كان يجمع نبات «الكعوب» من حقل يعود إلى عائلته في الخليل

جنود الاحتلال يقتلون الفتى الفلسطيني يوسف بدم بارد

صورة

تعرض الطفل الفلسطيني يوسف الشوامرة ( 14 عاماً )، من قرية دير العسل في قضاء الخليل، للقتل بدم بارد على يد الجنود الإسرائيليين عند سياج شائك يفصل قريته عن حقل أسرته، عندما ذهب إلى هناك هو واثنان من رفقائه لجمع نبات «الكعوب» البري من الحقل، وتبريرا لجريمتهم، زعم الجنود الإسرائيليون أن الفتية خرقوا السلك الشائك الأمر الذي دفعهم لإطلاق النار عليهم.

وللوقوف على تفاصيل الجريمة ، ذهبت مع والد الفتى القتيل، واسمه سامي، لمعاينة الخرق في الجدار حيث لقي ابنه حتفه.. سرنا على طول طريق ترابي يلتقي مع السياج الفاصل الذي يعزل الأراضي الزراعية للعائلة عن القرية، كان الثقب في السياج واسعاً جداً - كل السياج الشائك كان ممزقاً - فقد ظل الثقب على هذا النحو لفترة طويلة وفقاً لأهل القرية، وأن الصبي، يوسف الشوامرة، أو أي من رفيقيه لم يقم على ما يبدو، بتخريب السياج. ويصر والده، سامي، على ذلك- ويقول إن قتل ابنه ، قد يكون مبرراً بالفعل إذا ثبت أنه خرب السياج.

كان الجنود يختبئون في كمين مموه على أكمة قبالة الخرق، على الجانب الآخر من الطريق الأمني. لهذا كان من المستحيل أن يرى الشبان الثلاثة هؤلاء الجنود بينما كانوا يجمعون «الكعوب» وهي عبارة عن نباتات برية صالحة للأكل، كما يفعل الشباب عادة بشكل يومي في هذا الموسم.

سلك الشبان الثلاثة الطريق الذي سلكناه، والذي تحفه أشجار الزيتون وحقول القمح وبساتين الخوخ. رصد الجنود هؤلاء الشباب من مسافة بعيدة، كانت كل المنطقة مكشوفة لهم. وكانت مغطاة أيضاً بالكاميرات الأمنية. إلا أن الجنود انتظروا حتى دخل الثلاثة من خلال الحواجز ليتوجهوا نحو الحقل على الجانب الآخر، الذي يعود إلى عائلة الصبي القتيل، ليبدأ الجنود في اطلاق النار مستخدمين الذخيرة الحية. ركض يوسف للنجاة بحياته، لكنه أصيب بطلقة في فخذه عندما حاول التسلل عبر السياج، ثم انهار وبدأ ينزف بشدة، وبقي على هذه الحالة قرابة نصف ساعة إلى أن جاءت سيارة إسعاف عسكرية لنقله، وفقاً لتحقيق أجرته منظمة «بتسيلم» الإسرائيلية لحقوق الإنسان.

وتم تقييد الاثنين الآخرين ونقلهما على سيارة جيب عسكرية، وكان جندي يضغط على رؤوسهما بحذائه، وفقاً لشهادتيهما، قبل أن يتم استجوابهما بعد ساعات عدة وإطلاق سراحيهما. روى أحد الشباب أن جندي هدده بالقتل إن لم يهدأ.

 

الرواية الإسرائيلية:

ذكر متحدث باسم القوات الإسرائيلية أن «قوة من الكتيبة المدرعة 77 كانت ترابط في كمين في الليل بالمنطقة المتاخمة لدير العسل، وفي صبيحة اليوم التالي اقترب ثلاثة فلسطينيين من السياج وبدأوا في قطعه، فما كان من القوة إلا تنفيذ الإجراء وإلقاء القبض على المشتبه فيهم، ووفقاً لتقريرها الأولي فإنها قامت بإطلاق النار في الهواء ثم أطلقت في ما بعد النار مباشرة على الفلسطينيين، فأصيب واحد منهم بعيار في فخذه، وتوفي في وقت لاحق متأثراً بجراحه. ويجري الآن التحقيق في ملابسات الحادث».

بعد وصولنا إلى مسرح الحادث تسللنا من خلال ثقب السياج، مثلما فعل الشبان الثلاثة، وشرح لنا سامي كيف وأين قتل ابنه، مثلما شرح له الناجيان الاثنان من أصدقائه، وهما منتصر بله الدردون (18 عاماً) وزاهي شوامرة (13 عاماً)، إلا أن بقع الدم الذي نزفه يوسف اختفت وتلاشت.

