي يهدف إلى حماية أمن المستوطنات اليهودية غير الشرعية، والسيطرة على المقاومة الفلسطينية ومنح الجيش الإسرائيلي خطاً دفاعياً، وفي واقع الأمر فهو الوحيد الذي يحكم الضفة الغربية والقدس الشرقية. ومن غير الواضح كيف سيؤثر التنسيق الأمني في الطريقة التي تسيطر بها إسرائيل على غزة، والتي حتى الآن فرضت إسرائيل الأمن عليها عبر حصار محكم تعزز بعد فوز «حماس» في انتخابات عام 2006، والصراع القصير الأمد الذي وقع بين «حماس» و«فتح» عام 2007.

ومن غير المرجح أن تسمح حماس بإجراء تنسيق أمني على غرار ما هو معمول به في الضفة الغربية، أو وفقاً للطريقة التي كانت تحكم بها غزة، أي من خلال 10 أفرع أمن تابعة للسلطة الفلسطينية قبل عام 2006. وفي الواقع، فإن الغزيين شعروا بالامتعاض من جماعة حركة فتح، الذين كانوا تحت سيطرة رئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني السابق محمد دحلان وبضعة من المسؤولين الفتحاويين، وعلى الرغم من حكومة الوحدة فإن عباس لايزال يرى أن التعاون مع الجيش الإسرائيلي مسألة مقدسة. ولكن حتى إن تم الاتفاق على ترتيبات بديلة لمنع حدوث انفصال آخر بين غزة والضفة، حتى الانتخابات المقبلة والمقرر إجراؤها بداية العام المقبل، فإن ما جرى حتى الآن بالكاد يمكن أن يرقى إلى الوحدة الوطنية.

وخلال الأسابيع الأخيرة، تم استخدام كلمة «الوحدة» في عدد من الطرق، بعضها خاطئ، والآخر خادع. وكرر مسؤولو حماس وفتح، وكلهم قد انتهت مدة تفويضهم، الكثير من المعاني الوجدانية لكلمة «الوحدة» مع استثناءات قليلة من المسؤولين من بينهم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، وهذا الأخير على الرغم من أنه متفائل حول مستقبل قوة الاتفاق، إلا أنه يفهم أن الحكومة الانتقالية هي مجرد خطوة في برنامج طويل يهدف إلى توحيد الجسم السياسي الفلسطيني.

وحتى صحيفة نيويورك تايمز، المعروفة بدعمها الثابت للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، شجعت على الوحدة الفلسطينية.

وذكرت في افتتاحيتها في السادس من يونيو الجاري أنه «إذا كان لابد من التوصل إلى أي اتفاق فلسطيني إسرائيلي، فإن الفلسطينيين يجب أن يتوحدوا»، ولدى تقييم وجهة نظر افتتاحية الصحيفة في ما يتعلق بالوحدة الفلسطينية، يكتشف المرء أن مثل هذه «الوحدة» تهدف وبصورة رئيسة إلى خدمة المصالح المشتركة لإسرائيل والولايات المتحدة. وتابعت الصحيفة في افتتاحيتها «يتعين على الولايات المتحدة أن تكون حذرة في التمييز بين دعمها للحكومة الجديدة وقبولها بحماس وعنفها، وسلوكها المثير للكراهية،

ويجب على الولايات المتحدة أن تواصل إلحاحها على السيد عباس كي يتمسك بوعوده ولا يسمح لحماس بأن تصبح لها اليد المسيطرة على الحكومة»، وتصر الصحيفة على أن حماس لا يمكنها أن تلعب دوراً «اكثر أهمية» في المستقبل.

وبالطبع فإن الوحدة التي تم تفصيلها لمصلحة إسرائيل والولايات المتحدة ليست ما ينشده الشعب الفلسطيني، خلال السنوات السبع الماضية، وغني عن القول إن سيطرة أحد الأطراف على الآخر، ليس نظاماً ديمقراطياً صحيحاً. ولكن حماس وفتح مخطئتان، إذ إن صراعهما الداخلي السخيف والسماح لنفسيهما بخدمة أجندات أجنبية، لا يمكن غفرانه أو إيحاد مبرر له. والتفكير بأن كلا الطرفين سيواصلان السيطرة على مشهد القيادة للشعب الفلسطيني خلال الأعوام المقبلة ليس بالأمر المشجع.

ولابد من القول إن فلسطين ليست هي حماس وفتح، وإن الفرقة الفلسطينية لم تبدأ مع هذين الطرفين ولكنها كانت موجودة خلال فترات مختلفة من تاريخ الكفاح الوطني الفلسطيني. وبدأ تفتت الهوية السياسية الفلسطينية منذ عقود عدة من الزمن. وربما كان ذلك منذ رحيل منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان عام 1982، الأمر الذي جعل الانفصال واضحاً بين نضال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية وبين قيادته، وفي هذه الفترة برزت سيطرة النخبة الفلسطينية.

وخلال هذه الفترة تم اختزال فلسطين في فرق وفصائل، كل منها لديه رموزه وشعاراته، وخطابه، وممولوه. ولعبت منظمة التحرير دور المنبر السياسي الذي هدفه الوحيد، في ذلك الحين، على ما يبدو هو إضفاء الشرعية على سيطرة حركة فتح على الموضوع الفلسطيني، خصوصاً فرعها الموجود في تونس.

وعندها أصبح البرلمان الفلسطيني في المنفى، أي المجلس الوطني الفلسطيني، هو الجهة التي توافق بصورة روتينية على المبادرات السياسية للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وعباس.

ويبدو أنه قد انتهى عهد الديمقراطية الفلسطينية، وأصبحت مقتصرة على انتخابات تجري من قبل سجناء سياسيين في السجون الإسرائيلية، وانتخابات الاتحادات الطلابية المحلية في الأراضي المحتلة. وبتفويض ذاتي، لا ينافسه أي منبر ديمقراطي آخر، وبشرعية الاحتلال الإسرائيلي، حكمت السلطة الفلسطينية الأراضي الفلسطينية المحتلة كما تشاء.

وأصبح الأثرياء أكثر ثراء، في حين يتجمع الفقراء في طوابير طويلة أمام الصراف الآلي في نهاية كل شهر وهم يدعون ربهم أن تكون رواتبهم قد وصلت إلى حساباتهم في المصارف، لأنهم في حالات كثيرة لا يعودون سوى بخفي حنين.

 

رمزي بارود - كاتب أميركي من أصل فلسطيني

تويتر