بعد دقائق من زحفنا من خلال السياج - الذي ظل حتى الآن كما هو عليه بعد أسبوعين من مقتل الصبي ولم يكلف أحد نفسه عناء إصلاحه - استوقفتنا ثلاث سيارات جيب من الجيش الإسرائيلي كانت ترصدنا بالكاميرات الأمنية.

النقيب أور، الذي قدم لنا نفسه على أنه القائد المحلي، شاب حسن المظهر، سألنا عن سبب عبورنا السياج، وعندما حاول الأب أن يشرح له أن الحقول تعود إلى عائلته، رد قائلاً «أنا المسؤول هنا». وقال له الناشط عزرا ناوي، الذي ينتمي إلى منظمة «تعايش» (المنظمة العربية اليهودية) «أنت قتلت الصبي»، وأردف قائلاً «أطلق النار علي إن أردت لأن ذلك ما تفعلونه دائماً». رد عليه النقيب «تحدث معي باحترام، إنك لم تكن هنا، ولا تعرف ما حدث، هذه منطقتي، وأنا أمثل هنا القانون، أنا السيادة». حاولت أن أشرح للنقيب أن الرجل الذي يعتمر الكوفية هو والد الفتى القتيل. ورد النقيب دونما أي عبارات اعتذار «لا يوجد شيء شخصي هنا»، وتركناه مع قواته لنعود إلى القرية.

 

خسارة مزدوجة

قرية دير العسل من القرى الكبيرة والقديمة على سفوح جبل الخليل الجنوبية، التي تقع قبالة منطقة لاخيش الإسرائيلية، وينتمي سكانها إلى عشيرة الشوامرة. صور الصبي القتيل معلقة في كل مكان من المنزل، إحدى الصور تظهر يوسف بجانب السياج في واحدة من رحلاته لقطف النباتات البرية. وقد تم التقاطها قبل أيام قليلة من وفاته في النقطة نفسها التي قتل فيها. سامي، والد الفقيد، يتحدث العبرية بطلاقة، تعلمها خلال سنوات طويلة من عمله في إسرائيل. أنجب سامي 18 طفلاً من زوجتين، كان يوسف أصغرهم.

بعد مقتل ابنه ألغت الحكومة الإسرائيلية تصاريح دخوله وأبنائه إلى إسرائيل للعمل هناك، ودائماً ما تتصرف إسرائيل على هذا النحو مع أسر من تقتلهم، خشية من انتقامهم، وبالتالي فإنهم يتكبدون خسارة مزدوجة: فقدان الأقرباء ومصادرة الممتلكات. ويعلق سامي على ذلك «في البداية أخذوا أرضي، ثم أخذوا ابني، والآن حرموني عملي، لقد أخذوا كل شيء».

وحسب الرواية غادر يوسف المنزل ذلك اليوم في نحو الساعة السادسة والنصف صباحاً دون أن يخبر والده إلى أين هو ذاهب، والتقى مع اثنين من أصدقائه اللذين لايزالان مصدومين من الحادث، حيث ذهبوا نحو السياج لالتقاط «الكعوب»، كما يفعل الشباب عادة في فبراير ومارس من كل عام، لبيعها إلى تاجر محلي بقيمة 3.50 شيكلات (دولار واحد) للكيلوغرام الواحد، وجلب الشباب الثلاثة مقصات للقيام بهذا العمل. وعادة ما يقومون بقطف النبات بعد المدرسة، ولكن في ذلك اليوم المرير قرروا، لسبب ما، عدم الذهاب إلى المدرسة. ولم يطلق عليهم الجنود النار أبداً من قبل، وفي معظم الأحيان يوقفونهم ويصادرون الكميات الضئيلة التي جمعوها.

عند الساعة السابعة صباحاً في ذلك اليوم سمع سامي صوت اثنين أو ثلاثة أعيرة نارية من اتجاه السياج، لكنه لم يعر ذلك انتباهاً، وفي الثامنة والنصف تلقى اتصالاً هاتفياً من أحد معارفه البدو في مركز سوروكا الطبي في بئر السبع، وسأله إن كان يعرف يوسف الشوامرة، فأجابه «إنه ابني، ماذا حدث» فأخبره الرجل أنه أصيب وتم نقله لمركز سوروكا.

هرع سامي إلى حاجز ميتار لكن لم يتم له السماح بالمرور وأخبروه بأن ابنه قد تم نقله إلى المستشفى، انتظر على الحاجز حتى الثالثة والنصف ظهراً، وتعرض أبناؤه الذين انضموا إليه للضرب من قبل حراس الأمن، وأخيراً وصلت جثة يوسف في سيارة جيب خاصة بأحد معارفه البدو. تم نقلت الجثة إلى مستشفى علياء في الخليل، ودفنت في القرية عند الغسق.

جدعون ليفي - صحافي إسرائيلي

تويتر